صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين آخر الكلام | الضيفُ السعيد الافتتاحية| الأمـومـــة... العمل الأرقى  الشيخ البهائيّ مهندسٌ مبدعٌ في العبادةِ... جمالٌ مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص

شهيد الدفاع عن المقدّسات القائد عباس حيدر ريّا (أبو الفضل)


نسرين إدريس قازان


اسم الأمّ: سلطانة ريّا.
محلّ الولادة وتاريخها:
تمنين التحتا 26/11/1979م.
رقم القيد:
58.
الوضع الاجتماعي:
متأهّل.
تاريخ الاستشهاد:
حلب 20/4/2014.


الحكمة نور يُقذف في القلوب فينير الدروب. والله يجتبي تلك القلوب الصافية منذ طراوة عظام أصحابها. وعبّاسُ، ابن البيئة المتديِّنة، كان فتىً في الثالثة عشرة من عمره، يعود من المدرسة ليساعد أهله في عملهم، ولكن عقله كان يُخطّطُ لحياته التي قرَّرها، وسرعان ما أفصح لوالده عنها.

* فتىً عَرف إلى أين
كيف يمكن لفتىً صغير أن يترك كلّ شيء ليلتحق بالدورات العسكريّة؟! ليس لأنّه مفتونٌ بالسلاح والرصاص، وليس لأنّ الحالة الثوريّة أغرت مراهقته، بل لأنّه درس جيّداً قراراته وعرف إلى أين يريد الوصول. وحينما جلس إليه والده وإخوته الذين يكبرونه ليثنوه عن قراره لصغر سنّه، قال لهم: "هذا مصيري ولن أحيد عنه". أمّا أمّه التي رقّ قلبها عليه لطراوة عظمه على التدريب القاسي، أجابها: "لستُ صغيراً، يجب أن نتدرّب لنكون على قدر ما سيواجهنا".

* مجاهد، عسكريّ، سياسيّ
وهكذا صارت كلمات عبّاس بين إخوته الاثني عشر ترسم بوصلةً واضحةً للخيارات، صار يحدّثهم عن المتغيّرات السياسيّة والعسكريّة. وقد تلقّف بوعيه المبكر وإصراره على بناء شخصيّةٍ جهاديّة واعية وجادّة كلّ ما حوله؛ فكان مجاهداً عسكريّاً سياسيّاً.
لم يمنعه انشغاله من بناء ثقافةٍ عميقة واسعة شاملة، فدأب على الاغتراف من العلم. ولم يكتفِ بعلوم الدورات التي خضع لها طوال فترة حياته التي صارت زاخرةً بالجهاد والتضحية.

* بين محاور الجنوب والبقاع
الفتى المطيع ليس لوالديه فحسب، بل لمن حوله، بأدبه وتهذيبه، كان صاحب مبدأ "النظر إلى الأمور من زوايا عدّة"، ويحثّ من حوله على ذلك؛ لأنّ تغيير النظرة إلى الأمور يغيّر من التعامل معها، وبالتالي تتأثّر العلاقات بها.
تميّز الحاج عبّاس بكبريائه وعزّة نفسه، إلى جانب حياء وخجل لافتَيْن، وشجاعة وبأس نادرين. منذ أن قرّر الالتحاق بالمجاهدين، عرفته محاور الجنوب، والبقاع الغربيّ، وكلّ بقعة نادته "حيَّ على خير العمل". سِجِلُّ يوميّاته حافلٌ بالعمل الدؤوب؛ حتى بات معروفاً بالاسم لدى العدوّ الإسرائيليّ، ومن المطلوبين لديه، وقد أصيب في العملية العسكريّة التي استشهد فيها القائد حسين محمد عليّ (كربلاء) في شباط من العام 2000م.

* إحياء مناسبات أهل البيت عليهم السلام

عندما نوديَ بالناس لمسيرة الأكفان نصرةً للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، بادر عبّاس مع ثلّة من الرفاق إلى السير لابسين أكفانهم من البقاع إلى بيروت، فصار الناس يلتحقون بهم في الطريق، وهو الذي كان حريصاً على إحياء مناسبات أهل البيت عليهم السلام، وخصوصاً عاشوراء، حيث كان يعود من عمله ليشارك في تعليق اليافطات وترتيب أماكن المجالس قبل أن يعود مسرعاً إلى خدمته، فكان ذلك بالنسبة إليه شرفاً لا يمكن تفويته. وحين شارك في معارك حرب الدفاع عن المقدّسات، وبالرغم من شدّة انشغاله لم يكن ليفوّت زيارة السيّدة زينب عليها السلام، حيث كان في بعض الأحيان يذهب في منتصف الليل ليزورها ولو لدقائق ثمّ يعود.

* صلاة وعمل
اتّخذ الحاج عبّاس من المسجد نقطة لقاء، ومن وقت الصلاة مواعيدَه، وبذلك كان يدعو الناس إلى المسجد للصلاة في أول وقتها. وكان لافتاً فيه ذكرُ الصلاة على محمّد وآل محمّد كلّما رأى صورة السيّد القائد أو ذُكر أمامه.
في حرب تموز من العام 2006م، كان الحاج عبّاس في قرية بيت ليف، وهناك عضّ على ناجذه قهراً لعدم السماح له بالمشاركة في المواجهات، أو ترك مكانه، فمهمّته اصطياد الطائرات، إلى أن وفّقه الله تعالى قُبيل نهاية الحرب إلى إسقاط الطائرة "يسعور" في "وادي مريمين"؛ توفيق أنساه قهر أيّام وتعب سنين.

* في الدفاع عن المقدّسات: أوّل المشاركين
مع أهله وزوجته مراقب مواكب لكلّ الأمور، ولم يسمح لغيابه الطويل أن يؤثّر قيد أنملة على حياته الأُسريّة، وكان يحضّر أولاده على صغر سنّهم أن يكونوا أبناء شهيد. لقد تأقلم أهله مع أولويّة عمله وغيابه المستمرّ بين دورات ومشاركات جهاديّة. وكان من أوّل المشاركين في حرب الدفاع عن المقدّسات، فشارك في التدريب وخاض معظم حروبها قبل استشهاده؛ فمن القصير إلى دمشق إلى الغوطة الشرقيّة، إلى حلب، إلى غيابٍ لن تثلج القلوب المنتظرة عودته.

* لتقرّ عين الزهراء عليها السلام
بعد غيابِ أشهر وأيّام، كان يعود عبّاس إلى أهله وعائلته وأطفاله، ولكن في الغياب الأخير، وصل إلى المصير الذي حدّده لنفسه منذ كان ابن ثلاثة عشر عاماً. فعبّاس أراد أن يفتح ثغرة في الطريق إلى قريتي نُبّل والزهراء المحاصرتَيْن، وأصرَّ على ذلك، حتى لو كلّفه الأمر ست وعشرين رصاصة استقرّت في جسده، وارتقى على إثرها شهيداً.
هي سنوات طويلة من العيش في خندق الجهاد، وأيّام قليلة رسم فيها حياته الخاصّة. كان واضح الهدف منذ صغره، ولم يَحِد عنه قيد أنملة، عبّاس الذي قال: "سنبذل كلّ الدماء لتقرّ عين الزهراء فداءً لكربلاء"، وَفَى ما عاهد الله عليه، ومضى شهيداً كما أحبَّ أن يمضي.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع