أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أدب ولغة: رسالة من القلب إلى حبّة القلب ابن الوردي ولاميته

فيصل الأشمر

 



يعتبر شعر الحكمة فناً من فنون الشعر, يجسد فيه الشاعر رؤيته إلى الحياة والموت, واعظاً مخاطَبيه مزهداً إياهم في الدنيا وسلطانها وأموالها وخيراتها الزائلة, مرغباً إياهم في الآخرة ونعيمها الدائم وخيرها المقيم. وهذا الفن من الشعر قديم متصل من الجاهلية إلى زماننا الحاضر, وإن كنا نجد أنه في الشعر العربي المعاصر مال إلى الإنكفاء لأسباب تحتاج إلى من يدرسها.. ومن القصائد التي تلفت الاهتمام إليها، والتي هي علامة في تاريخ الشعر الحكمي، لامية ابن الوردي التي نحن في صدد الحديث عنها فيما يلي. أما ابن الوردي، فهو عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس أبو حفص زين الدين بن الوردي المعري الكندي المولود في معرة النعمان سنة 1292، والمتوفى في حلب سنة 1349 للميلاد.

وقد كان ابن الوردي قاضياً, غير أنه اعتزل القضاء وانصرف إلى التعليم والتأليف. تقع قصيدة ابن الوردي في سبعة وسبعين بيتاً, وجهها الشاعر إلى ابنه الذي لم يسمّه, وتضمنت الكثير من المواعظ والحكم والأمثال. وقد شكلت هذه القصيدة رسالةً أخلاقيةً لكل من يريد السير على دروب الحكمة.  يبدأ الشاعر قصيدته طالباً من ابنه ترك الغناء والهزل وترك الجري خلف الجميلات مذكراً إياه بأن اللذة تذهب ويبقى الذنب لا يفارق صاحبه، قائلاً:

 

اعتزلْ ذِكرَ الأغاني والغَزَلْ

وقُلِ الفَصْلَ(1) وجانبْ مَنْ هَزَلْ

ودَعِ الذِّكرَ لأيامِ الصِّبا

فلأيامِ الصِّبا نَجمٌ أفَلْ

إنّ أهنا عيشةٍ قضّيتُها

ذهبتْ لذَّاتُها والإثْمُ حَلّ

واترُكِ الغادَةَ لا تحفلْ بها

تُمْسِ في عِزٍّ رفيعٍ وتُجَلّ

وافتكرْ في منتهى حُسنِ الذي

أنتَ تهواهُ تجدْ أمراً جَلَلْ(2)



وفي مقطع آخر يطلب الشاعر من ولده، ومن كل من يصل إليه شعره، أن يهجر الخمرة لأنها الدرب الموصل إلى الجنون في حين أن التقوى هي الدرب الموصل إلى الله تعالى ناهياً إياه عن الركون إلى المنجمين وناصحاً له باتباع الشرع فيقول:
 

واهجُرِ الخمرةَ إنْ كنتَ فتىً

كيفَ يسعى في جُنونٍ مَنْ عَقَلْ؟

واتَّقِ اللهَ فتقوى الله ما

جاورتْ قلبَ امرئٍ إلا وَصَلْ

ليسَ منْ يقطعُ طُرقاً بَطلاً

إنما منْ يتَّقي اللهَ البَطَلْ

صدِّقِ الشَّرعَ ولا تركنْ إلى

رجلٍ يرصد في الليل زُحلْ

حارتِ الأفكارُ في حكمةِ مَنْ

قد هدانا سبْلنا عزَّ وجَلَّ



بعد ذلك يأتي الشاعر إلى ذكر الموت فيرى أن الموت لا فرار منه فقد أفنى حضارات وأقواماً كانوا ذوي عز وجاه قائلاً:
 

كُتبَ الموت على الخَلقِ فكمْ

فَلَّ(3) من جيشٍ وأفنى من دُوَلْ

أينَ نمرودُ وكنعانُ ومَنْ

مَلَكَ الأرضَ وولَّى وعَزَلْ؟

أين عادٌ أين فرعونُ ومن

رفعَ الأهرامَ؟! من يسمعْ يَخَلْ

أينَ من سادوا وشادوا وبَنَوا؟!

هَلَكَ الكلُّ ولم تُغنِ القُلَلْ(4)

أينَ أربابُ الحِجَى(5) أهلُ النُّهى؟!

أينَ أهلُ العلمِ والقومُ الأوَلْ؟!

سيُعيدُ الله كلاًّ منهمُ

وسيَجزي فاعلاً ما قد فَعَلْ


بعد ذلك يعدد الشاعر بعض الخصال الحميدة التي يوصي ابنه بالعمل على تحصيلها موضحاً قيمة طلب العلم معلناً رفضه التذلل للناس داعياً إلى عدم السعي خلف الدنيا التي لا تعرف فضل العالم قائلاً:
 

إيْ بُنيَّ اسمعْ وصايا جَمعتْ

حِكماً خُصَّتْ بها خيرُ المِللْ

أطلبِ العِلمَ ولا تكسَلْ فما

أبعدَ الخيرَ على أهلِ الكَسَلْ

واحتفلْ للفقهِ في الدِّين ولا

تشتغلْ عنهُ بمالٍ وخَوَلْ(6)

واهجرِ النَّومَ وحصِّلهُ فمنْ

يعرفِ المطلوبَ يحقرْ ما بَذَلْ

لا تقلْ قد ذهبتْ أربابُهُ

كلُّ من سارَ على الدَّربِ وصلْ

في ازديادِ العلمِ إرغامُ العِدى

وجمالُ العلمِ إصلاحُ العملْ

ماتَ أهلُ الفضلِ لم يبقَ سوى

مُقرف(7) أو من على الأصلِ اتَّكلْ

أنا لا أختارُ تقبيلَ يدٍ

قَطْعُها أجملُ من تلكَ القُبلْ

إن جَزتني عن مديحي صرتُ في

رقِّها أو لا فيكفيني الخَجَلْ

أعذبُ الألفاظِ قَولي لكَ خُذْ

وأَمَرُّ اللفظِ نُطقي بِلَعَلّْ

مُلكُ كسرى عنهُ تُغني كِسرةٌ(8)

وعنِ البحرِ اجتزاءٌ بالوَشلْ(9)

إطرحِ الدنيا، فمنْ عاداتها

تخفِضُ العالي وتُعلي مَنْ سَفَلْ

عيشةُ الرَّاغبِ في تحصيلِها

عيشةُ الجاهلِ فيها أو أقلْ

كَمْ جَهولٍ باتَ فيها مُكثراً

وعليمٍ باتَ منها في عِلَلْ

كمْ شجاعٍ لم ينلْ فيها المُنى

وجبانٍ نالَ غاياتِ الأملْ

فاتركِ الحيلةَ فيها واتَّكِلْ

إنما الحيلةُ في تركِ الحِيَلْ

لا تقلْ أصلي وفَصلي أبداً

إنما أصلُ الفَتى ما قد حَصَلْ

قيمةُ الإنسانِ ما يُحسنُهُ

أكثرَ الإنسانُ منهُ أمْ أقَلْ

أُكتمِ الأمرينِ فقراً وغنى

واكسَب الفَلْسَ وحاسب من بَطَلْ(10)


وفي المقطع التالي يطلب الشاعر من ابنه هجران القوم المتصفين بالحماقة والنميمة والسوء ناصحاً إياه قائلاً:
 

وادَّرع(11) جِداً وكدّاً واجتنبْ

صُحبةَ الحمقى وأرباب الخَلَلْ

بينَ تبذيرٍ وبُخلٍ رُتبةٌ

وكِلا هذينِ إنْ زادَ قَتَلْ

مِلْ عن النَمَّامِ وازجُرُهُ، فما

بلّغَ المكروهَ إلا من نَقَلْ

دارِ جارَ السُّوءِ بالصَّبرِ وإنْ

لمْ تجدْ صبراً فما أحلى النُّقَلْ(12)

قَصِّرِ الآمالَ في الدنيا تفُزْ

فدليلُ العقلِ تقصيرُ الأملْ

إن منْ يطلبهُ الموتُ على

غِرَّةٍ(13) منه جديرٌ بالوَجَلْ

غِبْ وزُرْ غِبَّا تزِدْ حُبَّاً فمنْ

أكثرَ التَّردادَ أقصاهُ المَلَلْ

حُبّكَ الأوطانَ عجزٌ ظاهرٌ

فاغتربْ تلقَ عن الأهلِ بَدَلْ

فبمُكثِ الماءِ يبقى آسناً

وسرى البدرِ بهِ البدرُ اكتملْ


وفي المقطع الأخير من القصيدة يحذّر الشاعر مَن يعيب قوله مذكراً إياه بأن هدوءه الظاهرَ لا يعني ضعفه وعجزه.وخاتماً بذكر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله مصلياً عليه وعلى آله صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين:
 

أيُّها العائبُ قولي عبثاً

إن طيبَ الوردِ مؤذٍ للجُعلْ(14)

لا يغرَّنَّكَ لينٌ من فتىً

إنَّ للحيَّاتِ ليناً يُعتزلْ

أنا مثلُ الماءِ سهلٌ سائغٌ

ومتى أُسخِنَ آذى وقَتَلْ

غيرَ أنّي في زمانٍ مَنْ يكنْ

فيه ذا مالٍ هو المولَى الأجلّ

واجبٌ عند الورى إكرامُهُ

وقليلُ المالِ فيهمْ يُستقلْ

كلُّ أهلِ العصرِ غمرٌ(15) وأنا

منهمُ، فاترك تفاصيلَ الجُمَل

وصلاةُ اللهِ ربي كُلّما

طَلَعَ الشمسُ نهاراً وأفلْ

للذي حازَ العُلى من هاشمٍ

أحمدَ المختارِ من سادَ الأوَلْ

وعلى آلٍ وصحبٍ سادةٍ

ليسَ فيهمْ عاجزٌ إلا بَطَلْ

 


(1) القول الفصل: القول الحق.
(2) الأمر الجلل: العظيم.
(3) فلّ: هزم.
(4) القلل جمع قلة أي رأس الجبل.
(5) الحجى: العقول.
(6) الخول: العبيد والحاشية.
(7) المقرف: الرجل النذل.
(8) الكسرة: القطعة من الخبز وغيره.
(9) اجتزاء بالوشل: إكتفاء بالماء القليل.
(10) بطلَ: ترك العمل.
(11) ادّرع: لبس الدرع.
(12) النقَل: الإنتقال.
(13) الغرّة: الغفلة.
(14) الجُعل: من أنواع الخنافس.
(15) الغمر: الجاهل.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع