إيفا علوية ناصر الدين

لو أن الزمن يعود لكنا فعلنا كذا وكذا ... عبارة تتردد أصداؤها في نفوس الكثيرين ممن وصل بهم القطار إلى منتصف العمر فوجدوا أنفسهم مسمرين في زوايا من خيارات محددة، حصروا أنفسهم في إطارها، فعلقوا في دوامة لا تنتهي فصولها من الحسرة على أيام خلت، لم يعرفوا فيها حقيقة ما يريدون، ولم يتقنوا فيها فن اختيار الأنسب لهم في مجالات الحياة المختلفة .

يجلسون في وجوم يرخي بظلاله على ملامحهم المكفهرة، يصفقون بيد على يد في إشارة إلى الحسرة التي ضاعوا في متاهاتها، يشدّون بأكفهم على جباههم دليل الحيرة التي غرقوا في مستنقعاتها، ينهضون في ذبول وكآبة، يتحركون في تثاقل من الهمة والنشاط، يتكلمون بلغة تتقطع حروفها بغصة الألم والبكاء، يحدقون بنظرة اليائس الذي انطفأ بريق الأمل من ضياء عينيه...

لو أن الزمن يعود.. باتت حجة عند هؤلاء لليأس والإحباط، وغطاء للخمول والكسل، ومدعاة للاستسلام للواقع الرديء، والرضى بروتين الحياة القاتل، والوقوف مكتوفي الأيدي أمام عاصفة الظروف، والتبلّد في المكان الذي يرقدون فيه باعتباره خط النهاية.

 مساكين أولئك الذين لا يقفون مع ذواتهم وقفة تأمل وحساب، ووقفة إرادة وصلابة، وقفة يخلعون فيها لباس التصلب والجمود، و يخلصون فيها إلى نتيجة حاسمة بالعزم والانطلاق، فيرمون بالماضي إلى ما وراء ظهورهم، ويفتحون صفحة جديدة من الأمل المتجدد بالقدرة على التغيير والسعي إلى التطوير، ويعلنون رغبتهم العارمة في الخروج من قمقم المعاناة إلى الهواء الطلق يتنشقون روح الحياة التي لا طعم لها أو معنى من دون بذل كل ما بوسع النفس من جهد وعمل وطاقة وقدرة وموهبة للوصول إلى ما تصبو إليه. إذا كان النصف المنقضي من العمر يوحي بعبارة: لو أن الزمن يعود .. فإن النصف الباقي يستأهل التغني بعبارة :آن الأوان لأمجاد الزمن الآتي .