أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

مشاركات القراء: الامتحان الأخير

إيمان شبلي

 



شاءت الحكمة الإلهية وكمال الرعاية والتربية أن تتوارد صنوف البلاء على الإنسان وتتنوع تارةً بالفقر وأخرى بالمرض وثالثةً بفقد الأحبّة وما شاكل ذلك..... فكان قوله تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً (الأنبياء: 35) سنّة إلهية جارية في خلقه دون استثناء أو تخلُّف. هذه السنّة تستهدف اختبار الإنسان ومن ثَمَّ غربلته ليعرف الأحسن والأفضل والأكمل ولتظهر حقيقة النفس أمام صاحبها. عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: ".... وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب"(1). ومن فيض كرمه تعالى أنه يعطي الإنسان الفرصة تلو الأخرى ويتعاهده بالبلاء كي لا يكون للغفلة سبيل إليه ولتكتمل تربيته وتشتد روحه وتصقل نفسه.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إن الله يغذي عبده المؤمن بالبلاء كما تغذي الوالدة ولدها باللبن"(2). فالاختبار والامتحان قدر الإنسان في هذه الحياة، فإنْ أحسن وأجاد ختم له بحسن العاقبة وإن ضلَّ وتاه ختم له بسوء العاقبة. فكم من أناس سقطوا فيه وزاغت قلوبهم فارتدوا وعدلوا واستبدلوا إيمانهم بالكفر في الدقيقة الأخيرة من حياتهم: "اللهم إني أعوذ بك من العديلة عند الموت". فعند التدقيق في الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السلام نجد أنهم عليهم السلام قد أشاروا إلى جملة من الأمور التي تعرض المؤمن للعديلة والميل من الحق إلى الباطل في لحظات عمره الأخيرة. ومنها:

1ـ ترك الصلاة: فقد ورد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "من ترك الصلاة لا يرجو ثوابها ولا يخاف عقابها فلا أبالي أيموت يهودياً أو نصرانياً أو مجوسياً"(3).
وروي عن الإمام الباقر عليه السلام أنه قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جالس في المسجد إذ دخل رجل فقام يصلي فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال صلى الله عليه وآله وسلم: نقرٌ كنقر الغراب لئن مات هذا وهكذا صلاته ليموتن على غير دين"(4). إن فريضة الصلاة هي صلة الوصل بين الله وعبده وعنوان صحيفة أعماله فمن ترك الفريضة أو استخف بها فقد أعرض عن ربّه وقطع صلته بخالقه. وهذا إن دل على شيء فهو يدل على كفر الإنسان بالله ولذا ورد في الحديث: "ما بين الكفر والإيمان إلا ترك الصلاة"(5). يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام: "إن حقيقة السعادة أن يختم للمرء عمله بالسعادة وإن حقيقة الشقاء أن يختم للمرء عمله بالشقاء"(6).

2ـ سخط الوالدين: من المسائل التي توجب العدول من الحق إلى الباطل ومن الإيمان إلى الكفر سخط الوالدين وإغضابهما، فقد ورد أن الإمام الصادق عليه السلام قال: "اعتقل لسان رجل من أهل المدينة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي مات فيه فدخل عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: قل: "لا إله إلا الله" فلم يقدر عليه، فأعاد عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يقدر عليه، وعند رأس الرجل امرأة فقال لها: هل لهذا الرجل أم؟ فقالت: نعم يا رسول الله أنا أمه، فقال لها: أفراضية أنت عنه أم لا؟ فقالت: لا بل ساخطة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فإني أحب أن ترضي عنه، فقالت: قد رضيت عنه لرضاك يا رسول الله، فقال له: قل: "لا إله إلا الله" فقال: لا إله إلا الله. فقال له: قل: "يا من يقبل اليسير ويعفو عن الكثير اقبل مني اليسير واعف عني الكثير إنك أنت العفو الغفور"، فقالها، فقال له: ماذا ترى؟ قال: أرى أسودين قد دخلا عليّ، قال صلى الله عليه وآله وسلم: أعدها فأعادها. فقال: ماذا ترى؟ قال: قد تباعدا عني ودخل أبيضان وخرج الأسودان فما أراهما ودنا الأبيضان مني الآن يأخذان بنفسي فمات من ساعته"(7). تشير هذه الرواية إلى أن إغضاب الوالدين أو أحدهما معصية كافية لأن تحول بين المحتضر وبين نطقه بالشهادة وكلمة الحق. فماذا لو لم ينل هذا الشاب مسامحة ورضا أمه؟! هل سيموت على الإيمان المرضي عنه عند الله ورسوله وأهل بيته؟!

3ـ القطيعة: وهي التباغض، فعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا إن في التباغض الحالقة لا أعني حالقة الشعر ولكن حالقة الدين..."(8). وفي رواية أخرى يبين فيها الإمام الصادق عليه السلام أن حالقة الدين هي قطيعة الرحم. يقول عليه السلام: "اتقوا الحالقة فإنها تميت الرجال. قلت: وما الحالقة؟ قال: قطيعة الرحم"(9).

4ـ الغيبة والبهتان: فعن الإمام أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: "من روى على مؤمن رواية يريد بها شينه وهدم مروته ليسقط من أعين الناس أخرجه الله عز وجل من ولايته إلى ولاية الشيطان"(10).

5ـ معونة الظالمين وإرضاء السلاطين والطواغيت: عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من أرضى سلطاناً بما أسخط الله خرج من دين الإسلام"(11). كانت هذه بعض الأمثلة للموبقات التي تسوّد صحيفة الإنسان وتميل به من الحق إلى الباطل. ولكن لو أردنا أن ندقق في منبعها ومنشئها لوجدنا أن ضعف الإيمان والشك في العقيدة هو السبب الجامع لكل هذه الموبقات. ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (الحج: 11).

فبالفرار من هذا المصير السيئ يبدأ العمل على تصحيح العقيدة وتقوية الإيمان في القلب شرط أن يترافق كل هذا السعي مع الإخلاص لله تعالى واستشعار الفقر والضعف والذلّ أمام حضرة الله تعالى والطلب والتضرع إليه ومد يد السؤال نحوه ولسان الحال: "اللهم ثبتني على دينك ما أحييتني ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني وهب لي من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب"(12).


(1) نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج 4، ص 21.
(2) ميزان الحكمة، الريشهري، ج 1، ص 305.
(3) ميزان الحكمة، م. س، ج 5، ص 132.
(4) وسائل الشيعة، الحر العاملي، ج 4، ص 31.
(5) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 79، ص 217.
(6) م. ن، ج 68، ص 364.
(7) من لا يحضره الفقيه، الصدوق، ج 1، ص 132.
(8) أصول الكافي، الكليني، ج 2، ص 346.
(9) م. ن.
(10) بحار الأنوار، م. س، ج 72، ص 254.
(11) م. ن، ص 380.
(12) الصحيفة السجادية، من دعائه عليه السلام في يوم الجمعة، ص 557.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع