نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

في رحاب بقية الله: المهديُّون

آية الله الشيخ جوادي آملي

 



"المهديون" جمع مهدي. وأصل "مهدي" يعود إلى "مهدوي" وهو اسم مفعول من "هدى يهدي" وبمعنى المهدي.

* المهديون الإلهيون
إنَّ هداية الآخرين وكون الشيء هادياً، من الكمالات التابعة لله تعالى بالأصالة والاستقلال: ﴿قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ (يونس: 35)، و﴿إِنَّ عَلَيْنَا لَلْهُدَى (الليل: 12). ثم إنَّ الآخرين يهتدون ببركة هدايته: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ*شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ(النحل: 120 121). وقد خاطب الله تعالى الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (الأنعام: 161)، ﴿قُلْ إِن ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي (سبأ: 50)

إذاً، لا يوجد أيّ إنسان، حتى الأنبياء أولو العزم، يستغني عن الهداية الإلهية، وبدونها لا يصل أي شخص إلى مبتغاه. ومن هنا جاء قول النبي إبراهيم عليه السلام: ﴿لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (الأنعام: 77). وأصحاب الجنة يعترفون بالبركة الإلهية أي الهداية التي أوصلتهم إلى مقصودهم ومبتغاهم: ﴿وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ (الأعراف: 43). بناءً على ما تقدم فإن معنى قوله تعالى: ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى (الضحى: 7) أنّ الله تعالى هو الذي هداك وإلا لكنت ضالاً، وهذا المعنى لا إشكال فيه.  والخلاصة: إذا كان لأحد نصيب في هداية الآخرين فهذا أولاً بعد هدايته من قبل الله تعالى، وثانياً أن يكون مأموراً من قبل الله تعالى بهداية الآخرين، فالله تعالى هو مصدر ومنبع الهداية: ﴿فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى (طه: 123). وقبل أن يقوم الأنبياء الإلهيون بهداية الآخرين، فهم مهديّون من قبل الله تعالى؛ فما لم يهتدوا لا يمكنهم الهداية. بناءً على ما تقدَّم فـ "المهدي" هو صفة كافة الأنبياء؛ كما أن المعصوم هو صفة جميع الأئمة عليهم السلام.

* الهداية لازمة الرسالة والإمامة
لقد ترافقت رسالة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله بمسألة الهداية بشكل دائم؛ ﴿أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى (الصف: 9). وحرف "الباء" يفيد تلازم الرسالة والهداية. ويصدق هذا الأمر السامي أيضاً في الإمامة التي هي الخلافة الصحيحة للرسالة؛ وإلا فلن يكون لخلافة الرسول صلى الله عليه وآله نصاب مقبول. والإمام الذي يمتلك أعلى مراتب ملكة العدالة هو بالإضافة إلى ذلك مهدي وهادي الآخرين أيضاً، وهو من أفضل عباد الله تعالى: "فاعلم أن أفضل عباد الله عند الله إمام عدل هُدِيَ وهَدى فأقام سنّة معلومة وأمات بدعة مجهولة"(1)، "... بنا يُستعطى الهدى ويُستجلى العمى" (2). من جهة أخرى، فإن الذين يستفيدون من الأئمة المعصومين عليهم السلام هم أصحاب العقول الذين يستضيئون بنور الهداية وأصحاب الرؤى الذين وجهوا أنظارهم نحو منارة التقوى؛ لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام: "أين العقول المستصحبة بمصابيح الهدى والأبصار اللامحة إلى منار التقوى؟" (3).

* التمهيد للعدالة العامة
كما أن النفس القبيحة الأمّارة بالسوء تقود نحو القبائح، كذلك العقل القدسي الأمّار بالحسنى يقود نحو الجمال. والعقل العادي يحفظ ذاته عن الأهواء ولا يستسلم، ولكن العقل القدسي لا يبتعد عن الأهواء فقط، بل يتولى الإمامة في جميع الشؤون، فيروّض الأهواء ويجعل كل انحراف يتحول ليسير على الصراط المستقيم. وقد جاء حول المهدي الموجود الموعود عجل الله فرجه: "يعطف الهوى على الهدى إذا عطفوا الهدى على الهوى"(4).  وأما فيما يتعلق بتسمية "المهدي"، فقد سئل الإمام الباقر عليه السلام فأجاب: "فإنما سُمّي المهدي لأنه يهدي لأمر خفي يستخرج التوراة وسائر كتب الله من غار انطاكية فيحكم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزبور بالزبور وبين أهل الفرقان بالفرقان وتُجمع إليه أموال الدنيا كلها ما في بطن الأرض وظهرها..." (5). ونقلت رواية مشابهة لها عن الإمام الصادق عليه السلام: "لأنه يهدي إلى كل أمر خفي"(6)، "إنما سُمّي القائم مهدياً لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه"(7). إن مضمون جميع هذه الروايات يشير إلى أن الإمام ولي العصر عجل الله فرجه سيحظى بهداية خاصة من الله تعالى، فلا يخفى عنه شيء. ويستخرج كافة الكتب السماوية على أثر هذه الهداية ويكلم كل أصحاب كتاب بكتابهم، وهكذا شخص سيتمكن من دون شك من هداية العالم، وسيجعل الإسلام ديناً عالمياً ويحقق العدالة المنتظرة.

* الاعتقاد بالمهدوية في التاريخ
وُجد الاعتقاد بظهور المنجي العالمي الذي سيملأ الأرض قسطاً وعدلاً في جميع الأديان الإلهية وحتى المذاهب البشرية، وجُعِل رديفاً للعقائد الفطرية. إلّا أنّ الدين الإسلامي قدّم تفاصيل كثيرة حول ذاك الموعود ووضّح جذور هذا الاعتقاد الفطري. وأكد القرآن الكريم على هذا الأمر متحدثاً عنه تحت عنوان: "خلافة الصالحين" و"وراثة الصالحين": ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ (النور: 55)، ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُون (الأنبياء: 105).ومن هنا دخلت عقيدة المهدوية إلى الفرق الإسلامية المتعددة تحت عنوان المصلح العالمي. وذكر الشارح المعتزلي في شرحه لعبارة "قد لبس للحكمة جنتها... بقية من بقايا حجته، خليفة من خلائف أنبيائه" فقال: "هذا الكلام فسرته كل طائفة على حسب اعتقادهم، فالشيعة الإمامية، تزعم أن المراد به المهدي المنتظر... وليس ببعيد عندي أن يريد به القائم من آل محمد صلى الله عليه وآله".

* مسألة فطرية
وتحدث الأئمة الأطهار عليهم السلام عن أنَّ المصلح الموعود هو من نسلهم. وقدموا بعض المعلومات التي تشير إليه. يقول الإمام الباقر عليه السلام: "ثم أخذ (الله) الميثاق على النبيين فقال: ألست بربكم وأن هذا محمد رسولي وأن هذا عليٌّ أمير المؤمنين؟ قالوا: بلى، فثبتت لهم النبوة وأخذ الميثاق على أولي العزم أنني ربكم ومحمد رسولي وعلي أمير المؤمنين وأوصياؤه من بعده ولاة أمري وخزان علمي وأن المهدي أنتصر به لديني وأُظْهر به دولتي وأنتقم به من أعدائي وأُعبد به طوعاً وكرهاً. قالوا: أقررنا يا رب وشهدنا..."(8).  تدل هذه الرواية والروايات المشابهة على أخذ الميثاق من جميع البشر وعلى أن مسألة المهدوية هي مسألة فطرية عند البشر إلى جانب مسائل التوحيد والرسالة والولاية، وفي مقام الإثبات (لا الثبوت) فإن حصن التوحيد مشروط بالولاية: "... وأنا من شروطها"(9)؛ كما أن تمامية رسالة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله في مقام الإبلاغ، هي تبليغ الولاية: ﴿...وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (المائدة:67). من جهة أخرى فإن ادعاء المهدوية والإصلاح طوال التاريخ البشري والتي لها وجود معين في الأديان والمذاهب المختلفة، هو دليل آخر على وجود هذه العقيدة في الفطرة الإنسانية.


(1) نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، الشريف الرضي، ج 2، الخطبة 164، ص 69.
(2) م. ن، الخطبة 144، ص 27.
(3) م. ن.
(4) م. ن، الخطبة، 138، ص 21.
(5) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 51، ص 29.
(6) م. ن، ص 30.
(7) م. ن.
(8) الكافي، الكليني، ج 2، ص 8.
(9) بحار الأنوار، م. س، ج 3، ص 7.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع