نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أدب ولغة: كشكول الأدب


إعداد: إبراهيم منصور


* من أمثال العرب
"الكلبُ كلب، ولو طوَّقتَهُ ذهباً": لا يَرفعُ من قيمة الكلب إن كان مطوَّقاً أو محمَّلاً بالذهب، فمثَلُه كمثل الحمار يحملُ أسفارا. وهذا للأسف ينطبق على بعض الناس الذي لبسَ الحريرَ وأعماه الذهب، فذهبَ بعقله، فبات كالكلب إنْ تحمِلْ عليه يلهث، أو تتركْه يلهث، وحَقَّ فيه مثلٌ عربيٌّ آخر: "يا مَنْ أعماهُ الذهب، ما كلُّ لمَّاعٍ بذهب!".

* من أبلغ الحِكَم
تناظر الإمام جعفر الصادق عليه السلام مع الديصانيّ المنكر لوجود الله، والمائل إلى الثنوية ومبدأيْ النور والظلام. فقدَّم له الإمام عليه السلام مثالاً بيضة الطير وعجيب صنعها وتركيبها وإعجاز خلقها وخلق الحياة منها، فقال عليه السلام: "يا ديصانيّ، هذا حصنٌ مكنون له جلدٌ غليظ، وتحت الجلد الغليظ جلدٌ رقيق، وتحت الجلد الرقيق ذهَبةٌ مايعة وفضَّةٌ ذائبة. فلا الذهَبةُ المايعةُ تختلط بالفضة الذائبة، ولا الفضة الذائبة تختلط بالذهَبة المايعة. وهي على حالها لم يخرج منها مصلحٌ فيخبر عن صلاحها، ولا دخَلَ فيها مفسدٌ يُخبر عن فسادها. لا يُدرَى للذّكَر خُلِقَتْ أم للانثى. تنفلقُ عن مثل ألوان الطواويس، أترى لها مدبِّراً؟ فأطرق الديصانيُّ مليَّاً ثم قال: أشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له!" (1).

* لُغةٌ لا نظيرَ لها
في اللغة العربية عدَّة مزايا لا نظيرَ لها في بقية لغات العالم، والله أعلم. من ذلك مثلاً أن هناك كثيراً من الأفعال الثلاثية، إذا قلَّبنا أحرفها على أوجه متعدّدة لا تفسد معانيها، بل تظلّ تفيد معاني معيَّنة. والرائع في الأمر أن تلك المعاني كثيراً ما تكون متقاربة من بعضها بعضاً، وأحياناً تكون واحدة!
من هذه الأفعال الفعل "جَبَرَ" فإذا قلبنا أحرفه الثلاثة على جميع أوجهها الستَّة، فهي تظلُّ تعطي معنى القوَّة؛ فجبرَ العظمَ: أصلحه من كَسْر، قوَّاه؛ وتجبَّر: كان عاتياً شديداً. وجَرِبَ فلان: أصابه الجرَب، والجرَبُ هو داء شديد يأكل الجلد واللحم؛ والجرب: صَدَأُ السيف؛ والمجرَّب من الناس: من اختبرته الشدائد. ورجَبَ ورجَّبَ فلاناً: هابه وعظّمه؛ ورجَب: هو الشهر السابع من السنة القمرية، وقد سُمِّي بذلك تعظيماً له في الجاهلية؛ ورجَّب النخلةَ وضع لها الرُّجْبَةَ لتدعيمها وتقويتها؛ فالرُّجْبة هنا بمثابة الجبيرة وهي العيدان التي تُجبَرُ بها العظام؛ والجبَّار هو القويُّ القاهر، من صفات الله تعالى. ورَبَجَ: عظَّم نفسه وافتخر بأكثر من فعله، فقال بعضهم: "وتلقاهُ رباجيّاً فخوراً"، والرابِجُ هو الممتلئ الريَّان والمنتفخ العظم والبطن من الإبل. وبَرَجَ الشيء أظهر وارتفع، ومنه البُرج أي الحصن أو الركن أو كلُّ بناء عظيم، والبارجة هي السفينة الكبيرة للقتال، ويقال من سبيل التشبيه: "ما فلان إلا بارجة قد جُمِعَ فيه كلُّ الشَّر"؛ وتبرَّجتِ المرأة: أظهرت جمالها وزينتها بقوَّة. وبَجِرَ الرجُلُ: عظُم بطنُه، وبَجِرَ فلان: خرجت سرَّتُه وغلُظت، فالبُجِرَةُ هي السَّرةُ يُشَدُّ وثاقُها منعاً للنزيف. والبُجْرُ أو البجاريُّ: هو الشرُّ العظيم والداهية، يُقال: "لقيتُ منه البجاريَّ" أي الدَّواهي (2).

* قالت لي المرآة
ـ أراك تقرأ القرآن وتقف عند الآية الأولى، فهلَّا تجاوزتها إلى غيرها حتى تستفيدَ من السورة كلها. بل إنّي قد وقفتُ عند الآيتين الأوليين من سورة الانفطار: ﴿إِذَا السَّمَاء انفَطَرَتْ*وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتَثَرَت فتعجَّبت من هذا الأمر، إذ كيف تنفطرُ السماء بمعنى "تنشقُّ"؟ وكيف تتناثر النجوم، أي تتساقط؟ أوَهي حبَّاتُ العنب تتساقط من عنقود الثريا؟! ثم بعد تفكير ومستعيناً بكتب التفسير، اهتديت إلى التفسير الآتي: تتناثر النجوم: أي تغور في الفضاء ثم تنفجر أو تتلاشى فيخبو نورها حتى تعود إلى أصلها ذرّات. ولكن الانشقاق "الانفطار" لم أستوعبه بعد، إذ السماءُ فراغ بين الكواكب والنجوم، وبسبب هذا الفراغ يصل روّاد الفضاء إلى مرحلة انعدام الوزن. فكيف يمكن لهذا الفراغ أن ينشقَّ؟ أبحث عن جوابٍ علمي لم أهتدِ إليه بعد. عندئذٍ لمعت المرآة في خاطري فقالت:

ـ اسمع يا صاحبي: أما تفسيرُك لتناثر النجوم فهو علميّاً مقبول، وأمّا انفطار السماء "انشقاقها" فهو ممكن الحدوث حتى من الناحية العلمية، بغضِّ النظر عن إرادته تعالى التي تقول لأي شيء: كُنْ، فيكون. وإليك ما توصَّل إليه علماء الكون في هذا الشأن: إنّ النجوم المستعرة العظمى "supermovas" هي في الواقع مذهلة، وأقرب في طبيعتها من الكارثة. ويمثّل النّجم المستعرُ العظيم ظاهرة تعبِّر عن انفجار النّجم الذي يزداد سطوعه حتّى يُصبح بقوّة تفوق 10 مليارات مرَّة قوة سطوعه الطبيعي قبل أن يضمحلَّ وينطفئ نهائياً. وتترك هذه النجوم وراءها حطاماً متمدداً يظهرُ في شكل غيوم غازيّة لامعة تُعرَفُ بالسّديم، أو الغيوم السّديمية، تتألف أساساً من غاز الهيدروجين. فإذا أحاط هذا الغاز الكوني الهائل الاتساع، بأحد النجوم، انساب هذا النجم في وسط هذا الغاز الكوني، وبفعل الجاذبيّة يجمع من الغاز كميات وفيرة. وكلّما تحرَّك النجم خلال الغاز خلَّف وراءه نفقاً واسعاً من الفراغ. وقد يبلغ قطر هذا النفق المحفور خلال الغاز الكوني أضعاف قطر النجم، بينما النجم الصغير مثل شمسنا يبلغ قطره 000‚392‚1 كلم! إذاً، السماء تنشقُّ والنجوم تنتثر حتى من منظور علمي. فكيف بقدرة الله التي لا يعجزها شيء؟ عندئذٍ قلتُ خاشعاً: سبحان قدرتكَ التي قهرَتْ كلَّ شيء!


(1) الشيخ الصدوق، ص 124.
(2) انظر "المنجد في اللغة" الأب لويس معلوف، المواد: جبَر بجَر ربَجَ رجَب برَج جرَب.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع