نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

لتسكنوا إليها

الشيخ نعيم قاسم

 



رسم الله تعالى الصورة التي أرادها من الحياة الزوجية بقوله: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (الروم: 21).  فالحياة الزوجيّة تتحقق من خلال أمرين:

الأول: إنشاء الرَّابطة الزّوجية، وهذا ما يهيّئه عقد الزَّواج الذي يجمع بين الزّوجين، وهو المدخل للسّكن والاستقرار بكلّ معانيه النّفسية والجسديّة.
الثاني: التّشريعات الإلهيّة التي تتناغم مع الفطرة الإنسانيّة، في توزيع الحقوق والواجبات بين الزّوجين، بما يُثبِّت المودَّة وهي درجة عالية من الحبّ والحنان والتفاعل. وأما الرّحمة فهي التسامح والإحسان، والعفو عند الإساءة والأخذ بيد الطّرف الآخر لتحقيق الاستقرار والراحة للحياة الزوجية. إذاً، عقد الزواج بمضمونه ومتطلباته يهيئ الفرصة للسعادة، لكنَّ المسؤولية العملية تقع على عاتق الزوجين في إدارة حياتهما، وكيفية تعاملهما مع بعضهما بعضاً، ودقة التزامهما بالأحكام الشرعية في إطار البذل والتضحية.

* الزواج مودّة ورحمة
لو اتَّبع الزوجان ما عليهما من مسؤولية وواجبات، واقتصرا على عدم تجاوز حقوقهما، بروحية التّنازلات المتبادلة، بحيث يعطي كلٌّ منهما للآخر لمصلحة المودة والرحمة، فإنهما سيعيشان سعيدين. بل لو اقتصرا على الالتزام بحدودهما، واتَّبعا الأوامر والنواهي الإلهية بدقة، ولم يحيدا عنها، وطَّبقا ذلك برضًى منهما، على قاعدة التسليم بما أحلَّ الله والاجتناب عما حرَّم، فسيجدان نفسيهما في قلب السعادة. والوصول إلى السعادة الزوجية له مسار عملي، يتطلب من الزوجين أن يساهم كلٌ منهما بسلوك وخطواتٍ تتراكم وتتكامل لتحقيق هذه السعادة. وقبل الخوض في ذلك لا بُدّ من الوقوف على خمسة عناوين أرشدنا إليها الإمام زين العابدين عليه السلام وهي تؤدي، مجتمعةً، إلى السعادة من خلال حديثه عن حق الزوجة في رسالة الحقوق، فقال عليه السلام: "وأمّا حق رعيّتك بملك النكاح، فأن تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومستراحاً وأنساً وواقية، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقك عليها أغلظ، وطاعتك بها ألزم، فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية، فإنّ لها حقّ الرّحمة والمؤانسة وموضع السّكون إليها قضاء اللّذة التي لا بدَّ من قضائها وذلك عظيم، ولا قوة إلا بالله"(1).

* خطوات عملية
أما بالنسبة للسلوك العملي فيمكن اختصاره بالخطوات التالية:

أولاً: العلم بما تحققه الزوجة. فهي السكن والاستقرار الجسدي والنفسي والعملي، وهي التي تحقق الراحة بكل معانيها، ومورد الأُنس الذي يأنس به الزوج، وهي الواقية من الوقوع في الحرام. وإنَّ عِلم الزوج بأهمية وقيمة المرأة الواقعية في حياته يجعله ينظر إليها كشريكة تحقق السكن والمستراح والأنس والوقاية.

ثانياً: معرفة أنّ كلاهما نعمة للآخر. ذلك أن عطاء الله للطرفين باجتماعهما, ولا فضل لأحدهما على الآخر, فليحمد كل منهما ربَّه على زوجه. "إنَّ القيام بمسؤولية النعمة وأداء حقها للمحافظة عليها يتم بالأداء الحسن والإكرام والرفق، فحسن الصحبة يضفي ظلالاً من الأخلاقية المريحة للطرف الآخر، والإكرام يؤدي إلى البذل من دون ابتغاء البدل وهو يعبّر عن نفسيّة معطاءة تُريح الحياة الزوجية. والرفقُ حنانٌ وعطفٌ يعمِّم أجواءً إيجابيةً في رعاية ضعف ومتطلّبات الطرف الآخر، فلا قسوة ولا تسلّط ولا شدّة، بل تعاملٌ بالحُسنى والرقَّة والشفافيّة"(2).

ثالثاً: القوامية للزوج
تتمثل في مسؤولية إدارة الأسرة، وهي عبءٌ ثقيل، مقيَّدة بالاستقامة، وليست صلاحيات مطلقة. وله حق الاستمتاع، وأن لا تخرج زوجته من بيته إلاَّ بإذنه، وهي صلاحيات تُبقي للزوجة مساحة واسعة من الحقوق الشخصية في أموالها وعباداتها وتربيتها لأولادها ورعايتها للمنزل والأسرة... وهذا هو الحق الأغلظ, والعبرة عدم استخدامه في المعصية, أحبَّ النتيجة أو كرهها.

رابعاً: للزوجة الرحمة والمؤانسة.
على الزوج أن يرحم زوجته إنْ أخطأت، فلا يلاحقها على كل فعل ولا يراكم أخطاءها، بل يقدِّر حجم أعمالها ومسؤولياتها وعبء الأولاد عليها عندها سوف يقدّر ضعفها وانفعالها، فيعفو، ويفتح صفحة جديدة في كل محطة وعند كلّ أزمة، كما ينبغي أن تأنس الزوجة بوجوده معها وليخصّص لها وقتاً، فهو الذي يملأ حياتها ويظلِّلها.

خامساً: أهمية العلاقة الجنسية.
وهي مطلب أصلي للرجل، ودعامة كبرى للبناء الزوجي السعيد. لذا على الزوجة أن تؤدّي حق الاستمتاع للرجل، "عليها أن تزيل المنفِّرات وتتطيَّب وتتجمَّل وأن تستجيب له عند رغبته بذلك، وهذا يؤدي إلى "قضاء اللذة التي لا بدَّ من قضائها وذلك عظيم", كما قال إمامنا السجاد عليه السلام، نظراً لأهمية هذا الحق في إضفاء السكينة على الحياة الزوجية، وهو مطلب فطري غريزي يؤثر تأثيراً كبيراً في تمتين العلاقة بين الزّوجين"(3).

* مسؤولية مشتركة
الحياة الزوجية مسؤولية مشتركة بين الزوجين، ولكل واحد منهما نصيب مما عليه أن يقوم به، وقد ذكرت الروايات توجيهات لكل من المرأة والرجل في هذا المجال.

* توجيهات للزوجة
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "جهاد المرأة حُسن التبعّل"(4)، أي حسن القيام بالواجبات الزوجية التي أمر الله تعالى بها. وسيكون موقعها عظيماً عند الله تعالى إذا ما خدمت زوجها، ففي الحديث الشريف: "أيّما امرأة خدمت زوجها سبعة أيام، أغلق الله عنها سبعة أبواب النار، وفتح لها ثمانية أبواب الجنة تدخل من أيّها شاءت"(5).  وللزوجة الصالحة أسوة بالسيدة الزهراء عليها السلام، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "لا شفيع للمرأة أنجح عند ربّها من رضا زوجها، ولما ماتت فاطمة عليه السلام، قال عليّ عليه السلام: اللّهم إنّي راض عن ابنة نبيك، اللهم إنّها قد أُوحشت فآنسها"(6).

* توجيهات للزوج
أن يتصرف الزوج مع زوجته بكل خير، اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وآله: "ألا خيركم خيركم لنسائه, وأنا خيركم لنسائي"(7). وعن الإمام الصادق عليه السلام: "رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته، فإنّ الله عزَّ وجل قد ملّكه ناصيتها وجعله القيِّم عليها"(8). ولخدمة الزوجة مكانة عظيمة عند الله تعالى، فعن رسول الله صلى الله عليه وآله: "لا يخدم العيال إلا صِدِّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة"(9). وعنه أيضاً صلى الله عليه وآله: "إذا سقى الرجل امرأته أُجِر"(10). علّمنا الإمام علي عليه السلام وزوجته فاطمة الزهراء عليها السلام نموذج توزيع الأدوار في الحياة السعيدة. فعن الإمام الباقر عليه السلام: "إن فاطمة عليها السلام ضمنت لعلي عليه السلام عمل البيت والعجين والخبز وقمَّ البيت (أي كنسه)، وضمن لها علي عليه السلام ما كان خلف الباب: نقل الحطب وأن يجيء بالطعام"(11).

* نصائح عملية
على كل من الزوجين أن يتعرف إلى طبيعة شريكه الآخر، فإنَّ متطلبات الرجل تختلف عن متطلبات المرأة في بعض الجوانب، وبالعكس، وإن كانا يشتركان في الجوانب الأخرى. على الرجل أن يعلم بأن المرأة تحتاج إلى الاهتمام بها, وإلى الحب والحنان واللّمسة العاطفية والكلمات المؤنسة بتكرار النطق بها. وعلى المرأة أن تعلم بأن الرجل حاجته جسدية فلتعطه ذلك، ولا تتعامل معه كما تريده أن يتعامل معها، فلكلٍ مطالبه من الآخر.  لا تقفا عند تفاصيل الحقوق والواجبات، حقِّق أيها الزوج بعض رغبات زوجتك، ولو لم تكن مقتنعاً، واعملي أيتها الزوجة في خدمة الأسرة, ولو لم تكن مسؤوليتك، فهذا مما يعزِّز المودة بينكما. لا تفكّر أيها الرجل بما يؤنسك بالسهر خارج المنزل أو ترتيب المشاريع الترفيهية مع زملائك فقط, لأن زوجتك بحاجة إليك لتؤنسها. وفي المقابل لا تهملي أيتها الزوجة مجيء زوجك بعد تعبه كل النهار، فتمضين وقتك مع جيرانك صباحاً وتتراكم الأعمال عليك عند مجيئه، وحينها يشعر بقلة الاهتمام به، ممّا يوتر العلاقة بينكما. عالجا أموركما بينكما، ولا تصرّحا بما بينكما للأهل أو للأولاد, كي لا تكبر مشاكلكما, أو تشيع فتتعقّد وتصبح صعبة الحل. ليدقّق كل واحد منكما بحقوقه وواجباته، لأنّه وإن استطاع بسلطته الضغط على شريكه، فالله رقيب على العباد, وسيحاسب المقصِّر بحق الآخر.


(1) تحف العقول عن آل الرسول, ابن شعبة الحراني، ص 262.
(2) حقوق الزوج والزوجة, كاتب المقال، ص 21.
(3) م. ن, ص 50.
(4) الكافي, الشيخ الكليني، ج 5, ص 9.
(5) وسائل الشيعة, الحر العاملي، ج 20, ص 172.
(6) الخصال, الشيخ الصدوق، ص 588.
(7) وسائل الشيعة, م. س، ج 20, ص 171.
(8) م. ن, ج 20, ص 170.
(9) بحار الأنوار, العلامة المجلسي، ج 104, ص 132.
(10) ميزان الحكمة، الريشهري، ج 2، ص 1186.
(11) مستدرك الوسائل, الميرزا النوري, ج 13, ص 25.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع