صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

سبع الدُّجَيل السيد محمد ابن الإمام الهادي عليه السلام

الشيخ تامر محمد حمزة


* النسب
هو فرعٌ من تلك الشجرة الطاهرة، وجوهرةٌ من جواهر آل محمد عليهم السلام، وحرفٌ من الكلمة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء، وحلقةٌ في السلسلة الذهبية، وسليلُ الدوحة الهاشمية، إنه السيد محمد ابن الإمام الهادي عليه السلام، صاحب الكرامات الباهرة.

* ترجمته
ولد السيد محمد سنة 228 هجرية في قرية صريا، وهي من ضواحي المدينة، والتي تبعد عنها ثلاثة أميال. وقد أسسها الإمام موسى الكاظم عليه السلام (1). كنيته أبو جعفر وأبو علي وأبو أحمد ومن ألقابه "سبع الدجيل" و"سبع الجزيرة" و"أبو البرهان" و"أبو البشارة". وهو أكبر إخوته الثلاثة الإمام العسكري عليه السلام وجعفر وحسين المدفون مع أبيه وأخيه في سامراء. وقد تخلّف بتسعة بالرغم من صغر سنه وهم جعفر وعبد الله ولطف الله وعناية الله وهداية الله ومحمود وأحمد وعلي واسكندر. ولا زال من عقبه عشائر وقبائل منتشرة في بخارى وتركيا والعراق .

ذكره ابن الصباغ بقوله: "كانت جلالته وعظم شأنه أكثر من أن يذكر" (2). وقال فيه الشيخ عباس القمي: "ويكفيه فضلاً وشرفاً أنه كان أهلاً للإمامة وكان أكبر أولاد الإمام الهادي عليه السلام. ونقل عن المحدث النوري أنه قال فيه: "عظيم الشأن جليل القدر" (3).

* شخصيته
وقد وصفه علان الكلابي بقوله: "صحبت أبا جعفر محمداً بن علي وهو حدث السن, فما رأيت أوقر ولا أزكى ولا أجلّ منه" (4). وقد لازم السيد محمد أخاه الإمام الحسن العسكري عليه السلام في سامراء. وكان يروق له تلاوة القرآن، وعرف بين الناس بأنه من الزهّاد والعبّاد، وقد آمن بإمامة أخيه العسكري عليه السلام.

* سبع الدجيل
الدجيل (مصغّر دجلة، نسبة لنهر دجلة) هي مدينة معروفة بين بغداد وسامراء. ولما دفن السيّد في تلك البقعة لم تكن مأهولةً بالسكان، بل كانت نائية وخالية من سواد الناس وقراهم، على شكل برية مقفرة. وكان الزائرون عند زيارته يعيشون حالةً من الخوف والوجل من اللصوص وقطاع الطرق، في ظل عدم تمكّن السلطات المحلية من توفير الأمن والاستقرار للناس. فكانوا يشاهدون سبعاً ضارياً يجوب الأرض التي حول القبر الشريف، وربما شاهدوه وهو رابض على القبر نفسه ليلاً ونهاراً. وكان لا يدع أحداً من المعتدين على زوّاره أو حرمه إلا ونكّل به أو أبعده عن المنطقة، ولذلك كان زوّاره ينعمون بالراحة والاطمئنان ما داموا في حرمه. وهذه القضية من الأخبار المتواترة واليقينية ولأجله سُمّي بسبع الدّجيل.

* وقائع وحوادث
عاصر السيد محمد أربعةً من حكام بني العباس، وهم المتوكل والمنتصر والمستعين والمعتز. وعاصر حوادث مؤلمة، أهمّها وأعظمها إقدام المتوكل العباسي على هدم قبر جده الحسين عليه السلام عام 236هـ، وقتله للأديب الموالي لأهل البيت ابن السكيّت عام 244هـ، ورحيل شاعر أهل البيت عليهم السلام دعبل الخزاعي، وثورة العامة في سامراء وبغداد، وفتح السجون وقيام الأتراك والمغاربة بنهب القرى والضياع ما بين عكبرا وأوانا، وتهديم المنازل وسلب الناس .

* وقفة تأمُّل
نُقل في بعض الكتب التاريخية أو كُتُب التراجم أن الشيعة كانت تزعم أنه الإمام بعد أبيه الإمام الهادي عليه السلام. كما تعرض لذلك المحدث النوري حينما قال: "كانت الشيعة تزعم أنه الإمام بعد أبيه، فلما توفي نص أبوه على أخيه أبي محمد الزكي عليه السلام قائلاً: أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً" (5).

* أقول
لعل زعم الشيعة أنه الإمام بعد أبيه الإمام الهادي عليه السلام يعود إلى أحد أمرين:

أولاً: لاشتهاره بحلمه وعلمه وحكمته ولما كان يتحلى به من صفات ملكوتية وأخلاق عالية تلامس أخلاق الأنبياء والأئمة عليهم السلام، لا سيما أنه من بيت أذهب الله عن أهله الرجس، مع اعتقاد الشيعة بضرورة استمرار الإمامة بعد الإمام الهادي عليه السلام، في الوقت الذي لم يكن قد نَصّ فيه بعد على إمامة ولده العسكري عليه السلام، مضافاً إلى أنه أكبر أولاده، فمجموع ما ذُكر يشكل قرائن على إمامته .

ثانياً: الظروف السياسية المحيطة بدار الإمام الهادي عليه السلام وحركته، حيث إنَّ المقرَّبين من الإمام عليه السلام كانوا تحت المراقبة الشديدة من قبل حكَّام بني العباس. وبما أنَّه من المهام الأساس الموكلة إلى الإمام رعاية وحماية الإمام من بعده لتستمر الإمامة إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً، فربما كان سكوت الإمام عليه السلام عمَّا اعتقده الشيعة ولم يردعهم عن ذلك ليصرف نظر الحكَّام عن الإمام الفعلي, وإذا أسرَّ إلى بعض الناس بإمامة ولده الحسن عليه السلام، فإنَّما يكون ذلك لبعض الخلّص من شيعته كما في الحديث المروي في الكافي والإرشاد (6) وإعلام الورى، قال أحد أصحاب الإمام الهادي عليه السلام: "كنت مع أبي الحسن عليه السلام في صحن داره، فمرّ بنا ابنه محمد، فقلت له: جعلت فداك أصاحبنا بعدك ؟ فقال: لا, صاحبكم بعدي الحسن عليه السلام" .

* وفاته
بعد أن رحل الإمام الهادي عليه السلام إلى سامراء بأمر من المتوكل العباسي، وقد حمله إليها يحيى بن هرثمة في جمادى الآخرة عام 232هـ، خلّف ولده محمداً في مسقط رأسه صريا. وبعد مدة طويلة ومريرة من الفراق، ورد السيد محمد إلى سُرَّ مَنْ رَأَى لزيارة أهله، ومكث فيها مدة من الزمن، لازم فيها أخاه الإمام العسكري عليه السلام وما كان يفارقه أبداً "ولما عزم على الرجوع إلى المدينة ودّع أهله وأحِبّته في سامراء ومضى حتى إذا وصل إلى قرية بلد على تسعة فراسخ من منطقة الدّجيل مرض وثقل به مرضه، فتوفي هناك ودفن في الموضع نفسه. ويعتقد بعض المؤرخين (7) أنه سُقيَ السم من قبل أعدائه وحساده من العباسيين الذين شق عليهم أن يروا تعظيم الجماهير وإكبارهم إياه، وكان ذلك عام 252 هـ قبل شهادة أبيه بسنتين أو ثلاث عن عمر يقارب 24 سنة. وقد حضر أبوه الإمام الهادي عليه السلام مراسم تجهيزه والصلاة عليه ودفنه ثم التفت إلى ولده الإمام العسكري عليه السلام قائلاً له: "يا بُنيّ أحدث لله تبارك وتعالى شكراً فقد أحدث فيك أمراً" (8). وقد شق أبو محمد (ع) عليه ثوبه وقال في جواب من عاب عليه "قد شق موسى على أخيه هارون" (9).


(1) المناقب، ابن شهر آشوب، ج 4، ص 382.
(2) الفصول المهمة في معرفة الأئمة عليهم السلام ـ ابن الصباغ ـ ص 2.
(3) مفاتيح الجنان، الشيخ عباس القمي، ص 603.
(4) المجدي في أنساب الطالبيين، علي بن محمد العلوي، ص 131.
(5) مفاتيح الجنان، ص 603.
(6) الكافي، الكليني، ج 1، ص 245.
(7) من هؤلاء المؤرخين: الشيخ باقر شريف القرشي، القزويني، السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة.
(8) الكافي، ج 1، ص 326.
(9) مفاتيح الجنان، ص 603.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

لبنان - الجنوب - دبعال

الشيخ علي فاعور

2019-03-06 16:20:51

برجاء التنبّه إلى عدم نشر ما لم تثبت صحته، أو ليس أقل ما لا يُطمئن بصحته أو وروده؛ خاصة إذا كان في الرواية أو الخبر ما يسيء للمعصوم (شق الإمام ثوبه - ما يوحي بالجزع).... و دمتم... دبعال :٢٨ جماد الثاني ١٤٤٠ هجري...٠٦ آذار ٢٠١٦