نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

فقه الولي: أحكام التقليد

الشيخ علي حجازي

 



المعروف والمعتاد بين الناس أن يرجع الجاهل منهم إلى العالم. والإنسان المؤمن المكلّف مسؤول أمام الله -تبارك وتعالى- أن يلتزم أحكام الشريعة الإسلامية المقدّسة، فإذا كان عالماً مجتهداً فهو يعمل بما يقتضيه علمه، وبما يستنبطه ويستخرجه من الأحكام الشرعيّة. وأمّا إذا كان جاهلاً بأحكام الشريعة الإسلامية المطهّرة فلا بدّ وأن يرجع إلى المجتهد العالم بأحكام الشريعة ليقلّده في الأحكام التي استنبطها. والتقليد مسألة اجتهاديّة عقليّة، بمعنى أنّ العقل يحكم برجوع الجاهل بأحكام الشريعة إلى العالم المجتهد. ولا بدّ من توفّر شروط معيّنة في المجتهد، نستعرضها مع قسم من مسائل التقليد في هذه المقالة.

1ـ تعريف المكلّف:
المكلّف هو البالغ العاقل القادر. ويتحقّق البلوغ في الذكر بإحدى علامات ثلاث، متى ما تحقّقت إحدى العلامات يصير الإنسان بالغاً، وهي:
الأولى: نبات الشعر الخشن على العانة.
الثانية: خروج المنيّ.
الثالثة: إكمال خمس عشرة سنة قمريّة.
ويتحقّق البلوغ للأنثى بإكمالها تسع سنين قمريّة.

2ـ تعريف التقليد:
التقليد هو العمل اعتماداً على فتوى فقيه معيّن، وذلك بأن يأتي المكلّف بأعماله من العبادات والمعاملات طبقاً لفتاويه. وأمّا التعلّم فهو طريق إلى التقليد، وليس هو التقليد، بل التقليد هو العمل طبقاً لآراء المجتهد المعيّن.

3ـ وجوب التقليد:
يجب على كلّ مكلّف لم يصل إلى مرتبة الاجتهاد أن يكون مقلِّداً أو محتاطاً في جميع أعماله، من عبادات ومعاملات حتّى في المستحبّات والمكروهات والمباحات. ولا يجب التقليد أو الاحتياط في المسائل التي يكون فيها الحكم بديهيّاً، كأصل وجوب الصلاة، وحرمة شرب الخمر، واستحباب زيارة المرضى.

4ـ تعريف الاحتياط:
المقصود من الاحتياط في الموارد التي يجب فيها الاحتياط: هو مراعاة كلّ الاحتمالات الفقهيّة للمسألة، بمعنى الاتيان بعمل جامع لجميع ما يحتمل دخله في صحّة العمل في الواقع، بنحو يطمئنّ المحتاط معه بأنّه قد عمل بوظيفته الواقعيّة المطلوبة منه.

5ـ صعوبة الاحتياط:
إنّ العمل بالاحتياط موقوف على أمرين:
الأوّل: معرفة موارده.
الثاني: العلم بكيفيّة الاحتياط.
ولا يعــرف موارده وكيفيّته إلّا القليل، بالإضافة إلى أنّ العمل به يحتاج غالباً إلى صرف الأزيد، فالأولى والأفضل تقليد المجتهد الجامع للشروط.

6ـ شروط مرجع التقليد:
يشترط في مرجع التقليد تسعة أمور:
الأوّل: البلوغ.
الثاني: العقل.
الثالث: الذكورة.
الرابع: أن لا يكون متولّداً من الزنا.
الخامس: الإيمان، بمعنى أن يكون اثني عشريّاً.
السادس: الحياة، فلا يجوز تقليد الميّت ابتداءً على الأحوط وجوباً.
السابع: الاجتهاد. وهو في اللغة: بذل واستفراغ الوسع في تحقيق أمرٍ من الأمور مستلزم للكلفة والمشقّة. وهو في الاصطلاح الفقهيّ: بذل الوسع واستفراغ الجهد لاستنباط الأحكام الشرعيّة من المدارك المقرّرة في علم الفقه.

الثامن: العدالة. وهي عبارة عن حالة نفسية باعثة على ملازمة التقوى المانعة من ترك الواجبات أو فعل المحرمات الشرعية. ونظراً إلى حسّاسيّة وأهمّيّة منصب المرجعيّة يشترط على الأحوط وجوباً بالإضافة إلى العدالة في مرجع التقليد التسلّط على النفس الطاغية، وعدم الحرص والانكباب على الدنيا، فلا يكون حريصاً على تحصيلها جاهاً ومالاً. وفي الحديث عن الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام أنّه قال: "من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلّدوه" (1).

التاسع: تقليد الأعلم.
أي أن يكون المرجع في التقليد هو الأعلم من بقيّة المجتهدين على الأحوط وجوباً، فمع الإمكان يجب تقليد الأعلم على الأحوط وجوباً إذا كانت فتاويه مخالفة لفتاوى باقي المجتهدين. ولا يجوز تقليد غير الأعلم إذا أفتى بجواز تقليد غير الأعلم، فلا بدّ في هذه المسألة من الرجوع إلى الأعلم على الأحوط وجوباً.

7ـ تعريف الأعلم:
الأعلم هو من يكون أقدر من بقيّة المجتهدين على معرفة حكم الله تعالى، وأقدر على استنباط التكاليف الإلهية من أدلّتها، ويكون أقدر على معرفة أوضاع زمانه، بالمقدار الذي له مدخليّة في تشخيص موضوعات الأحكام الشرعيّة، وإبداء الرأي الفقهي المقتضي لتبيين التكاليف الشرعيّة، التي لها دخل في الاجتهاد أيضاً.

8ـ العادل:
العادل هو من بلغ درجة من التقوى تمنعه من ارتكاب الحرام عمداً.

9ـ زوال العدالة:
تزول صفة العدالة بارتكاب إحدى الكبائر، أو الإصرار على بعض الصغائر، وتزول بارتكاب الصغائر دون إصرار على الأحوط وجوباً.

10ـ طرق ثبوت العدالة:
تثبت عدالة المفتي وكذلك القاضي بأحد الطرق التالية:
الأوّل: أن يعيش المكلّف قريباً منه، بحيث يعلم أو يطمئنّ بأنّ المرجع عادل، وهذا الطريق يتمّ بواسطة المكلّف نفسه، من خلال معاشرته للمفتي.
الثاني: شهادة عدلين.
الثالث: الوثوق والاطمئنان من أي وجه حصل ولو من جهة الاقتداء به من قبل جماعة من أهل الصلاح.
الرابع: حسن الظاهر، بأن يكون ظاهر المفتي حسناً، وأن يواظب على الشرعيّات والطاعات، وحضور الجماعات مع الإمكان، ونحو ذلك وهذا الطريق هو أيسر الطرق، حيث إنّه يكون حجّة حتّى لو لم يفد العلم أو الظنّ.

11ـ طرق ثبوت الاجتهاد والأعلميّة:
تثبت الأعلميّة والاجتهاد بأحد الطرق التالية:
الأوّل: الاختبار، بشرط أن يكون المكلّف من أهل الخبرة والفضل والعلم، فإذا كان كذلك يمكنه أن يختبر المرجع بنفسه ليتأكّد أو يطمئنّ باجتهاده أو أعلميّته.
الثاني: الشياع المفيد للعلم أو الاطمئنان.
الثالث: شهادة عدلين من أهل الخبرة.

12ـ البقاء على تقليد الميّت:
إذا مات مرجع التقليد: فلا يجوز للمكلّف البقاء على تقليد الميّت بدون الرجوع إلى الحيّ، والأحوط وجوباً الرجوع إلى الأعلم من الأحياء. ومن كان يقلّد مرجعاً فمات، ثمّ قلّد الإمام الخامنئي "دام ظله" فهو مخيّر بين أمور ثلاثة:

الأوّل: البقاء على تقليد الميّت إلا إذا كان الحي هو الأعلم فالأحوط وجوباً العدول.
الثاني: العدول إلى الحيّ حتّى لو كان الميّت هو الأعلم. والأحوط استحباباً البقاء على تقليد الميّت إذا كان أعلم من الحيّ.
الثالث: التبعيض، بأن يأخذ بعض المسائل من الميّت، وبعضها الآخر من الحيّ، إلا إذا كان الحي هو الأعلم فيجب العدول إليه على الأحوط وجوباً. وكلّ مسألة تمّ تقليد الحيّ فيها لا يجوز الرجوع فيها إلى الميّت.

13ـ اختلاف الميّت والحيّ في الفتوى:
إذا عمل المقلّد عملاً على طبق فتوى من يقلّده، فمات ذلك المجتهد، فقلّد المجتهد الحيّ، وكان يفتي ببطلان ذلك العمل، يجوز للمكلَّف المقلِّد أن يبني على صحّة الأعمال السابقة، ولا يجب عليه إعادتها. وأمّا الأعمال المستقبليّة اللاحقة فيجب أن تكون بمقتضى فتوى المجتهد الثاني.

14ـ طرق معرفة الفتوى:
يتحقّق أخذ المسائل الشرعيّة من المجتهد بإحدى وسائل ثلاث:
الأولى: السماع من المجتهد مباشرة.
الثانية: يكفي نقل شخص واحد عن المجتهد، إذا كان الناقل ثقة يطمئنّ بقوله، سواء أكان عادلاً أم لا.
الثالثة: الرجوع إلى رسالته إذا كانت مأمونة من الغلط.

15ـ التصدّي للمرجعيّة:
لا يشترط في صحّة التقليد أن يكون المجتهد الجامع للشروط متصدّياً للمرجعيّة، فيجوز تقليده حتّى مع عدم تصدّيه لذلك.

16ـ الرسالة العمليّة:
لا يشترط في صحّة تقليد المجتهد الجامع للشرائط أن تكون لديه رسالة عمليّة، المهمّ أن يكون جامعاً للشروط التسعة السابقة.

17ـ تعلّم المسائل الشرعيّة:
يجب على المكلّف تعلّم المسائل الواجبة والمحرّمة إذا كان لا يعرفها، وكانت في معرض ابتلائه وتكليفه. ولو أدّى عدم تعلّم المسائل الشرعيّة إلى ترك واجب أو فعل حرام كان المكلّف عاصياً.

18ـ تساوي المجتهدين في العلم:
إذا كان المجتهدان متساويين في العلم، يتخيّر المكلّف غير المجتهد في الرجوع إلى أيّ واحدٍ منهما، كما ويجوز التبعيض بينهما في المسائل، بأن يأخذ بعضها من أحد المجتهدين، وبعضها من الآخر، لكن إذا عمل على فتوى أحدهما في موردٍ ما فلا يجوز العدول في هذه المسألة إلى الآخر ما دام مساوياً للأوّل في العلم.


(1) وسائل الشيعة (آل البيت)، الحرّ العامليّ ، ج 27، ص 132، الحديث رقم 33401.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع