أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أول الكلام: ثقافة الحياة..العيد فرحة الأوّابين

الشيخ يوسف سرور

 


تنام العيونُ بعد أن يداعبها النّعاس..يدغدغُ جفونها موشوشاً لها بنغماتٍ هادئة ولو أحيط صاحبها بالصّخب والضّجيج. ينامُ الجسد..تستكين الأطرافُ طلباً للراحة..تسرح المخيّلات في فضاءات الأحلام، الّتي ترسمُ أحداثاً متكاملةً أحياناً، تخطُّ فيها ريشة الخيال حياةً أخرى للمرء. يستيقظُ الأطفال من سباتهم، باحثين عن الأشياء الجميلة الّتي صنعتها أحلامهم. ولمّا يرتدّون خائبين، يتمنّون لو يعودون إلى أحلامهم الجميلة تلك، وبعضهم يعودُ إلى مهجعه , راجياً نوماً جديداً يُعيدهُ إلى تلك الحياة المتخيّلة.

ويستيقظُ بعض الأطفال، يستيقظُ أهلهم على صراخهم الّذي ينبئ عن ذعرهم، بسبب أحداثٍ رسمتها ريشة الخيال، تزخر بالأحداث والأشكال المخيفة..يستيقظُ الأطفال مرعوبين ينظرون من حولهم، راجين أن لا يواجهوا الأحداث والأشخاص والصّوَر الّتي قضّت مضاجعهم، وحرمتهم النَّوم الهانئ..يبحثون عن حضنٍ آمنٍ يُكملون فيه ما تبقّى من ليل.. تنامُ القلوب المجهدة..الزّاخرة بالمشاعر المتناقضة..الّتي أثقلتها هموم الحياة وأعراضها، وأثخنتها جراحها وأعيتها أمراضها.. تنامُ القلوب بعدما تقلبَّت النّفوس بين أعاصير الحياة وأنواء العمر..منها ما ينبئ عن قرب منامها كثرة كبواتها المحسوبة و غير المحسوبة..ومنها ما ينامُ من غير خبرٍ فات ولا علمٍ مسبق. تنامُ العقول النيّرة على وقع نوم القلوب..تغفو في خضوعٍ مُذهلٍ لطغيان الخيال، مستسلمةً لسلطان الوهم، الّذي يزداد استحكاماً وسيطرةً كلّما اشتدّت وطأة سبات هذه العقول. يخبو سطوع الفطرة النّقية ويخفتُ تألقها، مع جنوح قوى النّفس نحو الاستسلام لجنود الوهم والخيال..يتوارى نور الفطرة الّتي فطر البارئ الناس عليها ويخمدُ نداؤها كلّما أوغل المرء في غفلته، وكلّما تمادت القلوب في انصياعها لقوى الوهم والخيال. أقبل شهر الرّحمة مثقلاً بالعطاءات الرّبّانيّة..يفتحُ فيه الرّحمن موائد ضيافته..يشرّعُ فيه أبواب الجود والعطاء..

أقبل الشّهر الكريم يزهو على باقي الشّهور، لأنّه شهر الله..يزدهي فيه بأيّامه الّتي جعلها خالقها أفضل الأيّام، وبساعاته الّتي أرادها الله أفضل السّاعات..يحتفي فيه بلياليه الّتي هي أفضل اللّيالي..إذ فيه ليلةٌ هي خيرٌ من ألف شهر من التّبتّل والتّضرّع والعبادة..من القيام والرّكوع والسّجود..فتح فيها الله مغاليقَ أبواب التّوبة والإنابة.. فيا أيّها العبادُ المتعبون..الّذين أوهنت نفوسهم متاعب الحياة، وأثقلت عواتقَهم أحمالُ الهموم، وأرهقت ذواتهم صولاتُ الخيال وجولات الأوهام..هلمّوا إلى ما يزيحُ عنكم أكداسَ الهموم، ويرفعُ عن كواهلكم أثقالَ الخطايا.

هلمّوا إلى ما يفتحُ عليكم أبوابَ الجنان، الّتي شرّعها الله للأوّابين..استزيدوا في هذه الأيّام..اجعلوا أنفاسكم فيه مسبّحة خالقها، ونومكم تعبّداً لمن بيده ملكوت السّموات والأرض ..ويا من صدئت صفحات قلوبهم بفعل ركام الخطايا وجبال الذّنوب والمعاصي.. يا من توارى نور فطرتهم خلف سنين من الغفلة والفترة..تعالوا إلى موائد ضيافة الرّحمن، الّتي دعاكم إليها ..وحطّموا الأغلال الّتي كبّلت هممَكم بسبات الوساوس ونفثات أبالسة الإنس والجنّ..فالشّياطين في هذا الشّهر مغلولة..اربطوا قلوبكم بحبل الله المتين وصراطه المستقيم، وذلك كفيلٌ بأن لا تعود هذه الأبالسة للتسلّط عليكم ثانيةً.. فإنّ القلوب الّتي غًسلت صفحاتها بدموع الاستغفار، وصُقلت آفاقها بالإقبال على التّوّاب الرّحيم ..تنزاحُ عنها الأوهام الشّيطانيّة والخيالات النّفسانيّة، وتُصبحُ مترعةً بفيض العشق الرّبّانيّ اللامحدود..ناضحةً بطلب الوصال المنتَشِل من زنازين الظّلام وعتمات الأوهام..

هلمّوا جميعاً ليكون عيدكم فرحةً حقيقيةً على طريق فرحة لقاء الله الكبرى، واجعلوا مفاتيحَ مصائركم بأيديكم , ومصائر نفوسكم أزمّتها بقبضاتكم.. لتكون عقولكم النيّرة وقّادةً من جديد في سبيل صلاحكم وصلاح أهليكم وأمّتكم.. بل..هلمّوا لتصبح مفاتيح أصفاد الشياطين المغلولة بين أكفّكم..ومفاتيح الجنان المفتّحة,وأبواب النّيران المغلّقة رهن إرادتكم..فهكذا يصنع المؤمن حياته في الدّنيا، وكذلك يملكُ مصيره في الآخرة..

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع