نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

فقيد العلم والجهاد: حارس المسيرة(*)

سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله)

 



أتوجّه في البداية بالعزاء إلى إخوة سماحة الشيخ الراحل حسين كوراني، وهم أهل العلم والجهاد والعطاء والعمل الدؤوب: سماحة الشيخ العلّامة علي كوراني، وسماحة العلّامة عبّاس كوراني، والأخ الحاج قاسم كوراني، وإلى العائلة كلّها، والإخوة والأصدقاء والمحبّين، ورفاق الدرب جميعاً.

في هذه المناسبة، سأحاول الوقوف عند بعض الجوانب التي تسلّط الضوء على شيءٍ من شخصيّة سماحة الشيخ الراحل رحمه الله.

•بيت العلماء
إنّ معرفتنا بسماحة الشيخ قديمة، منذ أن كنّا شبّاناً صغاراً، وأوّل لقاءٍ به كان في حوزة الإمام المنتظر | الدينيّة في بعلبك. وهو ابن بيت معروف بالتديّن، والتقوى والقيم الأخلاقيّة والعلم. وهو صاحب الشخصيّة المتينة، المتماسكة، القويّة، المنسجمة، الواثقة بقناعاتها وخطواتها، وفي الوقت نفسه المتواضعة والقريبة جدّاً من الناس والمجاهدين، والمقاومين، والفقراء، والمستضعفين.

وهنا، لا بدّ من الإشارة إلى بعض النقاط المضيئة في شخصيّة سماحته؛ لأنّنا سنستخلص منها العِبر:

1- من المؤسّسين الأوائل
كان سماحة الشيخ حسين كوراني رحمه الله من بين مؤسّسي مسيرة المقاومة الإسلاميّة وحزب الله في لبنان، والتي انطلقت عقيب الاجتياح الإسرائيليّ عام 1982م، في مجموعاتها وتشكيلاتها الأولى، فتلاقت مجموعةٌ كبيرة من الإخوة العلماء والأساتذة والحجّاج والمجاهدين، والشيخ حسين واحد منهم، وتضامنت ووصلت إلى قناعات موحّدة، وأسّست هذا الكيان المبارك الذي أُسّس على التقوى من اليوم الأوّل.

وقد وظّف سماحته علاقاته وصداقاته كلّها، مضافاً إلى موقعه وتأثيره، من أجل المساهمة في تكوين هذه المسيرة وهذا الكيان الجديد.

2- روح الانتماء إلى المؤسّسة
كان الشيخ حسين ابن المؤسّسة -بحسب التعبير الحاليّ- وابن هذه الجماعة، ونحن بأدبيّاتنا الداخليّة نقول إنّه كان بحقّ ابن الولاية. كان لديه قناعات وآراء، وكان صاحب رأي في أغلب المسائل، إن لم يكن في المسائل كلّها، يستند إلى منطق، ورؤية، ودليل. كما أنّ النقاش معه لم يكن سهلاً في المسائل والقضايا التي لديه فيها قناعات خاصّة، لكن عندما كان يُتّخذ القرار في هذه المسيرة، وضمن الآليّات الشرعيّة المعتمدة، كان يلتزم به ويُنفّذه ويدافع عنه.

فعلى سبيل المثال، في العام 1992م، كنّا أمام استحقاق انتخابيّ نيابيّ للمرّة الأولى، فشكّلنا مجوعةً مكوّنةً من 11-12 أخاً لاتّخاذ القرار في هذا الشأن، والذي طال النقاش حوله أشهراً عدّة. الأغلبيّة الساحقة كانت موافقة على المشاركة في الانتخابات النيابيّة، وبعض الإخوة رفضوا ذلك. والشيخ حسين رحمه الله كان رافضاً ذلك بشدّة عبر تقديم استدلالات عديدة. ولكن عندما اتُّخذ قرار المشاركة، دافع سماحته عن هذا القرار وتبنّاه، ودعا إلى المشاركة في الانتخابات النيابيّة، لا بل ذهب بنفسه إلى بلدة ياطر، وانتخب. هذه هي الترجمة الحقيقية لكونه ابن المؤسسة، وابن الولاية.

3- المصلحة العامّة أوّلاً وأخيراً
كان سماحة الشيخ حسين، منذ بدايات هذه المسيرة، يتجاوز الاعتبارات الشخصيّة كلّها، وقد نجح في هذا الامتحان كغيره من الإخوان، في تغليب مصلحة العمل والمسيرة على المصالح الشخصيّة، فأظهر الإخلاص، والصدق، والاستعداد للعمل في أيّ موقع، ومهما كان.

في الثمانينيّات، مثلاً، قرّرت الشورى أن تقوم بإطار تنفيذي مركزيّ؛ لأنّ تشكيلاتنا كانت مناطقيّة، وأن يكون هناك مسؤول تنفيذيّ عامّ، ويكون هو رئيساً للإطار التنفيذيّ، والذي كان اسمه سابقاً شورى التنفيذ، واسمه الآن المجلس التنفيذي. وقد اختارتني الشورى لأكون مسؤولاً في هذا الإطار الجديد، على الرغم من أنّني كنتُ وقتها صغير السنّ (أقلّ من ثلاثين سنة)، في حين كان سماحة الشيخ حسين كوراني مؤهّلاً أكثر منّي لتولّي هذا المنصب؛ فهو أكبر منّي سنّاً، وأقدم منّي في الحوزة العلميّة وفي العمل الإسلاميّ، وأفضل منّي في المواصفات الشخصيّة، وقد تتلمذتُ على يديه سنوات في الحوزة العلميّة في بعلبك. انطلاقاً من هذه المعايير كلّها، وجدت نفسي أمام موقفٍ صعب، فكيف سأقول له: "أنا رئيسك ومسؤولك، وأنتَ سوف تكون مسؤولاً ثقافيّاً مركزيّاً لحزب الله؟!". لقد نجح سماحته في هذا الامتحان، ولم يقف عند اعتبار شخصيّ، ولم يقل: "هل من المعقول أن يكون تلميذي هو رئيسي؟".

فعندما نكون مخلصين لله سبحانه وتعالى، ونضع اعتباراتنا الشخصيّة جانباً، سوف يبارك الله تعالى في أعمالنا، وأقوالنا، ويسدّدنا، ويرشدنا، ويدافع عنّا، وينصرنا، ويُعزّنا.

4- وحدة المسيرة
كان سماحة الشيخ حسين كوراني رحمه الله شديــد الحرص على تماسك مسيرتنا، ووحدتها، وانسجامها، وجمع كلمتها.

كنّا نمر أحياناً بظروف صعبة وقاسية، وقد تتناقض أو تتباين فيها وجهات النظر حول كيفيّة التعاطي مع الحدث الفلانيّ، أو القضيّة الفلانيّة، أو المعركة الفلانيّة، ولكن على الرغم من ذلك، كانت مسيرتنا، بسبب هذه الروح، متماسكة ومنسجمة. وسماحته رحمه الله قد وضع عاطفته وعلاقاته الشخصيّة جانباً، وكان حريصاً جدّاً على وحدة المقاومة وقوّتها، ولم يسمح طوال حياته بأن يُستغلّ تباين في رأي أو موقف لإحداث ثغرة أو خلل في مسيرتنا أو في جسمنا.

5- الاقتداء بالإمام الخمينيّ قدس سره
كان سماحة الشيخ رحمه الله شديد التعلّق بالإمام الخميني قدس سره، فسار على نهجه، وفكره، وخطّه، وآمن به كثيراً. وعندما كان يُقيّم المواقف أو الأداء أو السلوك أو الكلمات، كان يحاول أن يُحاكِم ذلك كلّه على أساس هذا الإيمان، والنهج، والفكر. حتّى إنّني قلت له: "أنت الآن تمارس موقع الحارس، والمنبّه، والناصح، والمرشد لهذه المسيرة، فيما نحن مشغولون بالتفاصيل والإجراءات، والسياسة، والمقاومة...".

6- التربية الإيمانيّة والأخلاقيّة
عمل سماحة الشيخ مسؤولاً ثقافيّاً لسنوات، وكان مشغولاً بالعمل الإجرائيّ، وكان مسؤولاً لهيئة دعم المقاومة الإسلاميّة لسنوات طويلة، ولكنّه تفرّغ في السنوات الأخيرة بالكامل للكتابة والعمل التربويّ؛ التربية الإيمانيّة والأخلاقيّة. هذه التربية التي نحتاج إليها في زمن التحدّيات، والضيق، والحصار، والصعوبات، وأيضاً نحتاج إليها عند الانتصارات، وعند تحقيق الإنجازات.

7- التضحية بلا حدود
لم يكن سماحة الشيخ رحمه الله يتوانى عن تقديم أيّ شيء للإسلام، وللأمّة، وللقضايا التي نقاتل ونجاهد من أجلها: روحه، دمه، حياته، ماله، ماء وجهه، صحّته، جهده، جهاده. لقد كان دائماً حاضراً، ومساهماً، وناصراً، ومعيناً، وقويّاً، وصادقاً، ومتيناً حتّى اللحظات الأخيرة من حياته، مضافاً إلى مواقفه العامّة والتي كانت واضحة، في موضوع أميركا، وموقفه من العدوّ الإسرائيليّ، ومسألة المقاومة، والقضيّة الفلسطينيّة، وكذلك في مسألة العدوان على اليمن. لقد ملأ سماحته رحمه الله فراغاً كبيراً في ساحتنا، والآن بفَقده يعود هذا الفراغ. ونسأل الله أن يملأه بإخوة أعزّاء، وكرام، ومخلصين.


(*) من كلمة سماحة السيّد حسن نصر الله (حفظه الله) في حفل تأبين الشيخ حسين كوراني رحمه الله بتاريخ 20/9/2019م.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع