نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

مناسبة: لقد أحيانا الإمام الخمينيّ قدس سره

لقاء مع سماحة السيّد عيسى الطباطبائيّ

 

حوار: السيّد محمد السيّد موسى

4 حزيران ذكرى رحيل الإمام الخميني قدس سره


هو الإمام الخمينيّ قدس سره ، مفجّر الثورة الإسلاميّة، ومحقّق حلم الأنبياء، وأمل المستضعفين والمحرومين في العالم.. يعرّفنا سماحة السيّد عيسى الطباطبائيّ الذي انتدبه الإمام الخميني قدس سره إلى لبنان، في هذه المقابلة عن بعض مواقف الإمام قدس سره الحيّة، ومشاهد ومحطّات قيّمة من حياته، لتبقى منارةً، ونهجاً، ودرساً للأجيال كلّها على مرّ العصور والأزمان.

•ترحّب مجلّة بقيّة الله بسماحة السيّد، وحبّذا لو حدّثتم القارئ في البداية عن المناسبة التي تعرّفتم بالإمام الخمينيّ قدس سره من خلالها، أين، وكيف؟
كان أوّل لقاء بالإمام قدس سره في بغداد، بعد عودته من تركيا. فالإمام أُسر، واعتقل في السجن، ثمّ سافر إلى تركيا، حيث بقي هناك سنتين تقريباً، إلى أن قرّر الشاه إرساله إلى النجف الأشرف لمحاصرته بين المراجع؛ لأنّ أجواء النجف كانت بعيدةً عن السياسة، وظنّاً منه أنّ الإمامَ لا يمكنه الخوض في السياسة بين المراجع الكبار، وبالتالي لن يستطيع طرح أفكاره بينهم، حيث كان المراجع بشكلٍ عامٍّ يعارِضون السياسة ولا يتدخّلون فيها.

وعندما قدم الإمام قدس سره إلى مطار بغداد، كنّا طَلَبَة في مدرسة السيّد البروجرديّ الكبير، فذهبنا لاستقباله، وتوجّهنا معه لزيارة الإمامين الجوادَين عليهما السلام، ثمّ رافقناه إلى سامراء، ومنها إلى كربلاء، فالنجف الأشرف، حيث استقرّ قدس سره هناك. اجتمعنا مع الإمام قدس سره في مدرسة السيّد البروجرديّ، وطلبنا منه أن يكون إمامَ صلاة العشاءَين في المدرسة، فتمّ ذلك، ثمّ اجتمع العلماء وطلبوا منه أن يصلّي الظهرَين في مسجد الشيخ الأنصاريّ، وهكذا صارت المدرسة معقلَ الثوّار والسياسيّين.

•حدِّثونا عن الإمام: عن شخصه، عن قوّته وصلابته، وعلمه، وسرّ التفاف الناس حولَه...
في الحقيقة، الإمام فريدُ دهره ووحيدُ عصره. فقد ادّخره الله سبحانه وتعالى لإحياء أمر هذا الدين، وأبى الله إلّا أن يتمّ أمرَ الثورة الإسلاميّة المباركة على يديه؛ تمهيداً لدولة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف.

كان عمري نحو 15 سنة عندما بدأتُ دراستي الدينية، ومذاك سمعتُ بنظام الطاغوت، وأنّه يدعم النظام الأمريكيّ، ويقتل كلَّ من يعارض النظام، فتكوّنت عندي فكرةُ المعارضة لنظام الطاغوت. وخلال سنتين انتقلتُ إلى قم. وذات يوم، سمعتُ أنّ الشاه أتى لزيارة السيّد البروجرديّ، والبروتوكول حينها كان يقتضي بأن يحشدَ السيّد العلماء لاستقبال الشاه، وكان السيّد الإمام قدس سره من الحاضرين، ولم يكن قد أعلَن مرجعيّته بعدُ؛ لأنّ المرجعيّة كانت وقتها للسيّد البروجرديّ. في تلك الزيارة سمعنا أنّ الحاضرين كلّهم قد قاموا للشاه احتراماً له، إلّا الإمام الخمينيّ قدس سره لم يقم. كان هذا حدثاً لا يُنسى في سيرة الإمام قدس سره .

بعد استقرار الإمام قدس سره في النجف، بدأ بالتدريس، وكان العلماء والمجتهدون يحضرون درسه. فقد جاء الإمام قدس سره بنمط، وفكر، وأسلوب جديد في التدريس، وكثير ممّن حضر درسه قال: "الآن، أصبح لدرس الخارج لذّة جديدة وطعم خاصّ". والنجف الذي أراد الطاغوتُ أن يكون معقلاً للعلماء القاعدين أصبح معقلاً للعلماء المجاهدين. ونحن بدورنا كنّا ندوّن كلمات الإمام قدس سره ، ومقالاته، وكتبه، وننشرها في موسم الحجّ وفي زياراتنا المختلفة إلى المراقد المقدَّسة في العراق وسوريا.

أمّا السرّ في التفاف الناس حوله، فلأنّ الإمام الخمينيّ قدس سره قام لإحياء الحقّ والدين. وعندما رأى الناس قيامَ الإمام على الطاغوت إحياءً لدين الله وإعلاءً لكلمة الحقّ، التفّوا حوله وأيّدوه؛ لأنّهم رأوا مدى إخلاصه، وصدقه، ووفائه، وشجاعته فوجدوه منقذاً لهم من براثن الشاه والطاغوت.

•متى أتيتم إلى لبنان؟ وما الدور الذي لعبتموه والإمام قدس سره على صعيد تنفيذ مشاريع إنمائيّة وثقافيّة فيه؟
في العام 1967م، أتيتُ في زيارة إلى لبنان، وتعرّفتُ على السيّد موسى الصدر، وبقيتُ سنتين معه، حيث كنتُ أدرس عنده، وأجوب مناطق وأماكن المستضعَفين في جنوب لبنان. وفي هذه الفترة، تعرّفتُ على حقيقة الإمام قدس سره أكثر وأكثر، خاصةً بعد ما رأيتُ ما يحمله الفلسطينيّون في المخيّمات من آمال بثّتها فيهم كلمات الإمام الخمينيّ التي كانت قد وصلتهم. وفي العام 1968م، رجعت إلى النجف الأشرف، إلى أن صدر بحقّي حكمٌ بالإعدام من قِبَلِ صدّام، فعدتُ إلى لبنان، واستقررتُ فيه من سنة 1970م إلى يومنا هذا. وعندما سافر الإمام قدس سره إلى باريس، سافرتُ إلى هناك، وعندما رجع إلى إيران رجعتُ معه. وفي العام 1979م عند انتصار الثورة، شرّفني الإمام بأن اختارني وكيلاً له في لبنان.

وبعد انتصار الثورة واستقرار الوضع في إيران، طلبت من الإمام أن يرسل وفداً إلى لبنان يطمئنهم عن أوضاعنا، ويبشّرهم بأنّنا سنهتمّ بأوضاع لبنان، وندعمه اقتصاديّاً وسياسيّاً، فسُرَّ الإمام بهذه الفكرة، وكلّف ثلاثة أشخاص من مجلس قيادة الثورة (من بينهم أنا) أن يذهبوا إلى لبنان، ويشكروا اللبنانيّين على وقوفهم إلى جانب الثورة.

جئنا إلى لبنان، وبدأنا العمل على مختلف الصعد، فأنشأنا تجمّعاً للعلماء المسلمين، كما أسّسنا مؤسّسات عدّة، مثل تلفزيون المنار، و27 مركزاً ثقافيّاً باسم الإمام الخمينيّ قدس سره . ومستشفيات مثل مستشفى الرسول الأعظم، ومستشفى الإمام في بعلبك، وآخرها مستشفى الشيخ راغب في الجنوب، وغيرها من المراكز الصحيّة، والحوزات العلميّة، مثل الحوزة في بعلبك تأسّست بجهود سماحة الشهيد عبّاس الموسوي، ثم ّحوزة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في بيروت، ومن بعدها جامعة المعارف في بيروت وبعلبك. وأكثر من 60 بئراً ارتوازيّة و60 مسجداً.

•ما هو تأثير الثورة الإسلاميّة في نفوس الناس في لبنان: في تديّنهم والتزامهم، وفي جهادهم ضدّ "العدوّ الإسرائيليّ"؟
كان السيّد موسى الصدر يتألمّ من حالة الشيعة المزرية في لبنان، حيث لم تكن الإمكانات والظروف تساعده في بناء مدرسة لأبناء طائفته.وبعد أن تشكّل المجلسَ الإسلامي الشيعيّ الأعلى قد تشكّل، أتَى الإيرانيّون إلى لبنان للدعم، وهذا الدعم صنع فارقاً شاسعاً بين الماضي والحاضر، فالشعب الذي كان محروماً من التعليم، والطبابة، والخدمات، أصبح وضعه مختلفاً تماماً، حيث صار الشيعة رقماً صعباً، يغيّر المعادلات، سواء إقليميّاً أو على صعيد المنطقة، وكذلك على صعيد التديّن ثمّة فرقٌ شاسع.

أمّا على صعيد الجهاد ضدّ "العدوّ الإسرائيليّ"، فعندما دخل "هذا العدوّ" إلى بيروت، وارتكب المجازر، وخاصّة مجزرَتي صبرا وشاتيلا، بدأ عصر المقاومة في ذلك الوقت بأمر من الإمام الخمينيّ قدس سره . في ذلك الوقت وأثير سؤال حول حكم العمليّات الاستشهاديّة، عندها سافرتُ إلى إيران، سألتُ الإمام قدس سره عمّا إذا كانت العمليّات الاستشهاديّة ضدّ "العدوّ الإسرائيليّ" جائزة أم لا، فقال ثلاث مرّات: "بالتأكيد هي جائزة". فرجعتُ إلى لبنان، وأخبرتُ الإخوة بالأمر، وبدأنا التحضير للعمليّات الاستشهاديّة وقتال "العدوّ الإسرائيليّ".

•ما هي القيم والمرتكزات التي قامت عليها الثورة؟ وكيف يمكن أن نحافظ عليها في هذا الوقت؟
قِيَمُنا هي قرآنُنا وعترةُ نبيِّنا، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّي تارك فيكم الثقلين: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً". فرسول الله يقول: مِن أجل عزّتكم، وكرامتكم، وشرفكم، تمسّكوا بالقرآن والعترة، وبهما لن تضلوا أبداً.

فالثورة الإسلاميّة جعلت من القرآن الكريم وعترة النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم سراجاً يضيء طريقها؛ ولذلك انتصرت واستمرّت. وأنتم في لبنان، حينما تمسّكتم بهذه المبادئ، مكّنكم الله في الأرض، وأصبحتم بنعمة المقاومة وشهدائها، وجرحاها، وقيادتها الحكيمة، قوّةً تغيّر المعادلات في المنطقة والعالم.

•كيف لك أن تعرّف الإمام قدس سره لهذا الجيل الذي لم يعاصره؟
تعريف الإمام اليوم هو من خلال تعريف سماحة الإمام القائد الخامنئيّ؛ لأنّ سماحة الإمام القائد يركّز دائماً على مرتكزات خطّ الإمام قدس سره . صحيحٌ أنّه مجتهد، وحكيم، وقائد، ولكنّه لا ينسى أقوال الإمام قدس سره وتجاربه، فهو معلّمه ومرشده. والسيّد القائد الخامنئي دام ظله هو عبارة عن مجموعة تجارب شخصيّة وعمليّة كبيرة، والله منّ عليه وأعزّه.

والآن، كلّما تمسّكنا بخطّ القيادة المتمثّلة بسماحة آية الله العظمى الخامنئيّ دام ظله، كلّما تمسّكنا بخطّ الإمام الخمينيّ قدس سره ، فهما نورٌ واحد ونهجٌ واحد.

•حبّذا لو تزوّدوا الشباب ببعض النصائح الروحيّة، كتلك التي كان ينصح بها الإمام قدس سره ؟
الإمام كان يركّز على التمسّك بالقرآن، والأدعية، والعترة، والحفاظ على الوطن، فمن مات دون عياله أو ماله أو عرضه أو شسع نعله، مات شهيداً.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع