أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

قضايا معاصرة: أسباب وآفاق الأزمة المالية العالمية

موسى حسين صفوان

 



يتساءل المرء إن كانت الأزمة المالية التي يشهدها العالم اليوم، مجرد ظاهرة طبيعية ينتجها النظام الرأسمالي كل ثلاثة أو أربعة عقود، أم أنها سياسة استعمارية امبريالية، تعمل على انتاجها بطريقة أو بأخرى دوائر صنع القرار في العالم. فمع كل أزمة مالية تعصف بالدول الصناعية الغنية، هناك ضحية من الدول والشعوب النامية والفقيرة، ثم لا تلبث الدول الغنية أن تصبح أكثر ثروة واستبداداً، والدول الفقيرة (النامية) أكثر فقراً وأقل نمواً... فالكساد الكبير في الثلاثينات أدى إلى حروب استعمارية عانت منها الشعوب الفقيرة ودفعت ثمن استعمارها.

والأزمة المالية في الثمانينات أشعلت الحروب العرقية والإقليمية في الكثير من دول أفريقيا والشرق الأوسط، ما أتاح تدفق السيولة لمصانع الأسلحة الغربية. كما أدت الأزمة المالية الآسيوية عامي 1997 و1998 إلى هجرة آلاف المليارات إلى البنوك الغربية. ويبدو أن الأزمة الحالية كانت مرشحة للظهور في عامي 2000 و2001 على أثر هجمات 11 سبتمبر، ولكن قيام العديد من الدول الآسيوية، وخاصة الصين، بشراء الدولار الأميركي واعتماده كجزء من استراتيجيتها المالية بهدف حماية نفسها من الاضطرابات، ساهم في تغطية العجز المتفاقم في ميزان المدفوعات الأميركي، ما دفع نائب الرئيس الأميركي "ديك تشيني" للقول: إن الدرس المستقى من ثمانينات القرن الماضي هو أن "العجز لا يهم". وهذا يعني أن أميركا استطاعت أن تستمر بتطبيق سياسات ريغان المالية القاضية بتخفيض الضرائب وتحجيم دور الدولة، وأفرطت في تمويل حربين غاليتي الثمن في أفغانستان والعراق، لكن ذلك أدى إلى تفاقم العجز التجاري ليصبح 700 مليار دولار سنوياً عام 2007، وهذا يؤدي كما يدّعي "فوكوياما" المنظّر الشهير للرأسمالية، إلى اعتبار العديد من المودعين أن أميركا ليست المكان المناسب والمثالي لإيداع أموالهم، في ظل انخفاض سعر صرف الدولار الأميركي، وهذا يبين أن للعجز التجاري أهمية بخلاف رأي تشيني(1).

أسباب الأزمة المالية الراهنة:
بات واضحاً أن الأزمة المالية الحالية نتجت عن أزمة الرهون العقارية التي ظهرت عام 2007، بسبب فشل ملايين المقترضين لشراء مساكن وعقارات في الولايات المتحدة في تسديد ديونهم(2). والواقع أنه في ظل سياسة تحرير النظام المالي وإزالة القيود، ظهر ما عرف بالمشتقات المالية، وهي سندات خزينة وأوراق مالية مدعومة بقروض سكنية وقروض استثمارية طويلة الأمد، ارتفعت ما بين عامي 2000 و2007 من 100 مليار دولار إلى 62 تريليون دولار، ما دفع المحللين الماليين للتعبير عن هذه المشتقات المالية بـ"أسلحة الدمار الشامل"(3) حيث أدت إلى انهيار وافلاس أكبر المؤسسات المالية في الولايات المتحدة الأميركية، ما بدا أنه بداية انهيار مالي عالمي. ولكن بعض المهتمين العرب والآسيويين يذهب إلى أن الأزمة المالية الحالية ربما تكون مدبّرة، كجزء من مخطط غربي لضرب الثروات النفطية العربية، والاستيلاء على ما حصل عليه العرب من الغرب في صورة أموال نفطية نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار النفط مؤخراً، (حيث إن إصدار مشتقات مالية بقيمة 62 تريليون دولار لا يمكن أن يحصل دون موافقة أصحاب القرار السياسي).

ويستشهد أنصار هذا الرأي بتقريرين استراتيجيين أميركيين صدرا في يونيو 2008 أي قبل إعلان الأزمة المالية في شهر سبتمبر من العام الجاري، وهما يحذران من تأثير رأس المال العربي، (أي ما يسمى "صناديق الثروة السيادية" التي يسيطر على أغلبها رأس المال النفطي) على الاقتصاد الأميركي والغربي مستقبلاً. ويحذر التقريران أيضاً من تحول دفّة السياسة في العالم مستقبلاً لخدمة مصالح عربية. والتقريران أحدهما أعده "ريتشارد هاس" مسؤول التخطيط السابق في وزارة الخارجية الأميركية ونشر في عدد مايو/يونيو 2008 في مجلة الشؤون الخارجية، والآخر أعده "دانييل دريزنر" الأستاذ المساعد للسياسات العالمية بكلية فليتشر ونشره في مجلة "ذا أميركان" عدد مايو/يونيو 2008 أيضاً بعنوان السيادات قادمة. كما حذّر مقال نشرته صحيفة "انترناشونال هيرالد تريبيون" في عدد 19/9/2008 من تكدس مليارات النفط في الخليج، ومن صناديق الثروة الخليجية، ودعا إلى تطوير استراتيجية سياسية لمواجهة صناديق الثروة العربية الناجمة عن النفط، والمقال المذكور لكل من "هنري كيسنجر" وزير الخارجية الأميركي الأسبق، والبروفسور "مارتن فليتشتاين" أستاذ الاقتصاد بجامعة هارفرد، وكبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس الأميركي الأسبق "رونالد ريغان"(4).

تداعيات ونتائج:
يمكن تلخيص تداعيات الأزمة المالية بموقف الدول المتحفظة على انتشار العولمة وعلى رأسها الدول ذات الضوابط الصارمة مثل الصين، والدول الديمقراطية الاشتراكية مثل ألمانيا وفرنسا وانعكاس الأزمة عليها من جهة وموقف الدول الشرقية التي تتعامل بالدولار الأميركي، مثل اليابان والدول الآسيوية الأخرى، وصناديق التحوط وصناديق الثروة السيادية، من جهة أخرى. ففيما يعني الدول المتحفظة، فقد أبدت ارتياحاً مقترناً بمقولة (حذرتكم من ذلك)، وقد أظهرت أزمة "وول ستريت" أن نموذجيهما اللذين يعطيان مساحة أوسع للقوانين الحكومية ليسا قادرين على الاستمرار فحسب بل على الإزدهار أيضاً. ففي فرنسا يخطط الرئيس ساركوزي لإقامة منتدى عالمي "لإعادة النظر بالرأسمالية" أو ما يسمى بالنموذج الإنغلوساكسوني، معلناً أن شرعية تدخل الدولة في عمل النظام المالي لم تعد موضع نقاش، وقريب منه موقف "انغيلا ميركل" الألمانية، أما وزير ماليتها "يير شتايبزوك"، فقد قال إن الأزمة المالية ستؤدي إلى "نهاية أميركا كقوة مالية عظمى"(5).

وكخطوة إنقاذية شبيهة إلى حدِّ ما بمشروع مارشال بعد الحرب العالمية الثانية، قامت البنوك المركزية في مجموعة الاقتصادات الرئيسية في العالم، ومنها البنك المركزي الأوروبي وبنك اليابان، بضخ 180 مليار دولار في الأسواق عن طريق زيادة مشترياتها من سندات الخزينة الأميركية(6). أما الهبات المالية التي قدمت من مصادر آسيوية وعربية مختلفة لمنع الانهيار الاقتصادي والمالي الأميركي الذي سيؤدي حتماً إلى إنهيار سياسي ينعكس على الكثير من الدول السائرة في الفلك الأميركي، فلم يعلن عنها طرحه، ولكنها - من غير شك - مبالغ طائلة، ما سبب انخفاض صوت الأزمة المالية خلال فترة الانتخابات الأميركية ولو نسبياً. أما على مستوى النتائج، فقد بات واضحاً أن العالم، وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، قد تجاوز ما عرف بإصلاحات ريغان، وعصر الديمقراطيين الذي نادى بالعولمة، لمصلحة إعادة تدخل أوسع للقوانين العامة التي تفرضها الدولة على المعاملات المالية، بصورة تشبه ما حصل بعد فترة الثلاثينات.

يقول "ستيفن روش" رئيس مورغان ستانلي في آسيا: "ما يجب أن يتأتى في النهاية من هذه الأزمة هو إدارة أكثر حكمة لرؤوس الأموال ومشتقات مالية ومؤسسات أكثر شفافية، وبالتالي نظام يتماشى بشكل أفضل مع الاقتصاد الحقيقي(7)"، (أي أن المشتقات المالية توازي الاقتصاد الحقيقي). أما فوكوياما، فإنه يعتقد أن تداعيات الأزمة المالية ستطال السياسة الأمريكية. ويلخص رأيه بالقول: "سيكون الطريق صعباً أمام الديمقراطية الأميركية"(8).


(1)فرانسيس فوكوياما: انهيار الاقتصاد الأميركي. مترجم عن: نيوزويك 12/10/2008.
(فوكوياما هو أستاذ في الاقتصاد السياسي الدولي في كلية جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة).
(2)عن قضايا الساعة/ موقع انترنت www.7ayly. Com/vb/f15 – 15 htm – 7ak.
(3)رنا فلوهار: بداية عصر جديد من الرأسمالية العالمية، بمشاركة ستيفان ثيل في برلين وويليام أندرهيل، وصوفي غروف في لندن، نقلا عن النيوزويك 9/2008.
(4)قضايا الساعة، منتديات يا أبا الحسن الإسلامية.
www.yaabalhasan.com/vb/Forum: display. Php? F = 3 = 51k.
(5)المصدر رقم 1.
(6)المصدر رقم 3.
(7)المصدر رقم 3.
(8)المصدر رقم 1.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع