نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

تسابيح جراح: رحلة العودة إلى الحياة


لقاء مع الجريح المجاهد شبير زعيتر
داليا فنيش



لم يكن يعلم حينما تخصّص في مجال التمريض، وكرّس مهنته ووقته للجرحى، أنّ الأدوار ستُبدَّل ذات يوم، حينما قرّر الزمن أن يطوي صفحاته، ليفتح صفحةً جديدةً تحوّل فيها "شبير" نفسه إلى جريح، بعد أن شاء الله أن يمنحه فرصةً جديدةً للحياة، ذات نكهةٍ وأثرٍ أكثر اختلافاً. عن شبير الحسين غازي زعيتر نتحدّث، ابن العائلة المؤمنة والمجاهدة، وخرّيج كشّافة الإمام المهديّ عجل الله تعالى فرجه الشريف والتعبئة التربويّة، وصاحب الصوت القرآنيّ والحسينيّ المميّز، الذي يروي لنا قصّة مخاض الإرادة.

•في قلب المعركة
كان لاحتدام المعارك في سوريا تأثيرٌ كبيرٌ على شبير، الذي لم يرقْ له البقاء مكتوف اليدين في لبنان، فلماذا قرّر الالتحاق برَكب زملاء الجهاد والمقاومة هناك؟ يقول شبير: "المعركة في سوريا هي معركة قضيّة. وتعلّقي بالقضيّة كبير جدّاً؛ فالكثير من رفاقي سبقوني إلى هناك، الأمر الذي شجّعني على ذلك، خاصّة وأنّ عدداً منهم ارتقى شهيداً أو عاد جريحاً، فانتابني شعورٌ بالمسؤوليّة، فلِمَ أنا بعيد عنهم، وغير حاضر بينهم وأشاركهم القتال، فأنال الأجر والثواب على ذلك؟ فكان القرار بالالتحاق بهم؛ لأنّ المشاركة الفعليّة في ساحة الجهاد لا غنى عنها".

•دعاءٌ صادق
في آخر عملٍ جهاديّ له، كان من المقرّر أن يلتحق شبير بمستشفى ميدانيّ في مدينة "الزبداني" للمساعدة في إسعاف الجرحى، ولكنّ المهمّة عادت وتغيّرت.. حول هذ الموضوع يقول شبير: "دعوتُ الله في ذلك الوقت لأن يكون لي حضور فعليّ في ساحة المعركة والجهاد، لأكون في عِداد المقاومين، فاستجاب الله سبحانه وتعالى دعواتي، وتوجّهتُ بعدها إلى رحلتي الجهاديّة الأخيرة، وسط دعوات والدتي بالحفظ والسلامة".

•الهجوم الأخير
وصل شبير إلى مدينة "الزبداني" خلال فترة الهدنة المقرّرة ليومين، حيث بدأت المجموعات القتاليّة للمجاهدين بعمليّات الرصد والتجهيز، تحضيراً للعمليّة القادمة. فما المهمّة التي أُوكلت إليه؟ يجيب شبير: "كان علينا تطهير مبانٍ عدّة من سيطرة التكفيريّين، فبدأ الهجوم في ليل السبت 22/8/2015م، واستمرّ حتّى ساعات الفجر الأولى، حيث سيطرنا، وبحمد الله، على عددٍ من الأبنية، ليقوم بعدها المجاهدون بتطهير المنطقة".

•استراحة مؤقّتة
انتهت مهمّة شبير، وحان وقت الصلاة والاستراحة، ليتلقّى من بعدها اتصالاً يُعلمه أنّه سوف يُستبدل عناصر مجموعته بآخرين، وأنّ عليه تعريف أحد المجاهدين الوافدين بالمكان وبالمهمّة الموكلة إليه، وبذلك تكون مهمّته قد انتهت.. ولكن... يضيف شبير: "بعد أن عرّفتُ ذلك الأخ على المكان، انطلقتُ برفقة أخٍ آخر للمغادرة، حيث كان علينا التوجّه إلى النقطة الأساسيّة، بعد اجتياز مسافةٍ طويلةٍ ومكشوفة. كنّا نسير بشكلٍ سريع، فيما أحمل حقيبةً كبيرةً على ظهري. وقد سبّبت لنا طبيعة الأرض الرمليّة عائقاً خلال المسير، حيث راحت أقدامنا تنغرس في الرمل. وبينما أنا أجري بسرعة، اصطدمتُ بمطبٍّ رمليّ، وإذ بقنّاص يرمي طلقة ناريّة نحونا. على الفور، صرخ الشاب المرافق لي، طالباً منّي أن أنتبه، ولكنّني لم أستطع تحديد مكان القنّاص. فجأةً، شعرتُ وكأنّ صدمةً كهربائيّةً قويّةً اخترقت بطني، فيما كان القنّاص لا يزال يطلق الرصاص نحونا، فطلبتُ من الشاب عدم الاقتراب منّي لئلّا يتعرّض للإصابة. انتزعتُ الحقيبة عن ظهري، ورميتها على جسدي كي أحتمي بها، فلم أعد أستطيع التحرّك. بعد ذلك، رحتُ أزحف بمفردي، إلى أن وصلتُ إلى مكانٍ آمن".

•عمليّات متتالية
تمّ إسعاف شبير في مركزٍ ميدانيّ، ثمّ نُقل إلى أحد المستشفيات حيث خضع لعمليّة جراحيّة في الكلية اليسرى والطحال، واحتاج إلى الكثير من الدم تعويضاً عمّا نزفه، ثمّ نُقل إلى أحد مستشفيات لبنان.. فماذا حصل بعدها؟ يضيف شبير: "مكثتُ في المستشفى مدّة شهرين، خضعتُ خلالها للعديد من العمليّات الجراحيّة، وبشكلٍ متتالٍ، في ظهري ويدي، ومنها ما كان بالغ الدقّة والحساسيّة، إلى أن بدأتُ أستعيدُ عافيتي وقوّتي، فطلبتُ من الطبيب أن يطلعني صراحةً على حالتي، فأخبرني أنّني لم أعد قادراً على المشي. وضعتُ يدَيّ على رجلَيّ علّني أتلمّسهما وأشعر بهما.. لأكتشف أنّ الطبيب كان محقّاً في قوله".

•مرحلةٌ صعبة بإرادة قويّة
غادر شبير المستشفى ليبدأ رحلة العلاج الفيزيائيّ، وخضع مرّة أخرى لعمليّة جراحيّة في يده استطاع على إثرها تحريكها بشكلٍ طبيعيّ. فماذا كانت نتيجة العلاج؟ يقول: "تلك كانت لحظات صعبة عليّ؛ لأنّني لم أعرف ماذا ينتظرني في القادم من الأيّام. تمنّيتُ الشفاء بشكلٍ سريعٍ، حتّى أعود إلى العمل الجهاديّ مع رفاقي.. فدوري لم ينتهِ بعد. خضعتُ لجلسات العلاج الفيزيائي بشكلٍ متواصل، فتمكّنتُ بعد مدّة من الانتقال إلى السرير بواسطة الكرسيّ المتحرّك. وبعد فترةٍ، بدأت أقفُ مستعيناً بالسلّم الخشبيّ، إلى أن وصلتُ إلى مرحلة استخدام العصا أثناء المشي".

•لا للاستسلام
استقرّت حالة شبير بعد سلسلةٍ طويلةٍ من العلاج، وما تخلّلته من صبرٍ، وقوةٍ، وإرادةٍ، وتحمّلٍ، وعزمٍ، فقرّر بعدها البدء بمرحلةٍ جديدةٍ من حياته.. فالاستسلام والقعود ليسا من شيَم المجاهدين المؤمنين.

حول هذا الموضوع يعلّق شبير: "أردتُ التغلّب على الضجر والملل اليوميّ، فقرّرتُ العمل في اختصاص التمريض بدوامٍ جزئيّ. ولاحقاً، طُلب منّي أن أدرّس في معهدٍ للتمريض، ثمّ تعليم القرآن الكريم للأطفال في جمعيّة القرآن الكريم. خلال هذه الفترة، كانت مؤسّسة الجرحى تعمل على تجهيز سيّارة خاصّة بحالتي، فأصبحتُ أقودها متنقّلاً إلى العمل، كما أنّني أقرأ مجالس العزاء، والقرآن، والتواشيح الدينيّة في المناسبات".

•إلى كلّ القلوب
لم يقف الأمر عند هذا الحدّ، إذ يخطّط شبير لاستكمال دراسته الأكاديميّة في مرحلة الماجستير، والزواج أيضاً.. هي رسالة حياةٍ واستمرارٍ تعبويّة، مشحونة بالعزيمة القويّة، والإرادة الصلبة، يقدّمها شبير إلى كلّ متألّمٍ، ومصابٍ، وجريح.. فالحياة منحة إلهيّة ثمينة، تستحقّ التضحية والبذل بما يصبّ في رضاه، وخدمة دينه وعباده سبحانه وتعالى. فيقول شبير: "على كلّ جريحٍ أن لا يستسلم، وإنّما يجب أن تكون جراحه دافعاً أساسيّاً للتقدّم والتطوّر في مختلف المجالات... فنصيحتي لكلّ مصابٍ وجريح هي الاستمراريّة، إذ إنّها وحدها التي ستجعله قويّاً، يتحدّى الصعوبات التي تواجهه، فيذلّلها، ولا يكون بذلك عبئاً على أحد. الأهمّ هو الإيمان بالله عزّ وجلّ والتسليم له، فالإنسان عندما يقع في أيّ مصيبةٍ أو بلاءٍ، لن يجد له ملاذاً سوى الله سبحانه، فهو المعين والمساعد. وأقول لسماحة السيّد حسن نصر الله: إنّنا نعاهده على استكمال هذه المسيرة على الرغم من الجراح، وإنّنا سنمضي في هذا الدرب كما شهداؤنا الذين قدّموا أنفسهم في سبيل الله".

•احتفالٌ سنويّ
وهكذا، تخطّى شبير كلّ صعوباته، وعاد إلى الحياة من جديد، بعد أن استفاق من غيبوبته وخاض مرحلة علاجٍ طويلة. وتحوّلت ذكرى إصابته إلى مناسبةٍ سنويّة تحتفل بها الأسرة كلّ عام، حيث تحضّر الوالدة قالب حلوى، احتفاءً بالابن الذي نال شرف وسام الجراح.
 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع