نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

أخطاء تقع بها الزوجة

الشيخ محمد حسن زراقط

 



﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (النساء: 21). العلاقة بين الزوجين بحسب الرؤية الإسلاميّة مبنيّة على قوانين وضوابط يجب على الطرفين الالتزام بها وعدم تجاوزها. ولكنّ طبيعة العيش الدائم بين الزوجين تساعدهما على تجاوز هذه الحدود وخرقها. والإسلام لا يمنع من ذلك إذا كان هذا الخرق للقواعد يجري وفق قانون التضحية وتنازل كلّ من الطرفين عن حقّه بشكل طوعيّ واختياريّ. ومن الطبيعيّ أنّ الزوج والزوجة كلاهما عنده استعداد وميل إلى خرق القاعدة وعدم الالتزام بالقوانين المنظّمة للعلاقة بين الطرفين. وفي هذه المقالة الموجزة سوف أحاول تسليط الضوء على بعض التجاوزات التي قد تقع فيها المرأة في خلال علاقتها بزوجها.

* سوء الاختيار
من الطبيعيّ أنّ العلاقة بين الزوجين تبدأ قبل بدئها وليس في هذا الكلام أيّ تهافتٍ أو غرابةٍ؛ فإنّ البناء لا يبدأ من فوق الأرض، بل يبدأ من تحتها، والحياة الزوجيّة كذلك. فقد تسيء الزوجة اختيار شريكها لأسباب عاطفيّة أو اقتصاديّة أو مؤثرات عائلية أو غير ذلك. قد تقبل بزوجٍ تغترّ بوضعه الاقتصاديّ وترغب من خلال العلاقة به أن تنتقل من حالة أسرتها الاقتصاديّة إلى حالةٍ أكثر يسراً، أو قد تغترّ بما يظهره الزوج من عواطف كاذبةٍ فترتبط به، ثمّ بعد العيش سوياً تحت سقفٍ واحدٍ تخبو جذوة العاطفة وتبدأ النتائج المخرّبة بالظهور. أو قد ترتبط المرأة بزوجٍ لا تحبّه ولكنّها تقبل بالعلاقة به، مراعاةً لاقتراح أمّها أو أبيها الارتباط به، ثمّ بعد الارتباط تشعر بالندم على ما فعلت وتعضّ على أصابعها. والحلّ لمثل هذه الحالة أن تتمهّل المرأة وتتروّى في اختيار الزوج، لتبني أسرتها على أسسٍ ثابتةٍ تتناسب مع الميثاق المؤكّد الذي يشير إليه الله سبحانه بقوله: ﴿وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (النساء: 21). والسؤال الذي يُطرح هنا هو أنّ المرأة بعد علاقةٍ مبنيّةٍ على أسس خاطئة ماذا يمكنها أن تفعل؟ والجواب عن هذا السؤال ينقلنا إلى الخطأ الثاني.

* خيارات ما بعد الارتباط
يجب على الزوجة أن تعي أنّها قبل الزواج تملك حريّة الاختيار بشكلٍ واسعٍ، فهي تستطيع الموافقة على الزواج بهذا الزوج أو ذاك، والقَبول به أو رفضه، لأيّ سبب كان. وإن كان الإسلام لا يشجّع مثل هذا الخيار، ولكنّه على أيّ حال لا يسلب حقّ المرأة في تقرير مصيرها. وأمّا بعد ارتباطها بزوجٍ مهما كانت ظروف الارتباط به، على هذه الزوجة أن تفهم أنّ خياراتها صارت أضيق وقراراتها لم تعد تؤثّر عليها وحدها، بل صار لها شريك أو شركاء متعدّدون هم الزوج والأطفال. وإذا كانت مطالبةً بالعدّ إلى العشرة كما يقولون قبل اتّخاذ القرار بالزواج، فعليها بعد الزواج العدّ إلى العشرين قبل أن تقدم على أيّ قرارٍ تأخذه، كالمطالبة بالطلاق أو ما شابه ذلك.

وعلى المرأة أن تدرك أنّها هي التي أقدمت على الزواج باختيارها، ومن الطبيعيّ أن يكون عليها الوفاء بالعهد والميثاق الذي هو المعيار في العلاقة بينها وبين زوجها. وخطأ بعض الزوجات هنا، هو الاستعجال في فسخ العلاقة أو اتّخاذ القرار بتعكير صفوها، كالاستعجال في تأسيسها. وأخطر ما في الأمر في هذه النقطة هو بناء الزوجة موقفها على دوافع عاطفيّة قد تكون في بعض الحالات وهميّةً، ممكنة الحلّ.

* الغيرة والأنانيّة
الحبّ بين الزوجين هو الأساس الذي ينبغي أن تبنى عليه الحياة الزوجيّة؛ ولكن قد يتطوّر هذا الحبّ إلى أنانيّة مفرطة، فتشعر المرأة بالغيرة على زوجها، وتخال أنّه لم يعد يهتمّ بها كما ترغب وتريد، ويتحوّل كثير من الأمور والأشخاص إلى ضرّات بدل ضرّة واحدة قد تنافس الزوجة على زوجها.  وقد يصبح عمل الزوج منافساً للزوجة تغار منه. وأهل الزوج وأسرته أيضاً قد يتحوّلون إلى منافسٍ بحسب اعتقاد بعض الزوجات، والضرّة الموهومة هي المنافس الثالث الذي يخرّب على الحياة الزوجيّة استقرارها ويحوّلها إلى جحيم لا يطاق. وفي حلّ هذه المشكلة على المرأة أن تلتفت إلى أنّ الحبّ لا يساوي الأنانيّة أبداً وإلى أنّ الغيرة أمر مقبول إذا بقيت ضمن حدود معقولة، وإذا ظلّت تحت السيطرة، وإلا فإنّها تؤدّي إلى نتائج معاكسةٍ ومدمّرةٍ للحياة الزوجية، فالعمل وأهل الزوج ليسوا منافسين لها، بل يجب أن يكون وفاء الزوج لأهله سِمةً أخلاقيّة ترفع من تقييمه الأخلاقيّ في عين زوجته، ومَن لا يكون وفيّاً لأبويه، قد لا يكون في الغالب وفيّاً لزوجته أيضاً. والعمل أيضاً ليس منافساً للزوجة؛ وذلك لأنّ تحسّن الوضع الاقتصاديّ للزوج ينعكس عادةً على حياة الزوجة نفسها يسراً ورفاهاً، وأمّا الضرّة الموهومة فهي رغم صعوبة تحمّلها على الزوجة إلا أنّ عليها أن لا تعقد المآتم ولا تبني بيت الأحزان قبل وقتها. وهنا أيضاً على الزوجة أن تنظر إلى نفسها أولاً فقد يكون غرق الزوج في العمل ناتجاً عن رغبته في الفرار من البيت، أو محاولةً لتلبية طلبات الزوجة التي قد لا ترحم في بعض الحالات، والتفكير في الضرّة قد يكون في بعض الحالات رغبةً من الزوج في إثارة عواطف المرأة تجاهه ولا ضرّة ولا من يضرّرون، وربّما يبحث بعض الأزواج عن شيء لا يجدونه عند زوجاتهم. وهنا ننتقل إلى الخطأ الثالث.

* الإهمال وبرودة العلاقة
تتحوّل العلاقة بين كثيرٍ من الأزواج إلى عادةٍ تمارس دون وعيٍ أو تخطيطٍ أحياناً، بل دون رغبةٍ في أحيانٍ أخرى، ويغرق الزوجان كلٌّ في همومه ومشكلاته الخاصّة دون أن يلتفت إلى أنّ الحياة الزوجيّة تُفقد الزوجين شيئاً كثيراً من خصوصيّتهما، فعمل أحد الزوجين مثلاً لا يؤثّر عليه وحده، بل يؤثّر عليه وعلى شريكه، والأولاد ليسوا أولاد المرأة وحدها، بل هم أولادها وأولاد زوجها على حدٍّ سواء، ولذلك لا ينبغي أن يطمئنّ الزوجان إلى استقرار الحياة الزوجيّة وانصراف كلّ منهما إلى بعض اهتماماته، بل عليهما أن يعيا أنّ شجرة الحياة الزوجيّة تحتاج إلى رعايةٍ وتفقّدٍ بين فترة وأخرى، وهذه طبيعة العلاقات الإنسانيّة، كالصداقة والقرابة وما شابه. وأما ميزة العلاقة بين الزوجين فإنّها أكثر حساسيّة؛ وذلك لأجل القرب بينهما وتلازمهما الدائم، فقد تعذر الأمّ ابنها إذا قصّر في حقّها وتبحث له عن الأعذار، وقد يعلم الصديق أنّ صديقه يبادله المودّة ولكنّه مشغول. وأمّا الزوج فقد لا يجد لزوجته مثل هذا العذر، ولذلك على الزوجة أن توازن في علاقتها بين الزوج وبين انشغالاتها الأخرى سواء أكانت انشغالات داخل الأسرة بالأطفال وتدبير المنزل، أم خارجها في العمل والمساعدة في تحصيل نفقات الأسرة.

* الانطواء على الذات والعتب المكتوم
قد يؤدّي التّواصل والتّماس اليومي بين الزوجين إلى اعتقادهما بأنّ على كلّ منهما أن يفهم الآخر، ما يغني كلّاً منهما عن التصريح بهمومه ومشاكله للآخر. ولكنّ هذا الاعتقاد خاطئ إلى درجةٍ كبيرة، فإنّ غرق الزوجين في هموم الحياة، ومشاهدتهما لسير الحياة بشكلٍ طبيعيّ واعتقادهما بأنّهما يقومان بما يجب عليهما، واعتقاد كل واحد منهما بأنّ الطرف الآخر مستعدّ للتضحية والفداء، كلّ ذلك يولّد عندهما قناعةً بأنّ الأمور تسير دون أيّ مشكلة. وهنا مكمن الخطأ فالزوجة التي تشكو من زوجها عليها أن تبادره بالمصارحة قبل أن تعبّر عن انزعاجها بشكل غير مباشر، فمعاتبة الزوج أفضل بكثير وأخفّ وقعاً عليه من تقطيب الحاجبين والعبوس وكتمان سبب الاختلاف.

 والعتاب وإن كان إذا زاد عن حدّه صار مملّاً ومزعجاً إلا أنّ شيئاً من العتاب بين فينةٍ وفينةٍ يشبه الملح في الطعام يحسّن مذاقه. هذه بعض الأخطاء التي قد تقع فيها الزوجة خلال مسيرة حياتها الزوجيّة، ولا شكَّ أيضاً في أنّ الزّوج والزَّوجة ككفّتي الميزان أخطاؤهما مشتركة، وحلولهما مشتركة، ولا يعني التركيز على أخطاء الزوجة براءة الزوج من دم العلاقة الزوجيّة عندما تُذبح ويُقضى عليها. ولا شكّ أيضاً في وجود الكثير من التّوصيات الإسلاميّة الكثيرة التي يصعب حصرها في مثل هذه المقالة. وفي الختام نذكّر بما بدأنا به من الآية 21 من سورة النّساء والتي تقول لنا إنّ العلاقة بين الزوجين علاقة إفضاء وانكشاف ومصارحة، وهذه العلاقة علاقة ميثاق وعهد غليظ لا ينبغي أن يتساهل الطرفان في عقده ولا يجوز أن يتساهلا في فسخه وحلّه. وقد وردت الآية في سياق النهي عن الأخذ من مهر الزوجة دون رضاها وهذا يشير إلى الحدود التي يجب احترامها دائماً في العلاقة بين الطرفين.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع