أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

النهوض الثقافي سلاح الشعوب في مواجهة الاستكبار


 مقابلة مع الأستاذ أنيس النقّاش(*)
حوار موسى حسين صفوان‏


عناصر عديدة تلعب دوراً أساسياً وفاعلاً في الصراعات السياسية. فعلى امتداد التاريخ والجغرافيا هناك أسباب مباشرة للحروب وأخرى غير مباشرة. وغالباً ما تكون الأسباب المباشرة هي الشرارة التي تضرم النار. أما الوقود الحقيقي الذي يساعد على تأجيج النزاعات، وبالتالي يؤدي إلى قيام حضارات وزوال أخرى، فيتمثل بلائحة طويلة من العناصر، يمكن أن تندرج تحت عناوين رئيسة أهمها ثلاثة: العنصر الثقافي والعنصر الاقتصادي والعنصر العسكري. ويمثل العنصر الثقافي مجمل الموروثات الفكرية، والعادات والأعراف والمبادئ والقيم والعقائد، والأنماط السلوكية. ويظهر على شكل تعصب للقبيلة أو العرق أو الدين. وقد شهدت الحِقَب التاريخية المختلفة صوراً من الحروب العرقية والقومية حيناً، والحروب الدينية والعقائدية أحياناً أخرى. وفي كل مرّة، لم يتفرد عنصر واحد ليكون سبباً للحروب. واليوم، يشهد العالم صراعات سياسية، وأزمات في كل مكان. ورغم أن الأسباب الحقيقية لتلك النزاعات والمتمثلة بالتنافس على مصادر الثروات بشكل أساس باتت معروفة، وظاهرة للعيان، إلا أن الشعارات المطروحة تصر على اتخاذ عناوين حضارية، من مثل نشر الديمقراطية، وشرعة حقوق الإنسان، والليبرالية وثقافة الحياة وما شابه، وتستخدم بشكل أو بآخر العديد من الأدوات الثقافية كوسائل الإعلام والإتصال بصورة تخدم استراتيجياتها ومخططاتها.

وحتى وقت قريب، كان العنصر الثقافي يحتل الدرجة الثالثة من الأهمية، بعد عنصري ميزان القوة العسكرية، وميزان القوة الاقتصادية. إلا أنه وبعد دخول العالم الألفية الثالثة بدأ يظهر وبشكل واضح مقدار ما يحتله العنصر الثقافي من الأهمية، حيث فشلت القوة العظمى شبه الوحيدة في فرض هيمنتها على العالم، رغم امتلاكها أعظم ترسانة أسلحة مدمرة في التاريخ، فضلاً عن قدرتها الاقتصادية والمالية الهائلة... لقد تراجعت مقولة نهاية التاريخ، كما تراجعت مقولة النظام العالمي الجديد، ومعهما العديد من الاستراتيجيات التي تحاول أمريكا من خلالها الهيمنة على العالم. مما يدفعنا، وبكثير من الجد، للإهتمام بدراسة العنصر الثقافي الذي يعتبر اليوم، وبكفاءة عالية، المقاوم والممانع، والسلاح الأساس للشعوب في مواجهة تحديات العولمة والهيمنة الإستكبارية. ولتحقيق المزيد من الفائدة في هذا المجال، توجهنا بالسؤال للأستاذ أنيس النقاش (منسق شبكة الأمان للدراسات الإستراتيجية) للإفادة من خبرته الواسعة، وطول باعه في النضال ضد المشاريع الاستكبارية.

* في ظل ما نعيشه من تطور هائل في مجال التواصل بين الشعوب، يبدو أن العنصر الثقافي يدخل الآن في طور جديد بالغ التأثير في مجريات الأحداث، فهل لنا بداية أن نتعرف على مفهوم الثقافة ودوره في التأثير على الواقع السياسي في العالم؟
ـ يمثل العنصر الثقافي دوراً أساسياً في الصراعات الإنسانية، سواء في الماضي، أو في الحاضر، أو المستقبل. فالشعوب التي تدخل فيما بينها في صراعات، إنما تتألف من أفراد. وكل فرد هو عبارة عن مجموعة من الأحاسيس والمشاعر والمفاهيم، وفي الواقع تتكون البنية الثقافية للأفراد من أفكار تنتشر في البيئة الاجتماعية، ثم لا تلبث هذه الأفكار أن تترسخ وتتحول إلى مفاهيم، وذلك بعد أن تتم عملية تمحيص بين المخزونات الفكرية والأفكار الوافدة. وهذه المفاهيم تصبح مع الوقت أكثر حضوراً وثباتاً في المجتمع فتتحول إلى مبادئ. وعلى هذا، فإن كل شعب أو مجتمع يعيش جملة من المبادئ التي تشكل ما يعرف بمنظومة القيم، والتي تشكل الدوافع الأساسية لحركته الحضارية. ومن هنا تتولد لدى الشعوب مفاهيم العزّة والكرامة والإنتفاضة على الظلم، ومواجهة التحديات.

* لكن، هناك أشخاص متنفذون في المجتمعات، تكون لهم مصالح في الاستيلاء على السلطة أو الثروات، يستغلون تلك المبادئ لدى الجماهير لتحقيق مكاسب شخصية!؟
ـ في الحقيقة إن المفاهيم غير الناضجة، والقصور في التعاطي مع الأفكار الواردة التي تثير الكثير من الضباب في المجتمع، خاصة في ظل وجود وسائل الإعلام، ووسائل الاتصال التي تمتلك قدرات هائلة في ضخ الأفكار، وبالتالي تعمل على تشكيل المفاهيم والمبادئ لدى الجمهور، كل ذلك يؤدي إلى الاستخدام السلبي للعنصر الثقافي. وهذا ما يحاول أصحاب المشاريع السياسية، المحلية والخارجية، استثماره من خلال ما يعرف بالغزو الثقافي، في خطة مدروسة لتحويل مبادئ التصدي والمواجهة والممانعة إلى مفاهيم المجتمع الاستهلاكي المستلب. وهذا بطبيعة الحال يرتب مسؤولية كبيرة على المتصدين للمسؤولية من أجل وضع خطط تثقيفية لتأكيد العناصر الإيجابية ومحاصرة الأفكار الانهزامية الوافدة.

* نلاحظ موجات من الظواهر الثقافية خلال الحقب الزمنية المختلفة، فهناك مراحل تاريخية شهدت صراعات قبلية، وهناك مراحل شهدت حروباً عالمية عرقية، وأخرى قومية، وأخرى عقائدية دينية، فهل لنا بإطلالة موجزة على تاريخ تطور الثقافات البشرية؟
ـ قبل الدخول في القراءة التاريخية لتطور الظاهرة الثقافية، أود أن أؤكد على المفهوم القرآني للثقافة، وهذا أستفيده من قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (الإسراء: 1). والمعلوم أن قصة الإسراء والمعراج ذات شقين، فهي سفر من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في شقها الأول، وعروج من الأرض إلى السماء في شقها الثاني، بغض النظر عن التأويلات المختلفة حول العروج الجسدي أو الروحي. وما نستفيده من هذه الآية الكريمة هو رؤية ثقافية. فتحصيل الثقافة بحاجة إلى انتقال أفقي، أي انتقال في الجغرافيا، سواء بالسفر إلى بلدان أخرى والتعرف على ثقافات أخرى أو باستقبال وافدين والتعرف على ثقافاتهم، كما يحتاج تحصيل الثقافة إلى انتقال عمودي تمثَّل بالعروج إلى السماء... وهذه عملية مستمرة، ما ينفي مقولة الحتميات ونهاية التاريخ وما شابه. وبهذه المناسبة أدعو المثقفين المسلمين إلى أن ينظروا إلى الثقافة الإسلامية من خلال رؤية شاملة، ولا يحصروها في المفاهيم الضيقة. ففي القرآن الكريم والأحاديث الشريفة ثروات ثقافية وفكرية، ولكن علينا أن نوصلها إلى العالم بالصورة التي يستطيع العالم أن يفهمها. ومن هنا، أحاول أن أجيب على سؤالك حول التطور التاريخي للثقافات البشرية. وفي هذا المجال وانطلاقاً من الرؤية التي أشرت إليها فإن المكونات الثقافية لأي مجتمع تعتمد على وسائل الاتصال المتاحة في زمن ما، إضافة لوجود القلوب المستنيرة، مثل الأنبياء والحكماء. وهذا العنصر يمر في التاريخ بشكل نادر. لذا، فعندما كانت وسائل الانتقال والتواصل بدائية، فقد كانت ثقافة المجتمعات هي ثقافة القبيلة، وبالتالي شهد العالم سيادة قبائل كبيرة، ما لبثت أن تحولت إلى أعراق وشعوبٍ اتخذت مفاهيم ومبادئ ثقافية متميزة... وعندما تطورت المجتمعات، وتحسنت وسائل التواصل بدأت الثقافات تتمازج... ومن جهة أخرى، فقد أدى ظهور قلوب مستنيرة إلى سيادة أديان، وبالتالي حضارات قائمة على أساس الأديان. ثم تحولت هذه المفردات والأفكار إلى أسس في تكوين ثقافات الشعوب على امتداد التاريخ.

* لننتقل الآن إلى واقعنا المعاصر، كيف نفهم الواقع الثقافي اليوم ودوره في التأثير على حركة الصراعات السياسية؟
ـ يعيش العالم اليوم ما يُطلق عليه عصر العولمة. فالعالم بات قرية كبيرة في ظل التطور الهائل في وسائل الاتصال. وفي هذا المجال يبلغ التنافس ذروته. وبطبيعة الحال، فإن الذي يمتلك الإمكانات الكبيرة في مجال وسائل الاتصال إضافة لامتلاكه العناصر الاقتصادية والعسكرية الأخرى، هو الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها الدول الغربية. ومن الطبيعي أن ينشر الفريق الأقوى ثقافته بما يحقق مصالحه. ومعروف أن المشروع الحضاري الأمريكي قائم أصلاً على ثقافة عنصرية استكبارية في شتى أصقاع الأرض بهدف الاستيلاء على الثروات. ومن هذا القبيل، تحاول السياسة الأمريكية بشكل دائم التدخل في سياسات البلدان الإسلامية لما تتمتع به من الثروات الطبيعية. فلو لم يكن في بلادنا هذا المخزون من النفط، لما كنا نعني شيئاً للسياسة الأمريكية. ومن هنا تأتي سياسات أميركا الداعمة لإسرائيل، فهي من جهة تحقق مصالح وتوازنات انتخابية داخلية، ومن جهة أخرى تحقق مصالح أميركا في الاستيلاء على ثروات المنطقة، ومنع أي مشروع ممانعة ومقاومة ينطلق من بلادنا.

* ولكن ألا يمكن أن نلاحظ تمايزاً بين المشروع الحضاري الأوروبي الذي يستقي جذوره من عصر الأنوار، وبين المشروع الأمريكي الاستكباري؟
ـ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية تغلغلت أميركا في أوروبا من خلال دوائر استخباراتية أميركية وصهيونية، لأن أميركا تخاف من الحضارة الأوروبية العريقة. ولذلك، فإن العديد من مفاصل القوة في أوروبا بيد أميركا والدوائر الصهيونية. واليوم تعاني أوروبا من الغزو الثقافي الأمريكي تماماً كما نعاني نحن. فالسينما الإيطالية تَمّ القضاء عليها تماماً، وكذلك السينما البريطانية سوى بعض المسلسلات، وكذلك الحال بالنسبة للعديد من المظاهر الثقافية. ولكن الدول الأوروبية لا تستطيع أن تواجه المشاريع الاستكبارية الأمريكية. والمعول عليه في بلادنا هو النهوض الثقافي، ونشر ثقافة المواجهة، والمقاومة، والتحدي، والعزّة والحياة الكريمة، وهذا ما ينبغي أن يلتفت إليه المشتغلون في المجالات الثقافية.

* هل من كلمة أخيرة؟
ـ الكلمة الأخيرة للعلماء الذين يهتمون بتفسير نصوص الشريعة، أن يأخذوا باعتبارهم أنهم يتحملون مسؤولية طرح المبادئ الإسلامية على المجتمعات الأخرى بالصورة التي تصل إليهم فيها سليمة. وهذا يحتاج إلى معرفة أسلوب التواصل مع تلك المجتمعات. كما أوجه نصيحتي للشباب أن يهتموا ببناء شخصياتهم الثقافية، وتكون لديهم ثقافة شاملة ومتنوعة، من أجل مواجهة الغزو الثقافي المحيط بنا من كل مكان. ولا أنسى أن أشكر وسائل الإعلام الناشطة في حزب الله، والتي تقوم والحمد لله بدور هام في التواصل الثقافي وطرح قضايا المنطقة المحقّة على الصعيد العالمي.



(*) المنسق العام لشبكة أمان.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع