أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

شخصية العدد: رائد التجديد محمد بن إدريس الحلّي

السيد علي محمد جواد فضل اللَّه‏

 



هو أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن إدريس الحلي العجلي، يقول الخوانساري في مستهل كلامه عنه: "الحبر الكامل المحقق العلامة فخر الملة والدين أبو عبد اللَّه محمد بن أحمد بن إدريس الحلي العجلي"(1). وقد كانت حياة ابن إدريس في القرن السادس الهجري، حيث إن ولادته كانت في حدود سنة 543هـ. وأما وفاته، فينقل صاحب روضات الجنات عن الكفعمي في (وفيات العلماء) أنه وجد بخط الصالح بن محمَّد بن إدريس ما نصه: (توفي والدي محمد بن إدريس رحمه اللَّه يوم الجمعة وقت الظهر ثامن عشر شوال سنة ثمان وتسعين وخمس مائة، فيكون عمره تقريباً خمساً وخمسين سنة)(2).

* أقوال العلماء فيه:
لقد ترجم لابن إدريس معظم أرباب المعاجم واختلفوا فيه بين مادح مستحسن وذام طاعن قادح، ولكن وكما سيأتي معنا فإنه لا معنى للقدح في هذه الشخصية الكبيرة، وما ذكر من الطعن والقدح فهو مدخول، وما ذكر في حقه من المدح فهو سليم يتوافق ومقتضى حاله. قال ابن حجر (ت 853هـ) في ترجمته: "ابن إدريس العجلي الحلي فقيه الشيعة وعالمهم، له تصانيف في فقه الإمامية ولم يكن للشيعة في وقته مثله"(3). وقال الحافظ الذهبي (ت 748هـ) في حوادث ووفيات سنة 591هـ 600هـ: "الشيخ أبو عبد اللَّه العجلي الحلي، فقيه الشيعة، وكان عديم النظير في علم الفقه، صنف كتاب (الحاوي لتحرير الفتاوي) ولقبه بكتاب (السرائر)، وهو كتاب مشكور بين الشيعة، وله كتاب (خلاصة الاستدلال)، وله (منتخب كتاب التبيان) فقه، وله (مناسك الحج) وغير ذلك في الأصول والفروع. قرأ على الفقيه راشد بن إبراهيم، والشريف شرف شاه. وكان بالحلة، وله أصحاب وتلامذة، ولم يكن للشيعة في وقته مثله"(4). وترجمه السيد الأمين في أعيانه بقوله: "فخر الدين أبو منصور محمد بن إدريس بن محمد العجلي الحلي فقيه الشيعة، كان من فضلاء فقهاء الشيعة والعارفين بأصول الشريعة"(5). وفي ترجمته لابن إدريس، يقول ابن داود الحلي (ت 707 هـ): كان شيخ الفقهاء بالحلة متقناً في العلوم كثير التصانيف، لكنه أعرض عن أخبار أهل البيت بالكلية(6). ويعلق المحقق آل بحر العلوم على ذلك بأن ابن إدريس لم يعرض عن أخبار أهل البيت عليهم السلام بالكلية كما يظهر ذلك من كتاب (السرائر)، وإنما أعرض عن أخبار الآحاد التي لا تفيد العلم، والتي لا تكون مقرونة بقرائن تفيد العلم، كما يصرح هو نفسه في كتبه الفقهية، فحاله في ذلك كحال علم الهدى السيد المرتضى(7).

* عصر ابن إدريس:
لقد تميز العصر الذي أعقب وفاة الشيخ محمد بن الحسن الطوسي شيخ الطائفة وحتى مجي‏ء ابن إدريس أي ما يربو على المائة سنة تقريباً، تميز هذا العصر بروح الجمود والتقليد في المجالين الفقهي والأصولي والوقوف على آراء الشيخ الطوسي، والرهبة من مخالفتها أو مناقشتها، لما كان عليه شيخ الطائفة من حضور علمي وفكري أرخى بظلاله على المناخ الفكري الشيعي طيلة قرن من الزمن، حتى أن هذا العصر قد وُسم علماؤه بسمة المقلِّدة، إشارة إلى تقليدهم للشيخ الطوسي، ومتابعتهم إياه. وقد استمر هذا الوضع على ما هو عليه من الجمود والمراوحة حتى قيّض اللَّه سبحانه عالماً كبيراً من العلماء المجددين ألا وهو ابن إدريس، الذي أحدث نقلة نوعية في الفكر الفقهي الإمامي، وانقلاباً كبيراً على ما هو سائد. وهكذا، عمل على بث روح التجديد في الفكر العلمي، وفتح الباب أمام حراك فكري جدلي ينفض الغبار عن زمان الجمود والتقليد(8). ويمكننا هنا أن نقف على بعض تميزات وخصائص عصر ابن إدريس، كما يراها ابن إدريس في كتاب السرائر. ومن هذه الخصائص:

1 - عدم الاهتمام بالعلم والمعرفة: حيث يصف ابن إدريس عصره بأنه عصرٌ زَهِدَ أهله في علوم الشريعة المحمدية والأحكام الإسلامية وتثاقلوا في طلبها، وأنهم يتنكرون لكل ما يجهلونه ولا يعرفونه.

2 - عدم الترحيب بالفكر الجديد: فالناس في عصره لم تقدر على تحمل سماع القول الجديد والفكر الحديث، فكان مجتمعه يتعاطى مع الأفكار الجديدة بكثير من السخرية والانتقادات اللاذعة، وذلك انطلاقاً مما رسخ في عقولهم وزرع في أذهانهم من تقديس لآراء الأقدمين من العلماء، يقول ابن إدريس "إنه ليس لمن أتى في زماننا هذا بمعنى غريب وأوضح عن قول معيب ورد شاردة خاطر غير مصيب، عند هؤلاء... إلا أنه متأخر محْدث.."(9) ويتابع ابن إدريس كلامه في أن ميزان الأفكار حسنها ورديئها ليس بتقدمها وتأخرها يقول: "ليس بقدم العهد يفضل القائل، ولا لحدثان العهد يهتضم ... ولكن يعطى كل واحد منهما ما يستحق، فالعاقل اللبيب الذي يتوخى الإنصاف، فلا يسلِّم إلى المتقدم إذا جاء بالردى لتقدمه ولا يبخس المتأخر حق الفضيلة إذا أتى بالحسن لتأخره... فمن العدل أن يذكر الحسن ولو جاء ممن جاء، ويثبته للآتي به كائناً من كان، ولا ينظر إلى سبق المتقدم وتبع المتأخر، فإن الحكمة ضالة المؤمن على ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله والخبر المشهور عن أمير المؤمنين عليه السلام من قوله: "أنظر إلى ما قال ولا تنظر إلى من قال"(10).

3 - تقليد السلف: وهو إحدى الظواهر غير المشكورة في عصر ابن إدريس. وابن إدريس يتحدث عن هذه الظاهرة في مواضع متعددة من السرائر، فيعتبر عصره عصر التقليد وفقهاء هذا العصر "مقلدة". وإذا كان ذاماً للتقليد، فهذه القاعدة يطلب من الآخرين إجراءها على أنفسهم قبل غيرهم، يقول في خاتمة كتاب السرائر: "ونقسم باللَّه تعالى على من تأمله أن لا يقلدنا في شي‏ء منه، بل ينظر في كل شي من نظر المستفتح المبتدي..."(11).

* شخصيته العلمية وموقعه الفكري‏
لقد طبعت شخصية ابن إدريس عدة مميزات وسمات بارزة، منها النبوغ الذاتي، وهذا ما يظهر بجلاء في نتاجه العلمي، وخاصة في كتابه الأبرز وهو "السرائر"، حيث كشف فيه عن قدرات فكرية فذة وخصبة من حيث الإحاطة في العرض والدقة في النقد وعمق الاستدلالات وشمولها، يقول التنكابني حول نبوغه في (قصص العلماء) "أدرك ابن إدريس الاجتهاد وهو بعمر 25 سنة". ومن مميزات هذه الشخصية التفكير الحر البعيد عن التقليد والانقياد دون دليل وحجة، بل إن القارئ (للسرائر) يخيل إليه أن الهدف الأصلي من هذا الكتاب تحطيم التقليد والإطاحة بالاتباع الأعمى وتحذير المقلدين من هذا السلوك الاتباعي.

* ومن مميزات هذه الشخصية أيضاً:
الشجاعة العلمية والجرأة الفقهية، فقد استطاع ابن إدريس عبر إبداعه وجرأته العلمية أن يقدم خدمات كبيرة للفقه الشيعي، فقد كانت لابن إدريس إبداعات في الفقه والمناهج الفقهية، فقد قدّم لنا في كتابه السرائر فقهاً أدبياً، حيث استعرض نماذج عديدة لتوظيف العلوم اللغوية والأدبية في الفقه. ومن هنا، فقد جعل دور الأدب فيه بارزاً وجلياً. إلى هذا، فقد وضع ابن إدريس مناهج أصولية وقواعد اجتهادية في الفقه الإسلامي، ليقدم في مختلف مواضع (السرائر) مشهداً رائعاً لتطبيقات الدرس الأصولي في علم الفقه. هذا، ورغم إنكار حجية خبر الواحد وبالتالي حرمانه من كم كبير من الروايات ـ، إلا أنه ورغم ذلك نجح في الممارسة الاجتهادية الفقهية، معوضاً النقص الذي لحقه باستخدامات واسعة للعقل وما تقتضيه أصول المذهب، والتركيز البالغ على الآيات القرآنية(13). وحول إسهامات ابن إدريس العلمية، يقول الشهيد السيد محمد باقر الصدر قدس سره: "وكانت بداية خروج الفكر العلمي عن دور التوقف النسبي على يد الفقيه المبدع محمد بن أحمد بن إدريس المتوفى سنة 598هـ، إذ بث في الفكر العلمي روحاً جديدة، وكان كتابه الفقهي (السرائر) إيذاناً ببلوغ الفكر العلمي في مدرسة الشيخ (محمد بن الحسن الطوسي) إلى مستوى التفاعل مع أفكار الشيخ ونقدها وتمحيصها"(14).


(1) روضات الجنات، ج‏6، ص‏254.
(2) ج‏6، ص‏258، انظر حول تاريخ وفاته: الكنى والألقاب، عباس القمي، ج‏1، ص‏210.
(3) لسان الميزان، ج‏5، ص‏65.
(4) تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير الأعلام، رقم الترجمة: 391، ص‏314.
(5) أعيان الشيعة، محسن الأمين، ج‏9، دار التعارف، ص‏120.
(6) رجال ابن داود، ص‏269.
(7) محمد صادق آل بحر العلوم محقق كتاب: رجال ابن داود، ص‏269.
(8) السرائر، ج‏1، ص‏41 42.
(9) السرائر، ص‏44.
(10) م.ن، ص‏44 45.
(11) م،ن.، ص‏651.
(12) محمد التنكابني، ص‏427.
(13) علي همّت نبادى، ابن ادريس الحلي، ص‏16.
(14) المعالم الجديدة للأصول، ص‏72.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع