نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

صفات عباد الرحمن (7) تابوا، آمنوا وعملوا

آية الله الشيخ محمد تقي المصباح اليزدي

 



﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًاً*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا*إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا*وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (الفرقان: 68 71). أشرنا فيما تقدم إلى أن الآيات التي تحدثت حول صفات عباد الرحمن، ذكرت بداية مجموعة من الصفات الإيجابية والفضائل المتعلقة بهم ثم ذكرت بعض الصفات السلبية التي يجتنبها عباد الرحمن وبعض المعاصي التي يتركونها "الشرك بالله" الذي ذكرته بداية لأنه من أكبر الذنوب ثم عطفت عليه اثنين آخرين أي: "قتل النفس" و"الزنا".

* العذاب الروحي والجسمي للمشركين
جاء في الآيتين 68-69 قوله تعالى: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. فبما أن عباد الرحمن يجتنبون الذنوب الكبيرة فقد ذكر الله تعالى عدة جمل معترضة تتمحور حول أهمية هذه المعاصي وحول التائبين والتوبة، مع العلم أن سياق الآيات يتحدث حول صفات عباد الرحمن والأعمال التي يقومون بها والتي يجتنبونها. ولكن عندما يطلب اجتناب هذه الموبقات، يقول في آية معترضة: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً؛ باعتبار أن هذه الأمور هي ذنوب كبيرة ولها عواقب وخيمة. والعاقبة الوخيمة هي أن ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ و﴿وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً حيث تشير كلمة مهاناً إلى بقائه في العذاب ذليلاً حقيراً. يؤكد بعض المفسرين على أن الآية ومن خلال العبارات التي جاءت فيها تريد الإشارة إلى أن هؤلاء الأشخاص يتحملون عذاباً روحياً وعذاباً جسمانياً. وقد تكون الإهانة عند بعض الأشخاص أصحاب المواقع أكبر من أي عذاب آخر.

* مصير مرتكب الكبيرة
يعتقد بعضهم أن ارتكاب كل كبيرة يؤدي إلى الخلود في العذاب، بل يؤدي إلى الخروج عن الإيمان. والحقيقة أن هذه العقيدة خاطئة ولا تقبلها الفرق الإسلامية بالأخص الشيعة إذ يعتقدون وبالاستفادة من آيات القرآن الكريم وروايات أهل البيت عليهم السلام بأن العفو يحصل عند عدم تكرار الذنوب الصغيرة وعند التوبة من الذنوب الكبيرة. وتشمل الشفاعة الشخص إذا لم يتب ولكنه حافظ على إيمانه إلا أن عليه أن يتحمل عذاب عالم البرزخ ومشقات مشهد القيامة. ونقل الفريقان عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أنه قال: "ادخرت شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" (1).

بناءً على ما تقدم يُغفر الذنب الصغير بتركه. جاء في القرآن الكريم: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْـمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ (النجم: 32). والمقصود من "اللّمم" الذنوب الصغيرة. وأما مرتكب الكبيرة فتشمله الشفاعة في شروط خاصة من جملتها أن يخرج من الدنيا محافظاً على إيمانه وولاية أهل البيت عليهم السلام. أما مدة عذاب البرزخ فغير محددة ولكن في النهاية لا بد أن تشمله شفاعة الرسول صلى الله عليه وآله يوم القيامة. إذاً, الخلود في جهنم غير ثابت لمرتكب الكبيرة. والخلود في جهنم من وجهة نظرنا مختص بالكفار الذين كان العناد سبب كفرهم، هؤلاء الذين تمت الحجة عليهم ولم يؤمنوا. يقول الله تعالى: ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً*يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً.

* شروط العفو عن مرتكب الكبيرة
استثنى الله تعالى بعض المذنبين من العذاب الخالد:

﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُوراً رَّحِيماً (الفرقان: 70). وتطرح حول هذه الآية الشريفة أسئلة تفسيرية كثيرة. هل يشمل العفو الذين يتوبون من الذنوب حتى لو كان الذنب هو الشرك؟ يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ (النساء: 48). هذا إذا كان الشرك باقياً إلى حين الوفاة. وتغفر الذنوب إذا تاب من الشرك وأصبح مؤمناً. وتوجب هذه المعاصي العذاب الأليم، والعذاب الأبدي إلا التائب. ثم تقول الآية الشريفة: ﴿إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً حيث طرحت ثلاثة شروط: الأول التوبة، الثاني الإيمان، والثالث الاتيان بالعمل الصالح.

* المقصود من التوبة
لعل المقصود من "تاب" أن الشخص ندم على ما عمل وترك هذا العمل، لأن للتوبة مراتب ولوازم. جاء في الرواية: "كفى بالندم توبة" (2). نعم ذكرت بعض الموارد التي تكون التوبة فيها صعبة فلا تحصل بسهولة. قال أمير المؤمنين عليه السلام لقائل قال بحضرته أستغفر الله: ثكلتك أمك أتدري ما الاستغفار؟ الاستغفار درجة العليين. وهو اسم واقع على ستة معان: أولها الندم على ما مضى، والثاني العزم على ترك العود إليه أبداً، والثالث أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم، والرابع أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها، والخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه، والسادس أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول أستغفر الله (3). المفهوم من عبارة "إلا من تاب" مجرد الندم وترك المعصية. أما المعاصي الكبيرة التي يأتي بها الإنسان عمداً وعن سابق إصرار وإرادة، فإنها تؤدي إلى ضعف روح إيمانه أو تخرجه من الإيمان أساساً كما تشير بعض الروايات. وهناك العديد من الروايات التي تبيّن أن روح الإيمان تسلب من الشخص المؤمن عند اقترابه من المعصية والاتيان بها (4). وهذا يعني أن الإنسان يقترب من الكفر عند المعصية أكثر من اقترابه من الإيمان.

* ضرورة تجديد روح الإيمان عند التائب
بناءً على ما تقدم تتهيأ الأرضية لعودة الإيمان بعد التوبة ـأي الندم وترك المعصية والعزم على عدم الإتيان بها. ومن هنا جاء في الآية الشريفة: "تاب وآمن"، ويكون هذا الإيمان شبيهاً بأمر المؤمنين بالإيمان حيث يقول تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ (النساء: 136) فيكون الإيمان الثاني أكمل من الأول. الإيمان الأول كان إيماناً ضعيفاً لا فائدة منه، أصبح ضعيفاً على أثر المعصية، لا بل إذا استمر الإنسان بالإتيان بالكبائر يستمر الإيمان بالضعف فيصل الإنسان إلى مرحلة الكفر ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ (الروم: 10) فإن الاستمرار بالذنوب الكبيرة يؤدي إلى تكذيب الآيات وتكذيب الأنبياء ومخالفتهم ويؤدي في النهاية إلى الكفر. ولكن عند الندم تتهيّأ الظروف للإيمان. وهذا يعني عودة الإيمان بعد التوبة والندم والعزم على ترك المعصية. ومن هنا كانت مسألة الإتيان بالإيمان بعد التوبة.

* بين الإيمان والعمل
قد يتصور الإنسان أنه مؤمن ولكن الواقع قد يكون غير ذلك، فالإيمان شيء يظهر أثره في العمل. والإيمان الذي لا أثر له هو إيمان كاذب، ولا يمكن أن نطلق عليه إيماناً إلا إذا كان مقروناً بالعمل. الشخص الذي يؤمن آخر عمره ولا يدرك أنه في نهاية حياته ويقرر الإتيان بالطاعات وتدارك ما فات من أعمال، ولكن الوقت لا يسمح له، هذا الشخص يكون إيمانه مؤثراً وسبباً لنجاته. وإذا حصل الإيمان وكان بوسع الشخص الإتيان بالأعمال المطلوبة إلا أنه لم يبادر إليها، فإن إيمانه لن يكون سوى لقلقة لسان. إن حقيقة الإيمان هي حالة تتطلب الالتزام بالعمل. نحن نؤمن بأنّ لدينا صحيفة أعمال تكتب فيها أعمالنا السيئة والحسنة. فقد تكتب للإنسان نقاط سوداء مظلمة ثم تمحى نتيجة التوبة الصادقة.

* الرجوع إلى الله سبب السعادة
أشرنا سابقاً إلى أن القرآن الكريم يستخدم أسلوبي "الإنذار" و"التبشير" في منهجه التربوي والتعليمي، فنراه يحذر الناس من العواقب الوخيمة للأعمال السيئة ومن جهة ثانية يبشرهم بالنتائج المترتبة على الأعمال الحسنة. الآية الأولى فيها إنذار: ﴿يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً ويأتي التبشير بشرط التوبة والعمل الصالح. تتعلق التوبة بالأعمال التي مضى ذكرها ﴿وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً. ولكن يطرح السؤال التالي: هل هذه النتائج تترتب على التوبة التي تأتي بعد ارتكاب الكبيرة أم أنها تترتب على كل توبة؟ يقول الله تعالى مقدماً قاعدة عامة: ﴿وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً. والسعادة في أن يرجع الإنسان إلى الله تعالى، لا بل ينبغي أن يفرح الإنسان بعودته إلى الله. جاء في بعض الأحاديث القدسية ما معناه أن الله تعالى ينتظر توبة عبده المؤمن المبتلى بالمعصية (5) وهو يريد له العودة إليه.


(1) بحار الأنوار، العلّامة المجلسي، ج 8، ص 30.
(2) الكافي، الشيخ الكليني، ج 2، ص 446، ح 1.
(3) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، ج 20، ب 425، ص 56.
(4) من لا يحضره الفقيه، الشيخ الصدوق، ج 4، ص 22.
(5) المراقبات في أعمال السنة، الميرزا جواد آقا ملكي البريزي، ص 6.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع