نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع إمام زماننا: شرح دعاء العهد (17): ويُحقّ الحقَّ

الشيخ محسن قراءتي


"ويُحقّ الحقَّ ويُحقِّقه. وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبَادِكَ، وَنَاصِراً لِمَنْ لا يَجِدُ لَهُ نَاصِراً غَيْرَكَ، وَمُجَدِّداً لِمَا عُطِّلَ مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِكَ".

يُبيّن هذا الجزء من دعاء العهد الوعد الإلهيّ بانتشار الحقّ وحاكميّته في دولة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. كيف ينتصر الحقّ؟ ولماذا ندعو بتسديد الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف؟ هذا ما سيُبيّنه هذا المقال.

•حتميّة انتصار الحقّ في القرآن
وقع الناس على امتداد التاريخ تحت سلطة المستبدّين الذين أقاموا حكومتهم على الظلم والفساد والخوف، وكما قال تعالى في كتابه على لسان ملكة سبأ: ﴿قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ (النمل: 34). والقرآن الكريم يزفّ إلينا بشكلٍ قاطعٍ بشرى الانتصار النهائيّ، واقتراب اليوم الذي يحكم فيه الحقّ أنحاء العالم كلّه، ويُطوى بساط حكومة الباطل، ويرث فيه الصالحون الأرض، وهذا النصر النهائيّ مرتبط بقيام الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف: ﴿وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (الإسراء: 81).

•كيف يتغلّب الحقّ؟
يوضّح الله تعالى كيفيّة تحقّق هذا الوعد، من خلال تشبيه الباطل بالزبد الذي يطفو على وجه الماء، فلا فائدة منه وسرعان ما يؤول إلى الزوال، ويشبّه تعالى الحقّ بالأمور النافعة التي تمكث في الأرض، قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ﴾ (الرعد: 17).

وكما أنّ الماء يزيل الزبد، فكذلك قضيّة الحقّ والباطل أيضاً؛ فالحقّ يتغلّب على الباطل ويزيله: ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ (الأنبياء: 18).

ولمّا كان الحقُّ توأم الصدق، وله عمقٌ يعتمد على أساس، ويتناسب مع قوانين الخلقة، وهو ثابت، ونافع، وهو من الله، ومؤيّد منه، فإنّه يبقى ولا يزول. ولهذا كان الباطل أمراً موهوماً، مزيّفاً، لا أساس له، أجوف، لا فائدة منه، غير متناسب مع الخلقة، لا ثبات له، وهو من الشيطان، وإلى زوال.

•الزوال الكامل للباطل
إنّ المسألة القابلة للتأمل في هذه الآيات هي أنّ الكلام هنا ليس عن سيطرة الحقّ على الباطل، بل الكلام عن الظهور المطلق للحقّ والزوال الكامل للباطل، فمن الممكن للباطل -إذاً- أن يكون له جولة لمدّةٍ ما، إلّا أنّ عمره بالنتيجة قصير وينطفئ. فالحقّ كالشجرة التي لها أصول متجذّرة لا يهزّها طوفان، ولا تزلزلها الرياح العواصف، والباطل كالشجرة التي لا أصل لها، فتظهر على وجه الأرض، إلّا أنّها لا تنمو ولا تثمر، وما لها من قرار وثبات.

•الحقّ: ظهور المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف
من المصاديق الأخرى لهذه الآية هو ظهور الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف، فقد جاء في رواية ولادة الإمام أنّ هذه الآية كُتبت على عضده الأيمن(1). وفي روايةٍ أخرى حول هذه الآية عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: "إذا قام القائم ذهبت دولة الباطل"(2). ففي ذلك الزمان يحكم العدل والقسط أرجاء العالم كلّه، ولا مكان للظالمين، في الوقت الذي يكون فيه الظلم والجور قبل ذلك قد ملأ الدنيا. وجاء في رواية من مصادر أهل السنّة: "لتُملأنّ الأرض ظلماً وعدواناً، ثمّ ليخرجنّ رجل من أهل بيتي، حتّى يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً"(3). وتؤكّد رواية أخرى على تحقّق يوم كهذا، نقلت عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "لو لم يبقَ من الدنيا إلّا يوم، لبعث الله عزّ وجلّ رجلاً منّا يملؤها عدلاً كما ملئت جوراً"(4).

•مُدخل ومُخرج صدق
في ذلك اليوم، يظهر الدين الإلهيّ على سائر الأديان، ويتحقّق الهدف من رسالات الأنبياء الإلهيّين. ولأجل الوصول إلى هذا الهدف، لا بدّ من أن نتحضّر ونستعدّ له نحن أيضاً، وهذا إنّما يحصل حينما تصبح أعمالنا، في جميع شؤون حياتنا الفرديّة والاجتماعيّة، قائمة على الحقّ والحقيقة. ولعلّه لهذا علّمنا تعالى كيف ندعو، في الآية السابقة على هذه الآية التي فيها بشارة مجيء الحقّ وزهوق الباطل، بأن نقول: ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا﴾ (الإسراء: 80).

•"وَاجْعَلْهُ اللَّهُمَّ مَفْزَعاً لِمَظْلُومِ عِبَادِكَ"
جعل الله تعالى أهل البيت عليهم السلام كهفاً للخلائق وملجأ للمحرومين. ففي زمانهم عليهم السلام كانوا مأوى الطالبين، والمتألّمين، والمحتاجين، والمظلومين. وكذلك في أيّام الظهور، فإنّ هذه المسألة لها تجلّياتها الخاصّة، ومن هنا، ففي هذا الدعاء يطلب الداعي من الله تعالى ضمن دعائه للظهور تجلّي هذه الحقيقة الجميلة، وذلك لأنّ إحدى وظائف الإمام مساعدة الأفراد المحتاجين والضعفاء ومساندتهم. والآن، إنّ الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هو ملجأ كذلك، ومفزع، ومأوى المحرومين؛ لأنّه الكهف والغوث، ولكن في عصر الظهور سيكون ذلك ظاهراً ومشهوداً.

•"وَنَاصِراً لِمَنْ لا يَجِدُ لَهُ نَاصِراً غَيْرَكَ"
الله تعالى ناصر من لا ناصر له، وخليفة الله تعالى لديه هذه الخصوصيّة أيضاً. وفي عصر الظهور لا يبقى أحد بلا ناصر، فالإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف ينصر كلّ من يحتاج إلى النصرة، والروايات التي تصف حكومة الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف تذكر هذه المسألة ببيان جذّاب جدّاً.

•"وَمُجَدِّداً لِمَا عُطِّلَ مِنْ أَحْكَامِ كِتَابِكَ"
إحدى خصائص حكومة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هي إحياء الدين وأحكام القرآن، لأنّ الإمام حينما يظهر لا يكون قد بقي من القرآن إلّا رسمه، ومن الإسلام إلّا اسمه. فعندما لا تعمل الأمّة بأحكام الإسلام ولا تطبّق قوانينه، يمكن القول: إنّ الدين في ذلك المجتمع قد مات، ولذا ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله حول صاحب العصر والزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف: "ويُحيي ميّت الكتاب والسُّنّة"(5).

ومعنى كون الإمام يحيي ذلك، هو أنّه عليه السلام يعيد إجراء تعاليم الإسلام والقرآن التي تكون قد نُسيت، ويقوم بنشرها وترويجها في المجتمع. وبعبارة أخرى: كلّ ما هو دخيل أو خرافة أو بدعة مما أُلصق في الدين ممّا لا حقيقة له إلّا ما نسجته الأوهام، يقوم بمحوه وإزالة الغبار المتراكم على الدين بسببه. فعمل الإمام عجل الله تعالى فرجه الشريف في تبليغ الدين وبيانه له صورتان:
الأولى: إزالة البدع، وإحياء السنن المتروكة، والدعوة الجديدة إلى الإسلام والقرآن.

الثانية: إظهار الحقائق والتأويل والتنزيل القرآنيّ، الذي لم يظهر بعد إلى ذلك الزمان.

وفي كلتا الصورتين، بما أنّ الناس يرون في تعاليمه عجل الله تعالى فرجه الشريف خلاف عاداتهم ومعتقداتهم يسمّون ذلك سنّة جديدة، مع أنّ كتابه هو القرآن نفسه، ودعوته هي الإسلام والقرآن أيضاً. عن الإمام الصادق عليه السلام: "إذا خرج القائم يقوم بأمر جديد وكتاب جديد وسنّة جديدة وقضاء جديد"(6).

أمّا شرح قوله: "وَمُشَيِّداً لِمَا وَرَدَ مِنْ أعْلامِ دِينِكَ"... فسيأتي في العدد القادم، إن شاء الله.


1.تفسير نور الثقلين، الحويزي، ج3، ص213.
2.الكافي، الكليني، ج8، ص287.
3.كنز العمال، المتقي الهندي، ج14، ص266، ح3867.
4.مسند أحمد بن حنبل، ج2، ص774.
5.نهج البلاغة، الخطبة رقم 138.
6.إثبات الهداة، ج3 ص542.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

كنيْسة، البقاع

ربى زعيتر

2019-08-09 17:35:16

ما هو نوع الكتاب الجديد الذي سيصدره الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، هل هو تكملة للقرآن؟ وليس بديل عنه أكيد ألن يمهد للنبي عيسى عليه السلام؟