نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أخطاء يقع بها الزوج

أمل القطان*

 



جعل الله تعالى الحياة الزوجية آية من آياته العظمى التي يلتفت إليها المتفكرون. فالحكمة الإلهية قضت بخلق المرأة والرجل مختلفين لغاية التكامل بالأدوار المناطة بكل واحد منهما، ولكن في المقابل يتسبب هذا الاختلاف إذا ما اقترن بجهل خصوصيات الطرف الآخر، وعدم الدراية بكيفية التعامل معه بأخطاء قد يتفاقم بعضها فيهدد كيان الأسرة ويتسبب بالمشاكل، من هنا يحاول هذا المقال أن يتعرض لبعض الأخطاء التي قد يقع بها الزوج عسى تنفع الأزواج، وتجنّبهم مجموعة من المشاكل والأزمات.

* أخطاء رئيسة
سوف نعرض هذه الأخطاء كنقاط متوالية:

عدم الالتفات إلى الهدف الإلهي من الزواج، وأن في كل حركة يأتي بها الزّوج تقرباً لله تعالى. اللجوء لغير الله عند المشاكل والأزمات، مما يضخّم المشكلة ولا يساعد على حلها. سوء اختيار الزوجة والذي قد يكون بدافع الجمال أو المال فقط، دون الالتفات إلى أهلية الزوجة الأخلاقية والتربوية والدينية، التي تمكّنها من تنشئة أطفال أسوياء من النّاحية النّفسية والرّوحية. منع الزّوجة من التّعلم واكتساب المعرفة، والذي يعتبر الضمانة والعامل الأساس لحسن إدارة المنزل، بشرط أن لا يستغرق كل الوقت، ولا يكون على حساب دورها الأسري والتربوي.

* الحياة الزوجية مسؤولية مشركة
يختلف بعض الأزواج مع زوجاتهم حول بعض الأمور المتعلقة بشؤون الأسرة وذلك بسبب بعض المفاهيم الخاطئة لديهم، منها:
فهم قوامة الزوج على الزوجة بشكل خاطئ، حيث يعتقد أن القوامة تشريف لا تكليف يقتضي حسن إدارة الأسرة، والقيام بشؤونها، وتأمين احتياجاتها من النفقة والرعاية والحماية. استقالة الزوج من دوره التربوي في رعاية شؤون الأسرة الدينية، والانصراف الكلي إلى العمل. فعن أبي بصير قال: "سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة (التحريم:6) (قلت: هذه نفسي أقيها فكيف أقي أهلي؟ قال: تأمرهم بما أمرهم الله به، وتنهاهم عما نهى الله عنه، فإن أطاعوك كنت وقيتهم، وإن عصوك، فكنت قضيت ما عليك" (1).  مطالبة الزوجة بتحمل كامل أعباء الأسرة، دون مساعدتها والتّعاون معها، وتقسيم المهام بينهما، حيث يؤدي ذلك إلى إرهاق الزوجة وتعبها، مما ينعكس على أدائها التربوي، ويعرّضها لضغط نفسي يمنعها من إفاضة الحب والعاطفة على الزوج والأولاد. وهنا نلحظ كيف قسّم رسول الله صلى الله عليه وآله الأدوار بين الزوجين ففي الرواية عن أبي عبد الله عن أبيه عليه السلام قال: "تقاضى عليٌّ وفاطمة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في الخدمة، فقضى على فاطمة بخدمة ما دون الباب، وقضى على علي بما خلفه..." (2).

* مراعاة وتقدير الزوجة
ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله قوله: "من اتخذ زوجة فليكرمها"(3) ذلك أن عدم احترام الزوجة أمام الآخرين خصوصاً الأطفال يؤثر سلباً على احترام الأولاد لوالدتهم، لذا يتوجب على الزوج: احترام خصوصيات الزوجة، ومراعاة ما تفضله، واجتناب ما يزعجها. تقدير جهد الزوجة، وما تقدمه للأسرة من تضحية وعطاء، وشكرها على ما تتحمله في سبيل رعاية الأسرة، وتأمين مستلزماتها.
المداومة على الأدعية التي تؤمن الرعاية والتوفيق الإلهي لكل أفراد الأسرة، وأهمها الدعاء القرآني:  ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (الفرقان: 74).
السعي لإشاعة أجواء المودة والرحمة التي جعلها الله تعالى من مقومات الحياة الزوجية، فالمودة تعني المحبة الظاهرة عبر التعبير اللفظي عن الحب. يقول النبي صلى الله عليه وآله: "قول الرجل للمرأة إني أحبك لا يذهب من قلبها أبداً"(4)، والتواصل البصري (النظر بحب) والحسي، والأهم المودة الظاهرة بالسلوك، عبر الاحترام ومراعاة رغبات الزوجة ومشاعرها وحالاتها الصحية والنفسية.

* اهتمامه بما يسرّها
حسن المظهر: من الملاحظ أن الزوجة هي المطالبة دائماً بالاهتمام بمظهرها أمام زوجها فيما يفتقد بعض الأزواج (وأمام زوجته بشكل خاص) الاهتمام بمظهره ونظافته بالمقدار الذي يطلبه عادة من الزوجة ويسرّه أن يراها عليه. وقد روى الحسن بن جهم: "رأيت أبا الحسن الثاني عليه السلام اختضب، فقلت: جعلت فداك اختضبت؟ فقال: نعم إنّ التّهيئة مما يزيد في عفة النساء، ولقد ترك النساء العفة بترك أزواجهن التّهيئة، ثم قال عليه السلام: أيسرّك أن تراها على ما تراك عليه إذا كنت على غير تهيئة؟ قال: لا، قال: فهو ذاك" (5). 
معاشرتها بالمعروف: عن رسول الله صلى الله عليه وآله: "أخبرني أخي جبرائيل ولم يزل يوصيني بالنساء، حتى ظننت أن لا يحل لزوجها أن يقول لها أف" (6)، وعدم إيذائها وسوء معاملتها، وعدم التركيز على نقاط ضعفها، وملاحظة نقاط القوة والايجابيات التي لا يخلو منها إنسان، وعدم نسيان أن كل واحد منا لديه نقاط قوة ونقاط ضعف، "من كان له امرأة تؤذيه لم يقبل الله صلاتها ولا صيامها ولا حسنة من عملها حتى تعينه وترضيه... ثم قال: وعلى الرجل مثل ذلك الوزر والعذاب إذا كان لها مؤذياً ظالماً" (7).
عدم إهمال المناسبات الخاصة بالأسرة: كالاهتمام بتقديم الهدية التي تدخل السرور على قلب الزوجة، وتبث الفرح في أرجاء الأسرة. الاهتمام بمقدمات العلاقة الخاصة بينهما: بحيث يهتم الزوج بإشباع حاجة الزوجة، وما يحتاجه ذلك من مقدمات. عدم هجران الزوجة وتركها كالمعلّقة: حيث نهت الشريعة عن الإضرار بالزوجة والتضييق عليها، وعليه في هذه الحال إما رفع الهجران وإما تسريحها بإحسان وتخلية سبيلها.

* صفات تودي بالاستقرار
تشوب العلاقة الزّوجية والأُسريّة مواقف واعتبارات تؤدي في معظم الأحيان إلى عدم الاستقرار ضمن الأسرة ومنها: اعتبار إعانة الزوجة ومساعدتها من الأمور التي تنتقص من رجولة الزوج، فلا يقوم بإعانتها خصوصاً في حال التعب أو المرض أو في فترة الحمل، ففي حديث طويل عن رسول الله صلى الله عليه وآله يوصي أمير المؤمنين عليه السلام: "اسمع، وما أقول إلّا ما أمر ربي، ما من رجل يعين امرأته في بيتها إلّا كان له بكل شعرة على بدنه عبادة سنة صيام نهارها وقيام ليلها، وأعطاه الله من الثواب ما أعطاه الله الصابرين،.. يا علي من كان في خدمة عياله في البيت ولم يأنف، كتب الله اسمه في ديوان الشهداء،.. يا علي ساعة في خدمة البيت خير من عبادة ألف سنة.." (8). 
عدم الاحتفاظ بسرية العلاقة بينهما، وبخصوصيات الأسرة، وإفشاؤها للأهل والأصدقاء، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "إن شر الناس منزلةً يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر أحدهما سرّ صاحبه" (9). المعاندة والاستئثار بقرارات الأسرة، وإكراه الزوجة على الالتزام بما يراه الزوج من دون مناقشة وإقناع ومشاركة. وقد تحدث الأمير عليه السلام عن سرٍّ عظيم من أسرار التعامل مع الزوجة عند حديثه عن علاقته بالسيدة الزهراء عليها السلام: "فوالله ما أغضبتها ولا أكرهتها على أمر حتى قبضها الله عزّ وجلّ، ولا أغضبتني ولا عصت لي أمراً، ولقد كنت أنظر إليها فتنكشف عني الهموم والأحزان" (10). فلعل سر عدم العصيان هو عدم الإكراه!

* خطر سوء المعاملة
إن سوء التعامل بين الزوج والزوجة من أكثر الأمور التي تؤدي في غالب الأحيان إلى الطلاق ومن مصاديق هذا الأمر: سوء الظن، وعدم حمل تصرفات الزوجة على محمل حسن، بينما نرى الله يأمرنا بحسن الظن، واجتناب سوء الظن، خصوصاً عند عدم وجود مبرر له. التسرع بالحكم على المرأة، وعدم التعاطف مع وجهة نظرها، فطبيعة المرأة أنها تبحث عمَّن يستمع شكواها ويتعاطف معها، بينما الرجل عادة يبحث عن الحلول. عدم الشفافية والوضوح في بيان ما يزعج الزوج أو يثير استياءه. الغيرة المفرطة من دون سبب عقلائي، حيث يمكن لها أن تحيل حياة العائلة إلى جحيم.
عدم الرشد في الإنفاق بحيث لا يكون هناك ترتيب للأولويات، مما يؤدي إلى التقصير في بعض الموارد المهمة. السماح للأهل بالتدخل في شؤون الأسرة، وعدم رسم حدود واضحة، مما قد يزيد المشاكل تأزماً، ويصعِّب حلّها عادة حيث يجب أن يكون تدخل الحكماء من الطرفين عند عدم القدرة على حل المشكلة، مما يتهدد كيان العائلة. التقصير في تلبية حاجات الأسرة المادية، والاتكال على عمل الزوجة وأحياناً الأولاد، بحيث يصبح الزوج مُعالاً بدل أن يكون معيلاً للأسرة، مما يوجد خللاً بنيوياً في أدوار أفراد الأسرة.

* التعاطي السلبي
تتلخص ترجمة التعاطي السلبي في الأمور التالية:

استخدام العنف اللفظي أو المعنوي في حل المشكلات، مما يفاقم المشكلة، ويؤثر سلباً على الأطفال ويتسبب باضطرابات وأمراض نفسية لديهم. جهل الزوج بالخصائص الذاتية والتكوين النفسي للزوجة، والذي يختلف عن التكوين النفسي للزوج، مما يجعله لا يحسن التعامل معها. الانغماس بالشهوات والملذات الدنيوية، وتمضية أكثر الأوقات مع الأصدقاء على حساب قضاء الوقت الممتع مع العائلة وبمشاركتها. الإقدام على الزواج الثاني من دون التأكد من القدرة على إدارة أسرتين مادياً ومعنوياً، أو عدم إلحاق الأذى بالأسرة الأولى مما يؤدي إلى انهيارها أو تفككها.


 (*) باحثة إسلامية في شؤون الأسرة
(1) بحار الأنوار، المجلسي، ج 97، ص 74.
(2) م. ن، ج43، ص81.
(3) جامع أحاديث الشيعة، السيد البروجردي، ج 20، ص 250.
(4) الكافي، الكليني، ج 5، ص 569.
(5) م. ن، ج5، ص 567.
(6) م. ن، ج14 ، ص 252.
(7) وسائل الشيعة (آل البيت)، الحر العاملي، ج 20، ص 164.
(8) بحار الأنوار، م. س، ج 101، ص 122.
(9) شرح رسالة الحقوق، الإمام زين العابدين، ص 525.
(10) بحار الأنوار، م. س، ج 43، ص 134.    

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع