نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

في رحاب بقية الله: من آداب المنتظرين


الشيخ نعيم قاسم

ادَّخَرَ الله تعالى للأمة صاحبَ العصر والزمان المهدي المنتظر عجل الله فرجه إلى آخر الزمان، ليكون المنقذ، والقائد، والحاكم بالعدل على مستوى المعمورة، والموجِّه إلى طريق السعادة الأبدية. فغيبتُه كالشمس التي يحجبها السحاب، حيث تعمُّ بركاتُ وجوده وانتظاره مصحوبةً بأمل الفرج وإقامة الدين. وهذا ما يُلقي علينا مسؤولية تجهيز أنفسنا لنكون من جنده وأعوانه، ما يستلزم سلوكاً وآداباً للتصرف حيال هذا الحدث العظيم. ولعلَّ أبرز الآداب التي تنسجم مع الانتظار ما يلي:

* معرفة أهداف الانتظار
ذكر السيد ابن طاووس في زيارة صاحب الزمان عجل الله فرجه، في يوم الجمعة، وهو اليوم الذي يظهر فيه: "السلام عليك يا حجة الله في أرضه، السلام عليك يا عين الله في خلقه، السلام عليك يا نور الله الذي يهتدي به المهتدون ويُفرَّج به عن المؤمنين" (1). 

هذه الصفات تتحدّث عن الأهداف المنشودة من انتظار الإمام المهدي عجل الله فرجه، فهو حجة الله في أرضه، ومَنْ لم يُوفَّق للإيمان والارتباط بهذه الحجة فقد خسر خسراناً مبيناً، وابتعد عن جادة الصواب. وهو عين الله في خلقه، يرى المؤمن من خلاله عظمة الخالق، وضرورة العشق له، والارتباط بنهجه تحقيقاً لرضاه. وهو نور الله الذي يهتدي به المهتدون، وهل لأحدٍ هدايةٌ من دون هذا النور؟ وأي ربحٍ يحقِّقه أولئك البعيدون عن إشعاعات هذا النور؟ وهو باب الفرج، الذي يفتح الطريق إلى الهداية والفلاح والنصر والثواب وكل الخيرات، في الدنيا والآخرة.

* التقرُّب بآل البيت عليهم السلام
ومما ذكره السيد ابن طاووس، في زيارة صاحب الزمان، المشار إليها سابقاً: "أتقرَّبُ إلى الله بك وبآل بيتك، وأنتظر ظهورك وظهور الحق على يديك، وأسأل الله أن يصلي على محمد وآل محمد, وأن يجعلني من المنتظرين لك, والتابعين والناصرين لك على أعدائك, والمستشهدين بين يديك في جملة أوليائك" (2).

إنَّ التقرُّب إلى الله تعالى بآل البيت عليهم السلام وسيلةُ النجاة بمن خُلق الكون لأجلهم، وتعبيرٌ عن خيار السلوك إلى الحبيب بأحبّائه، ودرجةٌ عاليةٌ من التفاني مع الأطهار للعروج إلى الكمال. ولهذا التقرُّب ترجمة عملية من خلال: انتظار الظهور لإظهار الحق ونشر العدل على يد المهدي عجل الله فرجه، والعبور من الانتظار إلى الاتِّباع والنّصرة في مواجهة الأعداء، والاستعداد الكامل للشهادة مع أولياء الله بقيادة ولي الله الأعظم الحجة المنتظر عجل الله فرجه. وسرعان ما تظهر آثار التقرُّب بآل البيت عليهم السلام من خلال الفهم والسلوك والمسار العملي، وذلك لتثبيت منهجهم في كل مفاصل الحياة الشخصية والعامة.

* تجديد العهد
نستيقظ في كل يوم جديد، لنستقبل الحياة من جديد، وما نذكره في الصباح يساعدنا على مسار اليوم بأكمله، فلنفتتح صباحنا بتجديد العهد للإمام المهدي عجل الله فرجه، حيث ينعكس هذا التجديد على يومنا باختيار خط الولاية، ويضاف إلى أيامنا الأخرى التي راكمناها في البيعة، التي تتجذر في حياتنا وأدائنا كلما طال بنا الزمن ونحن بالانتظار. فعن الإمام الصادق عليه السلام أنَّه قال: "من دعا إلى الله أربعين صباحاً بهذا العهد, كان من أنصار قائمنا: اللهم إني أجدد له في صبيحة يومي هذا, وما عشت من أيامي, عهداً وعقداً وبيعةً له في عنقي، لا أحولُ عنها ولا أزولُ أبداً، اللهم اجعلني من أنصاره وأعوانه, والذَّابين عنه, والمسارعين إليه في قضاء حوائجه، والمحامين عنه, والسابقين إلى إرادته، والمستشهدين بين يديه" (3).

* العبادة لله تعالى
أوَّلُ خطوات التجهيز لسلوك درب الولاية والطاعة لله تعالى أداءُ العبادات، فهي التي تصقل الشخصية المؤمنة، وترقى بها إلى المستوى اللائق للالتحاق بأنصار الإمام المهدي عجل الله فرجه. ولذا يتميز أصحاب المهدي عجل الله فرجه بقيام الليل، الذي يشحنهم بقوة مواجهة أعداء الله تعالى، وهم الذين ينيرون طريق الهدى للناس، ويحملون أرواحهم على أكفهم في سبيل الله تعالى. فعن الإمام الصادق عليه السلام: "رجالٌ لا ينامون الليل، لهم دويٌّ في صلاتهم كدوي النَّحل، يبيتون قياماً على أطرافهم، ويصبحون على خيولهم، رهبانٌ بالليل ليوثٌ بالنهار، هم أطوعُ له من الأَمَة لسيِّدها، كالمصابيح, كأنَّ قلوبهم القناديل، وهم من خشية الله مشفقون, يدعون بالشهادة، ويتمنَّون أن يُقتلوا في سبيل الله" (4).

* الورع ومحاسن الأخلاق
عن الإمام الصادق عليه السلام: "من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم, فلينتظر, وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده, كان له من الأجر مثل أجر من أدركه، فجدُّوا وانتظروا، هنيئاً لكم أيتها العصابة المرحومة" (5). من آداب الغيبة، أن لا يدَّعي المرء ولايته لصاحب الزمان عجل الله فرجه، إلاَّ إذا كان من أصحاب الصفات الإيمانية التي تحيط بها التقوى والورع، وتتجلى في محاسن الأخلاق في العلاقة مع الناس، ليكون قدوةً حقيقيةً في مجتمعه، ونموذجاً عملياً لأنصار القائم عجل الله فرجه، فأنصاره هم المؤمنون المجاهدون وأصحاب الأخلاق السمحاء، فهم موسومون بالآداب الإسلامية في السلوك بدافع الورع، وهذا ما يؤهلهم ليكونوا من أنصاره وأعوانه عجل الله فرجه.

* إحياء أمرهم عليهم السلام
إنَّ إحياء أمر الأئمة عليهم السلام هو الترجمة العملية للاقتداء بهم وترويج منهجهم، وهو المؤشر على مدى الارتباط بهم، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "أحيوا أمرنا رَحِمَ الله من أحيا أمرنا" (6). من المعلوم أن الإكثار في ذكر أمرٍ ما، هو التعبير العملي عن الحب والتفاعل، ومن أقلّ الوفاء والأدب مع ولي أمرنا المُعظَّم أن نُكثر ذكره ونحيي أمره، بذكر سيرته، وتأكيد ارتباطنا به في غيبته، وانتظار ظهوره، ونشر تعاليمه، والأنس بما ورد عنه.


(1) جمال الأسبوع, السيد ابن طاووس, ص: 41 .
(2) م.ن, ص: 42 .
(3) بحار الأنوار, العلامة المجلسي, ج 53, ص: 96.
(4) م.ن, ج 52, ص: 308 .
(5) الغيبة, النعماني, ص: 207 .
(6) جامع أحاديث الشيعة البروجردي، ج 12، ص 547.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع