نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

شبهة حول ضرورة الولاية في عصر الغيبة

آية الله جوادي الآملي‏

يقول المرحوم الخواجة نصير الدين الطوسي- قدس سره- في كتابه "تجريد الاعتقاد" حول ولاية إمام العصر سلام الله عليه: "وجوده لطفٌ وتصرُفُه آخر، وعدمه منا".

ويقصد بذلك أن أصل وجود ولي العصر- أرواحنا له الفداء- ضروري من الله سبحانه طبق قاعدة اللطف. وتصرفه أيضاً لطف آخر. وتمييز هذين اللطفين يلعب دوراً في دفع إشكال يمكن أن يرد من أهل السنة حيث يقول أن إمام الزمان سلام الله عليه وبسبب غيبته فلا تصرف له ولا يصدر منه أي فعل، إذاً؛ فوجوده وعدمه سيان.

وقد رد المرحوم الخواجة- قدس سره- هذا الإشكال بتفريقه بين هذين اللطفين وفي تعليل سبب الغيبة قال: "وعدمه منّا"، ويقصد بذلك أن عدم تصرف الإمام- لا عدم وجوده- ليس من الله تعالى وإنما من ناحيتنا. فنحن الذين كنا سبباً في عدم استفادتنا من تصرفاته عليه السلام، ولا يوجد تلازم بين اللطفين حتى يكون اختفاء واحد مستلزماً لاختفاء آخر.
ونفي التلازم بين أصل الوجود وأصل التصرف للإمام مستفاد من كلام لأمير المؤمنين عليه السلام في حديثه لكميل: "اللهم بلى لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً وإما خائفاً مغموراً".

فالأرض إذن لن تخلو من ولي لله. وأما المعنى الذي أشار إليه المرحوم الطوسي حول عدم التصرف، فليس المقصود به سلب جميع شؤون التصرف، بل سلب التصرفات التي نكون نحن سببها وذلك لعدم لياقتنا، وهي تلك التصرفات التي يباشرها الإمام بنفسه. فإذا أراد الإمام أن يباشر التصرف بنفسه، فسوف يتعرض لما تعرض له الأئمة الباقون عليهم السلام، وبشهادته، وهو ذخيرة الله وبقيته، فسوف يبقى العالم بلا إمام بدون أن يكون هناك إمكانية لظهور إمام آخر. فالتصرفات المنتفية إنما تكون بسببنا نحن، أما التصرفات الأخرى غير المباشرة مثل النيابة أو التوكيل فلا دليل ينفيها، ولا يُظهر كلام الطوسي أية إشارة في سلب جميع شؤون تصرفات إمام العصر عجل الله فرجه في زمن الغيبة.

وبهذا التوضيح الذي قدمناه حول كلام الطوسي رحمه الله تنتفي الشبهة المطروحة بالنسبة لسلب جميع تصرفات الإمام عليه السلام في زمن الغيبة، ولا يبقى مجال للاحتمال الذي قدمه المرحوم الشيخ الأنصاري في تعليق بعض التصرفات على حضور الإمام عليه السلام وتعطيلها في زمن الغيبة، لأن تلك التصرفات التي يكون الناس سبباً لتعطيلها هي فقط ما يصدر مباشرة عن إمام الزمان وأما التصرفات المسبَّبة كالنيابة والتوكيل وجعل الولاية فإنها جميعاً ميسرة بدون أن يطرأ عليها نقص أو انتقاص، بل إنها ضرورية وواجبة من جانب اللطف الإلهي. فلا دليل إذاً، على احتمال تعطيل الكثير من الأحكام التي يقع على رأسها إجراء الحدود الإلهية وولاية الفقيه، بل يمكن إقامة البراهين في إثبات ولاية الفقيه والتي تظهر خلاف الاحتمال المذكور.

* دليل عقلي ونقلي على ولاية الفقيه‏
مرّ سابقاً أن الحاكم في الدليل هو العقل دائماً، وأما تقسيم الأدلة إلى عقلية ونقلية أو ملفقة من العقل والنقل فهو بلحاظ المواد والمبادئ‏ء الخاصة التي يستفاد منها في الاستدلال.
والدليل الملفق من العقل والنقل تكون بعض مقدماته عقلية والبعض الآخر نقلية، وهو على قسمين:
القسم الأول: الدليل الذي يكون موضوع حكمه مأخوذ من الشرع، لكن العقل يرتب الحكم على الموضوع بنحو الاستقلال.
القسم الثاني: الدليل الذي يكون فيه الموضوع والحكم مأخوذين من الشرع، لكن العقل يرتب لزوم ذلك الحكم على الموضوع.

ومثال على القسم الأول، مسألة الصلاة في المكان المغصوب. لأن حكم هذه المسألة منوط برأي المجتهد في مورد اجتماع الأمر والنهي، وجواز اجتماع الأمر والنهي أو امتناعه مبنيٌ على برهان عقلي محض. فالمجتهد الذي يعتبر في الأبحاث الأصولية أن تعدد العناوين موجب لتعدد المعنونات فسوف يقول بجواز الاجتماع، أما إذا اعتبر أن وحدة المعنون أساس إتحاد العنوان فلن يقول بجواز الاجتماع، وفي هذه الحال ومع ترجيح جانب النهي على الأمر سوف ينفي أصل الأمر في خصوص مورد الاجتماع.

وهذه المسألة الأصولية مسألة عقلية بالكامل. ففي هذا المورد وخلافاً لما جاء في مسألة لباس المصلي وأمثالها، لا يوجد أي دليل نقلي. وإذا ظهر الادعاء بالإجماع فإنه سوف يكون فاقداً للاعتبار لأنه يعود إلى المسألة العقلية ذاتها.
وعلى هذا الأساس لو قال المجتهد الأصولي باجتماع الأمر والنهي فذلك لأن العناوين متعددة ولا تسري وحده المعنونات إلى تعدد العناوين حتى تجعلها واحدة، فالغضب حرام والصلاة واجبة. ولهذا فالشخص الذي يصلي في المكان المغصوب يرتكب المعصية ويؤدي الطاعة، أي؛ وإن كانت صلاته تصرفاً غصبياً ولكنها صحيحة.

أما الذي لا يقول بإمكانية اجتماع الأمر والنهي فهو يقول بأن الصلاة واجبة والغصب حرام، والجمع بينها محال. فإذا حصل الأمر لا يترك مجالاً للنهي والعكس صحيح، ومع حلول النهي فلا يعود أمر، فالصلاة ليست واقعة وهي باطلة.
وكما نلاحظ، إن موضوع هذا الحكم مأخوذ من أمر ونهي شرعيين وحكمه يستند إلى استدلال عقلي.

مثال على القسم الثاني، مسألة حرمة عقوق الوالدين بالضرب والشتم. لأن مقداراً من حكم هذا الموضوع مأخوذ من الشرع والباقي منه مستنبط من العقل، لأن ما ورد في الشرع ﴿لا تقل لهما أفٍ الإسراء: 23 حيث يحرّم بالدلالة التطابقية قول الأف للوالدين، لكن العقل يدرك حرمة الضرب والشتم بالأولوية.
مثل هذه الاستنتاجات العقلية التي تحصل في محور النقل تعتبر جميعها من الملازمات العقلية، واختلافها مع المستقلات العقلية كحرمة الظلم هو في عدم استقلال العقل في استنباط الحكم الشرعي في موارد التلفيق.

أما الدليل الملفق من العقل والنقل الذي يقام في إثبات ولاية الفقيه فهو في الواقع من القسم الثاني من الأدلة الملفقة. وإجمال هذا الدليل هو أنه لا شك في بقاء الإسلام إلى يوم القيامة ومستحيل أن ينسخ الإسلام، والأحكام الإسلامية قسمان، البعض كالصلاة والصوم فردية أو تكون بعهدة مجموعة معينة، والبعض الآخر تكاليف لا تكون على عهدة مجموعة أو فرد محدد. وإجراء هذا القسم من التكاليف التي تُبنى الخطوط العامة للإسلام عليها ليس متيسراً بدون القائد المدير والمدبر الحاكم. فمن ضرورة بقاء الشريعة لزوم وجود المدير الذي يتعهد تنفيذ هذه الفئة من التكاليف.

وهنا نشير إلى بعض الأحكام التي توجب بحكم العقل تعيين ولي خاص من جانب الشارع المقدس:
1- تعيين الأهلة والوقوف في الموقفين: إن الصوم في شهر رمضان والإفطار في العيد يحتاج إلى تعيين الهلال. لكن بما أن هذين الأمرين من الأمور الفردية، وحتى لو دار الأمر بين أول شوال وآخر شهر رمضان في الحرمة والوجوب فإن هذا ليس بمشكلة كبيرة لأن المكلف يمكنه أن يحلها من خلال السفر وتحصيل الاحتياط. لكن بالنسبة لتعيين أول يوم من شهر ذي الحجة فإن هذا أمر ضروري لأجل تنظيم برامج عشرة الحج. لأنه إذا حدد اليوم الأول فإن جموع الحجيج سوف تتحرك معاً، أما إذا لم يتحدد فإن كل واحد سوف يعمل بتكليفه، فالبعض يستصحب الأمر لأنه لم يثبت لديه، والآخر يعمل بعمله وهكذا يقع الهرج والفوضى العارمة التي يمكن أن تؤدي في حال الازدحام الشديد إلى وقوع القتلى والضحايا الكثيرين فكيف يمكن في مثل هذا المورد أن لا يكون الإسلام قد عين مرجعاً خاصاً، في حين أننا نجد كل قافلة من قوافل الحجاج قد عينت مسؤولاً عنها تحت عنوان "أمير الحج" والذي نجد في بعض الروايات إشارة إليه تحت عنوان "الإمام".
وفي رواية أن الإمام الصادق عليه السلام قال يوماً لأحد أولئك الذين كانوا يتحملون مثل هذه المسؤولية: "سر، فإن الإمام لا يقف".

ولا يتوهمن أحد أن هذه المسؤولية يمكن أن يضعها الجميع على كاهل شخص بالتوكيل أو النيابة، لأن هذه الأمور- كما مر سابقاً- إنما تقع ضمن الأعمال التي يمكن القيام بها بالمباشرة ولأن التدخل في هذه الأمور مباشرة ليس بمقدور أحد، فلا حق لأحد بالتوكيل فيها. إذاً فالشارع يقيناً قد نصب شخصاً على هذا المهم، ومن المسلم أن هذا الشخص لا يمكن أن يكون أي واحد في زمن الغيبة، بل يكون ممن عرف الإسلام وعمل به وهذا هو المجتهد العادل.

2- الحدود والتعزيرات: المورد الثاني الذي يمكن بالاستفادة منه إقامة البرهان على ولاية الفقيه، هو إجراء الحدود والتعزيرات في زمن الغيبة.
فمن المسلم أن جميع الناس ليسوا معصومين أو عدول، بل إن بعضهم يقوم بهتك الحرمات والتعدي على الآخرين. فلا القول والنصيحة تنفعه ولا يمكن السكوت على أفعاله، ولا يمكن أيضاً اعتماد قوانين الشرق أو الغرب. فالطريق الوحيد الذي يمنع حصول المعاصي إجراء الحدود الإلهية التي تتمتع بميزتي الرفع والدفع.

وتوضيحه؛ أن النهي عن المنكر الذي يؤدي أحياناً إلى الضرب والقتل هو قانون دفعي للحؤول دون إرتكاب المعاصي، أما الحدود والتعزيرات فهي بالنسبة للمجرم رفع للجريمة وبالنسبة للآخرين دفع لها حيث تؤدي إلى التحذير والمنع من التجرؤ على المعصية.
فإذا لم يعمل بالحدود والتعزيرات في زمن الغيبة لأجل حفظ الحدود الإلهية، للزم عندئذٍ الرجوع إلى القوانين البشرية، وهذا غير ممكن. فكل ما هو غير الحكم الإلهي يكون حكم الجاهلية: ﴿أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون (المائدة: 50).

بعد بيان ضرورة تنفيذ الحدود والتعزيرات، ينبغي أن نعلم أن ليس كلّ واحد يمكنه أن يكون أميناً على تنفيذها. لأن حكمها ليس كحكم إقامة الصلاة ليكون الجميع مكلفين بأدائها، بل إن هناك ثلاثة فروق فقهية جوهرية بين هذين النوعين من الأحكام.
الفرق الأول: هو أن الحدود ما لم تثبت في محكمة المجتهد الجامع للشرائط ولم ينشى‏ء حكمها بنفسه فلن تكون قابلة للتنفيذ. ولهذا، فإن مسائل الحدود ليست مثل مسائل القصاص حيث أن أولياء الدم ورغم امتلاكهم لحق إعدام القاتل مكلفون بالرجوع إلى المحكمة، لكي لا يقع الهرج والمرج ويدعي كل واحد حقه بقتل الآخر لأنه قتل والده، فولي الدم وبالرغم من حقه بالقصاص مكلف بالرجوع إلى المحكمة قبل استيفاء هذا الحق الذي تثبته محكمة العدل، وهذا على خلاف الحدود. ففي الحدود ما لم يحكم الحاكم بإهدار دم فلان لا يكون كذلك ولا أحد يمتلك حق قتله. والاختلاف الموجود بين الأحكام المتعلقة بالحدود والقصاص أدى إلى فصل مسائلهما في الكتب الفقيهة.

الفرق الثاني: بين الحدود وبقية الأحكام، أن تنفيذ الحدود لا يكون حتى بعهدة القاضي، بل يختص بالحكومة. والحكومة غير القضاء، وإن كان القاضي أحياناً يشغل منصب الحاكم.

الفرق الثالث: أن الحدود في بعض الأقسام يمكن أن يعفى عنها من قبل الإمام. مما يعني أن إثباتها أو إسقاطها ليس بيد الجميع. إذا كان إجراء هذه الحدود ضرورياً ولازماً، فلا شك أن الوحيد الذي يمكنه تنفيذها هو العارف بالإسلام على نحو التحقيق دون التقليد، والعامل به وليس هذا سوى المجتهد العادل.

3- الأنفال وأموال الدولة:
الأنفال عبارة عن الأموال التي هي ليست كالأموال الخاصة المتعلقة بالأفراد ولا الأراضي المفتوحة عنوة التي تتعلق بجميع المسلمين، وإنما هي أموال منصب الإمامة وتتعلق بالدولة والحكومة الإسلامية. كالبحار والأنهار والفضاء والأراضي الموات، والأدغال والمواريث التي ليس لها وارث.
وتشكل هذه الأمور قسماً عظيماً من الاقتصاد الإجتماعي، وتلعب دوراً حساساً بالنسبة للعديد من المسائل الأخرى، كطرق البحار أو الاستفادة من الخطوط الجوية. وهذه الأمور لا يمكن أن تكون الاستفادة منها وإدارتها واتخاذ القرارات بشأنها مرتبطة بفرد أو مجتمع حتى يقوم المجتمع بتوكيل أمورها إلى شخص، وإنما هي من خصائص منصب الإمامة والحكومة، ولأنها تختص بمنصب الإمامة فهي ليست أموالاً شخصية للإمام ليورثها إلى أولاده من بعده. وهنا يطرح هذا السؤال: في زمن غيبة الإمام المعصوم عليه السلام كيف تدار هذه الأمور؟

بالطبع يستفاد من بعض النصوص أن استغلال الأنفال من قبل الشيعة يعد حلالاً، لكن هل أن هذا التحليل يعني أن كل إنسان يمكنه أن يضع يده عليها بأي نحو يشاء، وبدون إتباع نظام محدد للاستفادة من الفضاء والأرض والبحار؟
من المسلم أن هذه الطريقة ليست هي المقصودة، وإنما تحليل الإمام لهذا الأمر إنما هو بمنزلة الوقف، وإن كان هناك فرق جوهري بين الحلِّية والوقف الذي يحتاج إلى ولي. وهنا لا بد من تعيين ولي خاص. ولا يمكن أن يكون فرداً عادياً، لأن الذي يتولى أموال الإمام يجب أن يكون عارفاً وعاملاً بنهجه، ولا يمكن أن يكون غير المجتهد العادل.

4- الخمس وسهم الإمام المبارك عليه السلام: يرجع نصف الخمس المتعلق بالأموال إلى سهم الإمام عليه السلام. وهذا السهم لا يتعلق بفرد خاص ولا بأمة حتى تجعل عليه وكيلاً أو نائباً له حق التصرف فيه، وإنما هو دائماً متعلق بالإمام حتى في زمن الغيبة. ولهذا فإن الذي يتعهد إدارته وصرفه يكون كمتولي الوقف، الذي لا يملك العين الموقوفة ولكنه يتعهد ميزانيتها ومحاصيلها. والذي يتولى السهم المبارك للإمام هو ولي في التصرف فقط. بناء على هذا، لا يمكن أن يترك سهم الإمام في زمن الغيبة بدون ولي، ولن يكون هذا الولي إلا العارف بتصرفات الإمام والملتزم بها، وهو الفقيه الجامع للشرائط.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع