أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أدب ولغة: الخيميائي.. نبض عربي في روح أمريكا


زينب الطحان


كتب الروائي العالمي البرازيلي باولو كويلو في مقدمة روايته "الخيميائي"، المترجمة إلى العربية: "تُبيّن لنا هذه القصة الجميلة المقتبسة من موروث التصوف في الإسلام، أن أحد أقدم الطرق التقليدية، التي اعتمدها الإنسان لنقل معرفة جيله، كانت القصص والروايات، وفي ما يتعلق بي كانت الثقافة العربية إلى جانبي خلال معظم أيام حياتي، تبيّن لي أمورا لم يستطع العالم، الذي أعيش فيه أن يفقه معناها"...

* أهمية عالم الرواية:
يحق لنا أن نعلق على هذا الكلام من ناحيتين: الأولى: الالتفات إلى أهمية الروايات والقصص في عالمنا اليوم، وهي بفضل تطور الفن السابع "السينما" ووسائل التواصل والاتصالات التكنولوجية والعلمية المذهلة، بات لعالم الرواية والقصة أهمية قصوى بلغ معها أن وسائل الإعلام تعتمدها مدخلاً لأي خبر أو موضوع تودّ الإخبار عنه، فقد أضحت تتغلغل في كل حنايا وسائلنا الحياتية، ولا بد من القول إن القرآن الكريم غني بأسلوبه القصصي والحكائي في متن السور الشريفة، حيث أعطى الإسلام دورا مهماً في تفعيل القصة ومفهومها. ولفتني بشدة خطاب للإمام الخامئني دام ظله في محاضرة قيّمة ألقاها منذ مدة بين طلاب إحدى الجامعات في طهران، ركّز فيها على عالم الرواية والقصة وأبرز أهميتهما العالية في التبليغ والإرشاد ونشر الإسلام.  من الناحية الثانية، هذا اعتراف كبير وجريء من أكبر روائيي الغرب، بهذا الفضل للثقافة العربية والإسلامية التي بسطت نورها ذات عصر تاريخيٍّ على معظم شعوب العالم وأمدّتها بالرؤية النيرة وأساليب فكرية مزهرة لتفتح العقل الإنساني.. دهشت عندما قرأت هذا الاعتراف المتسم بالنبل، ولكن عندما عرفت أن الروائي هذا من أمريكا اللاتينية، من البرازيل، خفّ اندهاشي، لأن هؤلاء شعب مثلنا تقريباً خضعوا للاحتلال الكولونيالي(1) عقوداً طويلة، وذاقوا مرارة أن يدوس الاحتلال على أبسط أشكال الثقافة المحلية بالبلد الخاضع للاحتلال، وهذا ما يحررهم إلى حد مهم من عقدة إنكار الآخر. فمن الغريب أن هذا الأثر الكبير للكولونيالية محدود في أدب الروائي العالمي باولو كويلو عندما يدرك بمزاجية فذة أهمية الثقافة العربية في تشكيل بنى الثقافات العالمية لا بل في أن تمتلك مكانة تفوق مكانة تلك الثقافات في تحديدها للعديد من المفاهيم والرؤى والقضايا. وكلنا يعرف أن هذه الثقافة صقلت بالعقيدة الإسلامية شكلا ومضموناً، فتركت هذا الأثر البليغ في ثقافات الشعوب. وهو عندما يقول: "واليوم أستطيع للمرة الأولى أن أرد على المَكْرُمة بمثلها" فهو يقصد أن يرد الجميل للثقافة العربية لما ساعدته في تشكيل شخصيته الخاصة والروائية في الآن نفسه، ويرى أن ترجمة هذه الرواية بالذات إلى العربية تأتي عربونا عن شكره وامتنانه، خصوصا أنها مستمدة من التراث العربي، وتستلهم الفلسفة العربية الإسلامية في البحث عن السعادة والمغامرة والتفاعل مع الحياة والكون وفهم الناموس العام الذي ينظم الكون في منظومة موحدة. وهنا تكمن أهمية أن تحقق رواية الخيميائي نجاحاً عالمياً جعلت كاتبها من أشهر الكتاب العالميين. وهنا نأتي إلى السؤال ما هي قصة "الخيميائي"؟ ولماذا نالت تلك المكانة المرموقة بين رفوف الأدب العالمي؟ سنجيب على هذين السؤالين ولكن أولاً دعونا نتعرف على هذا الروائي.

*باولو كويلو روائي "روحاني":
السيرة الراهنة للروائي البرازيلي الأكثر شهرة باولو كويلو، ولِد في مدينة ريّو دي جانيرو العام 1947، تقف على النقيض تماماً من صورته في مطلع شبابه. الشخص الروحاني اليوم كان مدمن مخدرات وفاشل، انتهى إلى مصحٍّ عقلي، ثم متشرّداً على دروب الهيبيز في حمّى أميركا الستينيات، وراديكالياً متطرفاً في مواجهة التقاليد والنظام السياسي في بلاده آنذاك. هو يعترف(2) بتجارب من ماضيه المؤلم مع السحر الأسود والطقوس الشيطانية التي انخرط فيها ذات يوم، قبل أن يجد طمأنينته في مقاربة ما هو ميتافيزيقي. السفر والترحال عادة قديمة رافقت كويلو، فهو خلال تجواله في خرائط العالم، سواء عندما كان كاتباً للأغاني أو حين صار روائياً مرموقاً، كان يكتشف عن كثب ما تصنعه الحياة من قصص تستحق أن تُروى. ليس لدى كويلو أوهام حول الشهرة أو صورة الكاتب ومشاغله الوهمية، يقول في هذا الصدد "علينا أن نجعل الأمر مفهوماً بأنّ الكاتب لم يعد أكثر أهمية من شخص يبيع جوز الهند". شهرة كويلو كاتباً مرموقاً ظلت في دائرة القراء العاديين، إذ يرى معظم نقاد رواياته أنّ ما يكتبه يقع في خانة الإرشادات الروحية، لكن كويلو يدافع عن بساطته باعتبارها أداة للوصول إلى جميع القراء. يقول مبرراً نمط كتاباته "لا أعتقد بأنّ هناك طريقة واحدة صحيحة للكتابة. لكل من الكتّاب شخصيّته وخصوصيّاته، وكلُّ يكتب للقارئ الخاص به". مهما يكن من أمر، إذا أحببنا باولو كويلو بشغف، أو اعتبرناه مجرّد "بائع جوز الهند" كما يقترح بنفسه، فإنّه يبقى في المصاف الأخير، كاتباً مثيراً للجدل والمشاعر الحادة، وقادراً على إيقاظ الحس الضائع تجاه الغموض والسحر.

*الخيميائي رواية مغرقة في البساطة والحكمة:
لم يوزع من رواية "الخيميائي" في البداية سوى 900 نسخة، بل إن الناشر اعتبرها عملاً فاشلاً لدرجة أنه أعاد لكويلو حقوق النشر. بعد ذلك نشرها كويلو عند ناشر آخر لتصبح الرواية الأكثر مبيعاً في الأدب البرازيلي في القرن العشرين، وتتصدر قائمة الروايات الأكثر مبيعاً في ثمانية عشرة دولة، ويباع منها فوق الأربعين مليون نسخة في مئة وخمسين دولة، وتترجم لأكثر من ست وخمسون لغة، حتى أنه في العام 2003 (بعد خمسة عشر عاماً من نشر الرواية) كان ترتيب الرواية السادس على العالم في مستوى المبيعات.

* قصة الرواية:
تدور الرواية حول فتى أندلسي "سانتياغو" تعلم في المدرسة واختار أن يرعى الغنم اعتقادا منه أن ذلك يجعله يسافر ويتعلم أكثر. يرى الفتى في المنام نفسه مع طفل يدله على مكان كنز في الأهرامات، ويتكرر الحلم فيقرر أن يحققه بعد أن تفسّره له عجوز غجرية كما يلتقي سانتياغو برجل عربي عجوز يقدّم له نصيحة لتساعده في معرفة مكان الكنز المخبوء. يسافر سانتياغو إلى طنجة ويتعرّض لأحداث عديدة ولكنه ما يلبث أن يلتقي رجلاً انجليزياً سافر منذ عشر سنوات ليتعلم الكيمياء ويريد أن يسافر إلى مصر ليقابل كيميائياً عربياً يقيم في واحة الفيوم استطاع أن يحضر إكسير الحياة الذي يطيل العمر ويحمي من المرض وأن يكتشف حجر الفلاسفة الذي يحول المعادن إلى ذهب، وأقنع سانتياغو بمرافقته إلى مصر لعله يجد كنزه. فانضما إلى قافلة كبيرة متجهة إلى مصر تعبر القافلة الصحراء ويتعلم سانتياغو أشياء كثيرة، ويتعرف في الليالي على أشخاص حكماء وشجعان، وتتوطد علاقته بالإنجليزي. يمكث سانتياغو في واحة الفيوم فترة طويلة بسبب حروب طاحنة بين القبائل، ولأنه يتقن اللغة العربية فقد استعان به الإنجليزي للبحث عن الكيميائي المقيم في الواحة. وبعد أحداث قتالية مع القبيلة يأتي الكيميائي إلى سانتياغو ويتعارفان ويتحدثان طويلاً وينصحه أن يتبع حلمه. ويتعرضان في طريقهما إلى عقبات عدة ولكنهما يتجاوزانها. ويمضى سانتياغو إلى الأهرام وتبهره بعظمتها ويتبع الإشارات حتى يهتدي إلى المكان الذي يجب أن يحفر فيه، ويمضى الليل طوله يحفر، ولكن يتعرض له فارس ملثم يتركه في ما بعد. وفهم الفتى سانتياغو الإشارة، وعرف أن الملك العجوز والكيميائي والفارس الملثم هم شخص واحد، وأنه ترك له الذهب عند الراهب ليعود إلى إسبانيا، ورجع إلى قريته واستخرج الكنز، كان صندوقا مليئا بقطع ذهبية قديمة وأحجار كريمة وأقنعة ذهبية وتماثيل مرصعة بالماس ومخلفات غزو نسيته البلاد منذ زمن بعيد، لقد وجده في قريته تحت شجرة الجميز كما أخبره الفارس.


(1) يقصد بها فترة الاحتلال الإمبريالي لبلد ما بالقوة العسكرية الكولونيالية وتأثيرها الثقافي إلى حدود بعيدة إلى الثقافة المحلية للمستعمَر.
(2) في حوار له مع الصحافي الإسباني جان إيرياس الذي تضمّنه كتاب بعنوان "اعترافات مسافر حاج" وعرّبه عز الدين محمود عن "دار ورد" الدمشقيّة.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع