صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

أدب ولغة: كشكول الأدب


إعداد: إبراهيم منصور


* من جذور الكلام
"بكالوريا": كلمة تعني: "الشهادة الثانوية"، ولكنْ ما هو أصلها، وقد باتت تعبيراً عالميَّاً؟ إنَّ لها قصَّةً نبتت في حوض البحر الأبيض المتوسّط، شجرةً مورقة في كلّ الفصول تدعى شجرة الغار "Laurier" أما اسمها العلمي فهو "الغار الكريم النسب Laurus Nbili". خشب هذه الشجرة صلب، وقد ترتفع إلى حوالى 12 متراً. لكنّ معظم هذا الشجر صغير الحجم. رائحة أوراقها عطِرة، ولها فوائد طبيّة، فهي تقضي على العفونة وتدرُّ البول وتشفي من الحمّى وداء المفاصل. وقد تُستعمَلُ لتجفيف اللحوم واتقاء الصواعق. ذكَرها الشعراء منذ القدم، وكرَّسها الإغريق ثم الرومان لتمجيد بعض آلهتهم في الاحتفالات الدينية. وتُضفَرُ أغصانُها تيجاناً على جباه الأبطال والشعراء.  لذا أصبحت أغصان الغار تُضْفَرُ أكاليلَ وتيجاناً على جباه المنتصرين في المعارك، أو المتفوقين في السباق، أو الناجحين في الامتحانات! ثم أُعطي هؤلاء الناجحون وثيقةً رسميةً تؤكّد على نجاحهم وانتصارهم، سُمِّيَتْ "بكالوريا Bacca lauria"، أما معناها فهو حوض الغار، أو جنى الغار، أو حقَّق الانتصار!

* قالت لي المرآة
ـ أراكَ تقرأ القرآن، ومن جديد تقفُ عند آيةٍ فيه متحيِّراً. فما الذي استغلقَ عليك فهمُه، هذه المرَّة؟
ـ إنها الآية (26) من سورة البقرة ﴿إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا... ، وإني أعجَبُ كيف يضربُ الله مثلاً بعوضةً، تلك الحشرةَ الصغيرة جدّاً، ولمْ يضرب مثلاً الفيل!
ـ ما عَهِدْتُكَ إلا من المؤمنين الذين يعلمون أنه الحقُّ من ربِّهم، فما بالُكَ تتَّخذ كِبَرَ الحجم مثالاً للعَظَمة؟! لعلَّك تُفضِّلُ الطُّرودَ الكبيرة، وتزهدُ بالأصداف الصغيرة حيث يربو في أرحامها اللؤلؤ!

* عجيبٌ أمرُكَ!
ألم تقرأ حديث الإمام جعفر الصادق عليه السلام في شرح هذا المثَل القرآني إذ يقول: "ما خلق الله خلقاً أصغر من البعوض... وما في الفيل شيء إلا وفيه مثله وفضّل على الفيل بالجناحين وبالرجلين؟" (1) ألا تعلمُ أنّ الله، سبحانه، قد خلَقَ لهذه البعوضة جميع الأجهزة والأعضاء الحيوية التي خلقها للفيل؟! حتى الخرطوم وهو الآلة المميَّزة لدى الفيل تمتلكُه البعوضة، وهو يعملُ لديها بكيفيَّة أشدَّ غرابةً وتميُّزاً؛ فهو عبارة عن أسطوانة تُفتَحُ جانبيّاً، وتخرجُ منها عُدَّةُ العمل، بدءاً بالقرنين وهما مجسَّان تتحسَّسُ بهما البعوضة وتُعيِّنُ موضع اللَّسْع، ثمَّ التآشير التي تعمل كمبضعِ الجرّاح (المشرط) فتقطعُ بها جلد الضحيَّة (وهنا الإحساس بألم اللَّسعة)، ثم المحقنة التي تحقن الجرحَ المُحْدَّث باللعاب، ثم المصَّاصة التي تغرِزها البعوضة في الجرح لتمتصَّ بها الدم. وعند انتهاء عملية سحب الدم تَعمدُ البعوضة إلى تنظيف تلك الأدوات العاملة، بوساطة مسحها بجسم الضحيَّة، ثمَّ تحفظ تلك الأدوات نظيفةً في غِمدها الأُسطوانيّ المشبَّه بخرطوم الفيل، استعداداً لغارةٍ جديدة! وليس هذا فحسب، بل إنّ الخالق العظيم قد خصَّ البعوضة كما يُستفادُ من حديث الإمام الصادق عليه السلام.ـ بعضوين لَيْسَا للفيل، هما قرنا الاستشعار (الشبيهان بالهوائيَّات Angennes) للتعامل مع الكائنات الأخرى، والجناحان الغشائيَّان اللطيفان. أَعرفتَ، الآن، لِمَ ضربَ الله مثلاً هذه البعوضةَ الصغيرة المعجزة في خَلْقها؟! عندئذٍ، خشغتُ لربِّ العزَّةِ قائلاً: سبحانك، بيدك المُلْك، إنك على كلّ شيءٍ قدير.

* من أجمل الشعر
ما قاله، في العزَّة الإلهيَّة، العارفُ المتصوِّف شهاب الدين السُّهرَوَرديّ (2)، وهو شاعر جميل الديباجة، يُعتبَرُ شعرُه الصوفيُّ غايةً في الصدق والرقَّة والإحساس:

 

 أبداً تحِنُّ إليكمُ الأرواحُ

فوصالُكم رَيْحانُها والراحُ

وارحمتا للعاشقينَ تكلَّفوا

سَتْرَ المحبَّة، والهوى فضّاحُ

بالسِّرِّ إن باحوا تُباحُ دماؤهم

وكذا دماءُ العاشقينَ تُباحُ


* من أجمل التشبيه
قولُه تعالى: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ (النور: 35). و"الشجرة المباركة" هي النبي إبراهيم عليه السلام لكون أكثر الأنبياء من صلبه، وذلك من آثار البركة، ولأن من صلبه نبينا صلى الله عليه وآله الذي هو أصل البركة وفرعها. قال أبو عبد الله عليه السلام في قوله تعالى: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ: "فاطمة عليها السلام "فيها مصباح" الحسن "المصباح في زجاجة" الحسين "الزجاجة كأنها كوكب درّي" فاطمة كوكب درّي بين نساء أهل الدنيا "يوقد من شجرة مباركة" إبراهيم عليه السلام..." (3).

من أبلغ الكلام
ما جاء في خطبة الأشباح (4) للإمام علي عليه السلام، حيث أبدعَ أروعَ الاستعارات التي يندرُ أن تُخايلَ الذائقةَ الفنيَّة لشاعرٍ أو أديب؛ فإذا بالجبالِ تتنفَّس عن معادنها، وإذا البحارُ تضحكُ أصدافُها فاغرةً أفواهَها اللؤلُئيَّة، وإذا الدُّرُّ يُنْثَرُ والمرجانُ حصيد! لقد أراد الإمام عليه السلام أن يصفَ مبلغَ جُود الله سبحانه وسَعَةَ رزقه، وعظيمَ آلائه، فقال: "لو وهَبَ (الله) ما تنفَّستْ عنه معادنُ الجبال، وضحكَتْ عنه أصدافُ البحار من فِلِزِّ اللّجَيْن والعِقْيان (5)، ونُثارةِ الدُّرِّ وحصيدِ المرجان، ما أَثَّرَ ذلك في جوده، ولا أنفدَ سَعَةَ ما عنده". وقال عليه السلام في موضع آخر، متحدِّثاً عن كلِّ من يَشْهَدُ الحقيقة ثم يُخفيها، مكابَرةً أو جَهالةً أو افتراءً على الحقّ: "أَشُهودٌ كغُيَّاب؟ وعبيدٌ كأرباب؟.. أيُّها الناس، فإني فقأتُ عينَ الفتنة.. بعد أن ماجَ غَيْهَبُها (6) واشتدَّ كَلَبُها.. وأيمُ الله، لَأَبْقُرنَّ الباطلَ حتى أُخرِجَ الحقَّ من خاصرته"(7).

* الثنائيّات
ـ النقيضان: العِصاميُّ والعِظاميّ، فالعصاميُّ هو مَنْ يفتخر بنفسه، ومَنْ وصلَ إلى غايته بقدراته الذاتية. وهو منسوب إلى عصام، وكان حاجباً عند الملك النعمان، ثم صارَ ملكَاً، فقال بعضُهم:

نفسُ عصامٍ سوَّدَتْ (8) عصاما

وصيَّرتْهُ مَلِكاً هُماما

وعلَّمَتْه الكرَّ والإقداما


فصار مثلاً يُضرَبُ لمن نال شرفاً غيرَ موروث عن آبائه. ونقيضُه العظاميُّ، وهو الذي ورث الشرفَ عن أسلافه، وهو نسبة إلى "عِظام السَّلَف"، فيقولون: "فلان عِظامي"، لمن يفتخر بعظام آبائه. أمَّا هو فليس على شيء إلّاَ الترَّهات والأباطيل!.

ـ الفرقدان: الفرقد نجم قريب من القطب الشمالي يُهتَدَى به، وبجانبه فرقد آخر أخفى منه، فهُما فرقدان يُضرَب بهما المثل في التجاور والتلازم. يقول عمرو بن معد يكرب الزبيدي:

وكلُّ أخٍ مُفارقُه أخوهُ


لعمرُ أبيكَ إلا الفرقدانِ (9).


ـ الأَذَلَّان: العَيْرُ والوتدُ، أي الحمار والخشبة التي تُغْرَزُ وتثبَّتُ في الأرض أو الجدار لتُشَدَّ إليها أطنابُ الخيمة (حبالُها). يقول الشاعر المتَلمِّس الضبعي في هَوانهما:

 ولا يُقيمُ على خَسْفٍ يُرادُ به

إلّا الأذلّانِ عَيْرُ الحيِّ والوتدُ

هذا على الخسْفِ معقولٌ برُمَّته (10)

وذا يُشَجُّ فلا يبكي له أحدُ


لذا قالت العرب في أمثالها: "بجبهةِ العَيْرِ يُفْدَى حافرُ الفرسِ"!


(1) بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 108، ص 38.
(2) نسبة إلى سُهْرَوَرْد حيث وُلد، وهي مدينة جبلية في إيران. عُرِفَ بشيخ الإشراق.
(3) الكافي، الشيخ الكليني، ج 1، ص 195.
(4) نهج البلاغة، خطب الإمام علي عليه السلام، ج 1، ص 161.
(5) العِقيان: الذهب الخالص.
(6) الغَيْهَب: شدَّة سواد الليل.
(7) نهج البلاغة، ج 1، ص 188.
(8) سوَّدَتْه: جعلَتْه سيّداً.
(9) لسان العرب، ابن منظور، ج 15، ص 432.
(10) الرُمَّة: القطعة من الحبل البالي، وهنا: الرَّسَن. يُقال: أخذَ الشيء برُمَّته، أي كُلَّه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع