نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مع إمام زماننا: شرح دعاء العهد(16): وَأَحْيِ بِهِ عِبَادَكَ

الشيخ محسن قراءتي


"وَأَحْيِ بِهِ عِبَادَكَ، فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُ ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾، فَأَظْهِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِيَّكَ وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ الْمُسَمَّى بِاسْمِ رَسُولِكَ حَتَّى لا يَظْفَرَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَاطِلِ إِلاَّ مَزَّقَهُ".

يبيّن هذا المقطع من دعاء العهد بعض صفات الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف وخصائص دولته.

•"وَأَحْيِ بِهِ عِبَادَكَ"
الله سبحانه وتعالى هو الحيّ، والحياة بيده. وللحياة أقسام مختلفة:
1- الحياة النباتيّة: ﴿أَنَّ اللهَ يُحْيِي الْأَرْضَ﴾ (الحديد: 17).

2- الحياة الحيوانيّة: ﴿لَمُحْيِي الْمَوْتَى﴾ (فصّلت: 39).

3- الحياة الفكريّة: ﴿مَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ (الأنعام: 122).

والمقصود من الحياة التي يحقّقها الأنبياء من خلال دعوتهم، ليست هي الحياة الحيوانيّة؛ وذلك لأنّ مثل هذا النوع من الحياة موجود بدون دعوة الأنبياء، بل المقصود هو الحياة الفكريّة، العقليّة والمعنويّة، الأخلاقيّة والاجتماعيّة؛ أي مجالات الحياة جميعها؛ لذا، يمكن القول: إنّ حياة الإنسان هي في الإيمان والعمل الصالح، والله تعالى والأنبياء قد دعوا الناس إليها. وإنّ إطاعة أوامرهم هي رمز الوصول إلى الحياة الطيّبة والطاهرة، كما في قوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾ (النحل: 97).

وعلى هذا، ففي زمان الظهور ينتهي عصر الأموات المتحرّكين، ويصبح الناس أحياءً حقيقيّين.

•"فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُ: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾"
أوّلاً: إنّ جميع المطالب والمباحث قد قالها تعالى: "فَإِنَّكَ قُلْتَ"، وكوننا لا نعلم فهذا لا يعني أنّ الله تعالى لم يقل ذلك.

ثانياً: كلّ ما قاله تعالى هو الحقّ والحقيقة: "فَإِنَّكَ قُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحَقُ".

ثالثاً: من جمال الأدعية والزيارات تطابقها مع الآيات النورانيّة للقرآن الكريم؛ ففي سورة الروم الآية (41) نقرأ قوله تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾.

وفي الآية (30) من سورة الشورى أيضاً، نقرأ قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ﴾.

إنّ بعض الشدائد والمحن الدنيويّة هي نوع عقوبة على ذنوب الإنسان؛ لذا:
1- الشرك سبب الفساد في الأرض: ﴿عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾، ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ﴾.
2- أعمال الإنسان تؤثّر في الطبيعة، فالأعمال القبيحة للإنسان تمنع عطاء الماء والتراب، وعامل لحدوث الظواهر السيّئة: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾.
3- فساد المحيط سببه أعمال الإنسان: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ﴾، ﴿بِمَا كَسَبَتْ﴾.

•"فَأَظْهِرِ اللَّهُمَّ لَنَا وَلِيَّكَ"
بما أنّه بسبب اشتباهات البشريّة، قد مُلئت الأرض فساداً وتلوّثاً، وحيث لا يمكن للبشر أن يخلّصوا أنفسهم من مستنقع الفساد، فإنّهم يلجؤون إلى خليفتك لكي يطهّر الأرض، وينجي الناس من دوّامة الفساد والضياع، لأنّ لديه خصوصيّات فريدة ككونه وليّاً، لذا في هذا المقطع، يُطلب من الله تعالى ظهوره.

•"وَابْنَ بِنْتِ نَبِيِّكَ"
إحدى خصوصيّات الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف، أنّه من نسل وذريّة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام . فهناك أكثر من 190 رواية في مصادر السنّة والشيعة تذكر أنّ المهديّ من ذريّة فاطمة الزهراء عليها السلام (1).

عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "المهديّ من ولد فاطمة". هذا المضمون متواتر لا يمكن لأحد إنكاره؛ ففي سنن أبي داود عن أمّ سلمة أنّها قالت: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "المهديّ من عترتي، من ولد فاطمة"(2).

•"الْمُسَمَّى بِاسْمِ رَسُولِكَ صلى الله عليه وآله وسلم"
تدلّ الروايات المتواترة التي رواها الشيعة والسنّة أنّ المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف اسمه اسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكنيته كنيته؛ أي أنّ اسمه المبارك محمّد، وكنيته أبو القاسم، ولقبه المهديّ، وهو أشبه الناس به، وأنّ الله تعالى يفتح على يديه مشارق الأرض ومغاربها(3).

ونقل أصحاب الصّحاح، والسّنن، والمعاجم، والمسانيد، بألفاظ وأسانيد مختلفة، أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "يخرج في آخر الزمان رجل من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، يملأ الأرض عدلاً كما مُلئت جوراً"(4).

ونقل العلّامة المجلسيّ بسند ذكره عن جابر بن عبد الله الأنصاريّ أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "المهديّ من ولدي، اسمه اسمي، وكنيته كنيتي، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلُقاً..."(5).

•"حَتَّى لا يَظْفَرَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَاطِلِ إِلّا مَزَّقَهُ"
قال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ﴾ (التوبة: 33). وقد تكرّرت هذه الآية في القرآن الكريم ثلاث مرّات، وهي تبشّر بأنّ دين الإسلام سيعمّ جميع أنحاء العالم.

ولكي يعمّ العالم الدين الإسلاميّ، هناك شروط ثلاثة:
1- وجود القائد العالميّ.
2- وجود القانون العالميّ.
3- الجهوزيّة العالميّة.

أمّا القائد العالميّ فموجود، وهو الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف. وأمّا القانون العالميّ فموجود أيضاً، وهو القرآن الكريم، الكتاب الهادي، الذي لا تحريف فيه. وأمّا الجهوزيّة العالميّة، فليست مشهودة حتّى الآن، ولا بدّ من السعي والعمل على تهيئة الأرضيّة لذلك.

فإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف عندما يظهر، لا بدّ من أن يجد الجهوزيّة لدى الناس من جميع الجهات، وأن يجد الناس عالمين بمعارف وعلوم القرآن والإسلام، وأن يكون لديهم الاستعداد لحكومة إمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف.

وممّا جاء في وصف الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف في خطبة الغدير عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال:
"معاشر الناس، النور من الله عزّ وجلّ فيَّ مسلوك، ثمّ في عليّ، ثمّ في النسل منه إلى القائم المهديّ، الذي يأخذ بحقّ الله، وبكلّ حقّ هو لنا...، ألا إنّه الظاهر على الدين...، ألا إنّه المفوَّض إليه...، ألا إنّه لا غالب له ولا منصور عليه..."(6).

وعليه، فإنّ إحدى النتائج لدولة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف هي الانتصار على جميع مظاهر الباطل في أنحاء العالم كلّه.


1.منتخب الأثر، ص247.
2.سنن أبي داود، ج4، ص87.
3.ينابيع المودة، ج3، ص398 و399 و386 و396، منتخب الأثر، ص236.
4.مسند أحمد، ج1، ص376 و377 و448، صحيح ابن حبّان، ج13، ص284، معجم الإمام المهدي، ج1، ص113، و258، ينابيع المودة، ج3، ص386، الإمامة والتبصرة، ص119، بغية الباعث، ص248، موارد الظمآن، ص464، كنز العمال، ج14، ص263، بحار الأنوار، المجلسي، ج28، ص46، منتخب الأثر، ص236.
5.بحار الأنوار، (م.س)، ج51، ص72.
6.(م.ن)، ج37، ص211 - 213.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع