نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

قراء في كتاب: مباني إنتاج الآخر في العقل الإسرائيلي -العربي أنموذجاً-

زينب الطحان

 



صورة العربي في الأدبيات الإسرائيلية تشير إلى أنّ الكيان الصهيوني حاول، وما زال يحاول، رسم صورة مشوّهة للعرب والفلسطينيين وتصويرهم على أنهم جبناء ومغتصبون لحقوق غيرهم، ويصوّر الصهاينة أنفسهم على أنهم أصحاب حق ومضطهدون ومظلومون.  ويعمل الصهاينة على غرس هذه الأفكار في أذهان أطفالهم عن طريق المناهج الدراسية التعليمية المزيفة للحقائق والتي تغذي الأجيال القادمة بالعنف والكراهية تجاه الآخر الفلسطيني العربي والمسلم، ناهيك عن الأعمال الأدبيّة والفنيّة المروّجة للأكاذيب الصهيونية والتي تزرع روح الاستعلاء على الآخرين واحتقارهم، إلى محاولة التأثير في الرأي العام الدولي والمحلي بهدف الحصول على تأييده لمخططاتهم الصهيونية. وما هذه الرؤية سوى انعكاس للمفردات الثقافية في "بنية العقل اليهودي".

* توخي الكتاب المحاذير الإشكالية
هذه الفكرة يبرع الدكتور حسين سلامة بخوضها في كتابه "مباني إنتاج الآخر في العقل الإسرائيلي العربي أنموذجاً" الصادر عن دار المعارف الحكمية، ضمن سلسلة أدبيّات النهوض. وبحث الكتاب عبارة عن محاولة أوّلية، لإنتاج مقاربة نظريّة للعناصر المعرفيّة والثقافيّة والتاريخيّة التي يختزنها العقل اليهودي، وذلك عن طريق محاولة الإمساك بالمسالك التي يأخذ بها. إذ تنطوي عملية البحث في "بنية العقل اليهودي" على مخاطر جمة نظراً للمسافة التاريخية الطويلة التي تفصلنا عن البدايات التكوينية لهذا "العقل"، ونظراً لأن اليهود وعلى مرّ التاريخ قد انتشروا في طول الأرض وعرضها، وهو الأمر الذي جعل مبانيهم المعرفية تتفاعل وتنفعل بالعديد من الثقافات والحضارات التي عايشوها، وهو ما يصعّب الأمر على الباحث. ومع ذلك، فلقد نجح إلى حدّ معتبر في تفسير التّطبيقات الخارجية لما يتمثله ذلك العقل حول ذاته، وحول الآخر، من خلال العمل على توصيف البناء المؤسّساتي للمجتمع والدّولة في إسرائيل، بوصفها النموذج الأعلى والأوحد لما يؤمن به ويتمثله ذلك العقل في فهمه لذاته وللآخر. 

في ضوء هذه المخارج البحثية، حول البنية المعرفية للعقل اليهودي، تمكن الدكتور "سلامة" من تقسيم بحثه إلى ثلاثة فصول مهمّة تناوبت على الوقوف عند مختلف القضايا الإشكالية في هذا البحث المضني، فعرض في الفصل الأول لعدّة مسائل تعد أساساً في الدراسة النظرية، ومنها عقدة الاضطهاد الأبدي عند اليهودي، ومرجعية الديني واللاديني. وفي الفصل الثاني (الخلفية التاريخية للعقلية اليهودية) توقف عند المصطلحات، مثل: العبريون، وبنو إسرائيل واليهود والصهيونية. وفي التاريخ العام لليهود تعرض إلى مختلف الحقب التاريخية (من الانقسام والتشتت إلى الدولة) وتحدث عن تاريخ اليهود في بلاد العرب، أما في الفصل الثالث والأخير، والذي حمل عنوان "الاجتماع السّياسي لدولة إسرائيل"، درس شكل الدولة والحكم السّياسي في "إسرائيل"، وتحدّث عن الأحزاب السياسية، وعن التّركيب المجتمعي في "إسرائيل".

* أهم المآخذ على الكتاب
إن المقاربة المنهجيّة الدقيقة لما يعرف بـ "الشخصيّة اليهودية" هي أوسع وأعمق من أن يتمّ تناولها في محاولة بحثية واحدة، ومن جهة أحادية فقط. فقد وضع الباحث مجمل عمليته التحليلية في إطار واحد من البحث مكتفياً بدراسة المسارات التاريخية التي سلكتها المجموعات اليهودية، والإرهاصات الفكرية الثقافية التي خضعت لها، والتحولات الاجتماعية التي عاشتها، والتنوعات السياسية التي عايشتها، كل ذلك ليبرز لنا كيف تشكلت صورة العربي الفلسطيني في نظر هذا اليهودي، فكنَّا نراها صورة واحدة في كل المراحل، أضف إلى ذلك أنّه لم يظهر لنا نماذج من الأحداث التاريخية التي تمظهرت فيها هذه الصورة على اختلاف مستوياتها، رغم أن التاريخ يساعده على ذلك، خصوصاً المعاصر منه. ولكن للإنصاف نقول إن التناول الأحادي، ومن جهة واحدة، ليس بالأمر المعيب، إذ إنه يفتح الطريق أمام تناولاتٍ أكثر عمقاً واتساعاً، وهذا ما توخّاه الكاتب فعلاً في ختام بحثه القيّم.

* الذات المتفوّقة والمتقدّمة على الأغيار
في النص الديني اليهودي، الذي تميّز بقوة الحضور، وبالقدرة على التأثير في التصورات التي كوّنها اليهودي عن ذاته، يتبين أن لليهودي صورة متفوقة ومتميزة ومصطفاة من قبل الرب "إِلَهِهَا" ومتقدمة على الآخر من الأغيار. معالم الاستعلاء في هذه الذات تفترض استعباد الآخرين وتسخيرهم لخدمة تلك "الذات"، وميلها نحو الرغبة الجامحة بالقتل والانتقام، انطلاقاً من عدم قبولها بوجود المقدس خارج إطار دينها ما جعلها غير قابلة لتقديس الحياة الإنسانية اعتقاداً منها بعدم وجودها أصلاً في "الآخر". أما في الأدب العبري المعاصر فقد تبلورت صورة الآخر إذ نظرت إليه من زاوية الأنا المتفرّدة وتفوّقها. وكان الأدباء الإسرائيليون يرسمون ذواتهم التي لم تنفك مربوطة بمقولات الماضي اليهودي المتمركز حول محور الانتقائية والاستعلاء والمنسحبة إلى الحاضر على شكل صدامات لا تنتهي مع الآخر.

الخلفية التاريخية للعقلية اليهودية
في هذا الجانب قدم الباحث شرحاً وتوضيحاً لمجموعة من المصطلحات المرتبطة باليهود من الناحيتين السياسية والاجتماعية بهدف تبيان الفوارق المنعكسة في البناء السياسي والثقافي للمجتمع المتشكّل في الدولة العبرية على أرض فلسطين.. ثم كان عرضٌ للسياق التّاريخي العام الذي عاشه "الشعب اليهودي" منذ بدايات تشكّله السّياسي والاجتماعي مع خروج النّبي موسى عليه السلام من مصر، مروراً بالحقَب التاريخية التي توالت على هذه المجموعة البشرية لفترة تزيد عن الثلاثة آلاف سنة، وصولاً إلى زمن مجيئها إلى أرض فلسطين وقيام ما يعرف بـ"دولة إسرائيل". ومن أهمّ النتائج الممكن تقريرها في ختام العرض التاريخي الذي قدمه الباحث في هذا الفصل هو أنّ الصورة التي يحملها اليهود، الّذين شكّلوا الطلائع البانية للدولة العبرية، عن العرب، إنّما تشكّلت وتبلورت في أكناف البيئة الثقافية والفكرية التي أنتجتها أوروبا في العصر الحديث، خصوصاً الغربية منها، الأمر الذي يحتم ضرورة أن تكون تلك الصورة نسخة عمّا يقدّمه الغرب من صور عن العرب خصوصاً والمسلمين عموماً.

* الاجتماع السياسي لـ "دولة إسرائيل"
إنّ الاجتماع السياسي لما يسمى بـ "دولة إسرائيل" يعدّ نموذجاً فريداً ومميزاً في العصر الحديث، سواء لجهة الطرق والآليات التي استخدمت لاجتماعه أم لجهة المباني الأيديولوجية التي تمّ التّنظير لها في سبيل قيام الدولة. ويمكن لحظ عناصر الفرادة في عدد من النواحي: الأوّل أنّ رأس الدولة، رئيسها، هو مجرد موقع رمزي لا يملك أي صلاحيات، والثاني أن التمايز بين المجموعات السياسية، غير الدينية، لا يستند إلى فروقات إيديولوجية عميقة، إذ إن أغلب تلك المجموعات هي صهيونية المبدأ والاتجاه، وثالثاً يتميز المجتمع اليهودي في الكيان الإسرائيلي بكونه عبارة عن فسيفساء أممية اجتمعت فيها عدة أقوام من شتى أصقاع العالم، وكل منهم يعتز بأصله، ولا يربط بينهم سوى نظرتهم إلى أنفسهم على أنهم جميعاً ينتسبون إلى دين وقوميّة واحدة هي اليهودية. ولكن الطّابع الذي يسم المجتمع "الإسرائيلي" بمستوييه الاجتماعي والسياسي، هو طابع الصّراعات الدّائمة والمتعدّدة والمتوالية، فهناك الصراع الديني العلماني والصراع العربي اليهودي. على أنّ عناصر التّمايز هذه والخاصة بالدولة العبرية لا تمنحها الخصوصية في التّأصيلات النّظرية للاجتماع السياسي المنطبق على نشوء وتركيب الدولة، بل يأخذها في الاتجاه الآخر حيث الغرابة والكثير من علامات التعجب، ذلك أنّ ما يسمّى بدولة "إسرائيل" هي من الدول الأكثر شذوذاً بين دول العالم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع