مع الخامنئي | نحو مجتمع قرآنيّ* اثنا عشر خليفة آخرهم المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف* أخلاقنا | اذكروا اللّه عند كلّ نعمة* مناسبة | الصيامُ تثبيتٌ للإخلاص مجتمع | "الأمّ بتلمّ" مناسبة | من رُزق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم حُبّها أذكار | شهر رمضان المبارك آخر الكلام | الأوراق المغلّفة الافتتاحية | ما أفضل أعمال شهر رمضان؟ القرآنُ مشروع حياة

تاريخ: الطابور الخامس


إبراهيم منصور


الطابور الخامس، اسم يترَّدد في العالم وعلى كلِّ لسان. كيف نشأ هذا الاسم وأين؟ ما هي دلالاته؟ نتعرَّف إلى ذلك من خلال رحلة خاطفة إلى قبيلة في أفريقيا وتحديداً إلى قبيلة الزولو.

في منتصف القرن التاسع عشر كانت بريطانيا تَمُدُّ سلطانها على القسم الأكبر من قارّة إفريقيا، خصوصاً إفريقيا الشرقيّة حيث ترامَتْ مستعمراتها من مصر شمالاً على البحر الأبيض المتوسط، حتى جنوب إفريقيا على المحيطَيْن الهندي والأطلسي، مروراً بالسودان وإثيوبيا (الحبَشة) وكينيا وأوغندة وسواها. لذا أرادت المملكة المتحدة أن تربط بين هذه المستعمرات المتنازحة جميعاً، لتسهِّل انتشار جيوشها وتنقُّلاتها وإمدادات المؤن والعتاد والأسلحة... إضافةً إلى التسهيلات التجاريّة والجمركيّة الاستعماريّة الأولى في ذلك العصر، إذ لم تكن الشمس تغيب عن مستعمراتها. من هنا نشأت فكرة سِكَّة الحديد تمدُّها بريطانيا بين الإسكندرية في مصر ومدينة الكاب في جنوبي إفريقيا. ولم يَلْقَ هذا المشروع، بطبيعة الحال، معارضةً من الأقطار الإفريقيّة المستعمَرة؛ لأنَّ الجميع وجدوا فيه مصلحة تجاريّة وحياتيّة وسياحيّة، ما عدا شعب "الزُّولو"، في جنوب إفريقيا، فقد رفض أن تقتطع بريطانيا مزيداً من أراضيه المعشبة التي يعتمدُ عليها لرعاية مواشيه وقطعانه، فهي الشريان الذي يَمُدُّه بالحياة.

* لمحة عن شعب "الزُّولو"

قبيلة "الزُّولو" هي أحد الشعوب الرئيسة الناطقة بلغة "البانتو: أزانيا" في قارَّة إفريقيا. كان يعيش نحو سبعة ملايين نسمة من هذه القبيلة في إقليم "كوازالو ناتال" الواقع في جمهورية جنوب إفريقيا. كانت الحكومة العنصريّة السابقة، في هذا البلد، وبدعم من الدّولة المستعمِرة بريطانيا، تُخضع شعب "الزّولو" والسّود عموماً، لسياسة التفرقة العنصريَّة، منذ مطلع القرن التاسع عشر.

* بداية الاشتباكات
في أوائل الأربعينيّات من القرن التاسع عشر، تزايد أعداد المستوطنين البيض، وتنامت حاجاتهم إلى مزيد من الأراضي الزراعيَّة والمياه، مما زاد من استياء شعب "الزّولو" من تعدِّيات المستوطنين على أراضيه وسرقة المياه الثمينة جداً فيها. فبدأت الاشتباكات المسلَّحة، وراحت تتزايد بانتظام، حتّى أصبح الصراع يتعلَّق بمستقبل السيطرة على جنوب إفريقيا. عام 1843 حاصر البريطانيّون ناتال، وأخذت موجات جديدة من المهاجرين بالاستقرار في أراضي "الزّولو". وخوفاً من انفجار الأوضاع بصورة شاملة، وانفلات الأمور من قبضة بريطانيا، حاول الانكليز تهدئة الأجواء، وراحوا يدعون جماعات "الزولو" للعمل لديهم في المزارع، وفي صناعة السكّر(1) التي كانت تعاني من نقص حادّ في اليد العاملة بسبب مقاطعة الأفارقة لهم. فطِنَ ملك "الزولو" "ماباند" لهذه الخدعة الانكليزية، فعقد العزم على مقاومة المستعمر الانكليزي وحليفته الحكومة العنصرية آنئذٍ، في جنوب إفريقيا. فاستلهمَ هذا الملك أسلوب سابقِهِ الملك الشهير "شاكا"، ودعا جميع الرجال والشبّان والفتيان، ابتداءً من سِنّ الرابعة عشرة، فشكَّل منهم قوَّة محاربة، في معسكرات تدريب قاسية، عُرِفَتْ بفِرَقِ الأعمار. عام 1867 عُثِرَ على حقول غنيّة بالماس في منطقة "كيمبرلي" في وسط البلاد، وكانت مناجم الذهب قد اكتُشفت، قبل ذلك، في منطقة "ترانسفال"(2). فحسم البريطانيون أمرهم بالسيطرة على هذه المناطق الغنيّة الجديدة، ممّا زاد في احتقان الأفارقة. تتويج "الملك الأسود" عام 1872 توفي الملك "ماباند"، فاجتمعت أمَّة "الزّولو" للتعزية وانتخاب ملك جديد. في تلك الأثناء كان نجم الزعيم "كيشوايا" يتنامى حتى انتُخب ملكاً على "الزولو". هنا عمدت بريطانيا، لتخفيف احتقان الأفارقة وغَلَيانهم، إلى الاعتراف بالملك الجديد، فأقامت له احتفالات تتويج شديدة الغرابة والكاريكاتورية، باسم ملكة بريطانيا. وكانت الغاية من هذا "الفولكلور" الانكليزي الزائف، أن يقبل هذا الملك الأسود، ويُقنع شعبه، بالحكم البريطاني لبلاده، وترك المقاومة، وحَلّ القوَّة المقاتلة (فِرَق الأعمار) والانصراف إلى الزراعة والرعي والعمل في مصانع البيض ومزارعهم ومناجمهم. لم يكن "كيشوايا" يثق بنوايا الإنكليز الخبيثة فقد دعا مقاتليه إلى الاستعداد للحرب.

* المعارك الحاسمة
عندما بلغت التوترات ذروتها بين الأفارقة والمستعمرين، في جنوب إفريقيا، أواسط العام 1879، بدأ الانكليز بتنفيذ مشروع سكَّة الحديد التي من شأنها أن تربط المستعمرات الانكليزية على امتداد إفريقيا الشرقيَّة، من مصر إلى جنوب إفريقيا، كما تَقَدَّم. وإذ لم تكن قبيلة "الزّولو" متعاونة مع البريطانيين، كما كانت قبيلة "الماساي" وسواها، فقد جهَّزت بريطانيا أربعة طوابير عسكريَّة من جنودها، إلى مناطق "الزولو" حيث جرت معارك طاحنة في النصف الثاني من العام 1879 -أشهرها معركة "اسندلوانا"- قُتل فيها أعداد كبيرة من شعب "الزولو" تعدُّ بالآلاف لأنّهم كانوا يستعملون في حروبهم الرّماح والتروس، معتمدين على بسالتهم ومعرفتهم بطبيعة بلادهم. أمّا الإنكليز فكانوا يستعملون الأسلحة الأوتوماتيكية الفتّاكة.

* الحيلة والخداع
لكنَّ بسالة شعب "الزولو" -وإصراره على الانتصار- مستفيداً من صموده وتطويل أمد المعارك، مكَّنت هذا الشعب شبه الأعزل، من إنزال ضربات أشدّ إيلاماً في صفوف البريطانيين، وكبَّدتهم خسائر فادحة، وكادت تهزمهم نهائيّاً، لولا أنّهم، كعادتهم، لجأوا إلى الحيلة والخداع؛ إذ تفتَّقت عبقرية الدهاء البريطاني عن جعل الإفريقي يقتل الإفريقي (أي نقلوا المعركة إلى البيت الداخلي الإفريقي). وهكذا يُصيبون ثلاثة عصافير بحجر واحد:
- سلامة الجنود البريطانيين.
- كسب المعركة من أهون سبيل.
- التأسيس لحروب إبادة قبلية، من شأنها أن تُطيل أمد الاستعمار بل وتُطالب ببقائه.  وما زلنا نشهد الآثار الدامية لتلك الحروب القبلية حتى اليوم في إفريقيا!.

* الطابور الخامس
وعليه فلم تَكْتَفِ بريطانيا بطوابيرها العسكرية الأربعة في شرق إفريقيا، والجنود فيها كلُّهم من البريطانيين، بل عمدَتْ إلى تشكيل "طابور خامس" من الأفارقة، خصوصاً من شعب "البوير" وشعب "الماساي"، إضافةً إلى الكثيرين من ضعاف النفوس من شعب "الزولو" نفسه. وعادت المعارك شديدة الشراسة، هذه المرَّة، لكنَّ الإمدادات العظيمة التي تلقَّاها الانكليز، والهجوم غير المدروس من قبل شعب "الزولو" بأسلحته التقليدية البدائية، إضافة إلى وجود الطابور الخامس الذي كان ينشط على الجبهة الخارجية ويأكل الجبهة الداخلية للشعب الإفريقي، قد قلبت موازين القوى وحسمت المعارك لصالح الانكليز، فانتصروا في النهاية، بعد أن استمرَّت المعارك ستة أشهر أظهر فيها شعب "الزولو" بسالةً نادرة. ومنذ ذلك التاريخ وتلك الأحداث، أخذ اسم "الطابور الخامس" يتردَّد في العالم للتدليل على عملاء الداخل الذين ينصرون عدوَّهم المحتلّ الغاصب ضدَّ شعبهم وأمَّتهم، وعلى حساب شرفهم وكرامتهم، لقاء حفنة من الجنيهات أو الدولارات!.


(1) مرتبة جمهورية جنوب إفريقيا: البلد الخامس عشر في العالم، في زراعة قصب السكر.
(1) تحتل جنوب إفريقيا المرتبة الأولى في الذهب، والثالثة في الألماس، في العالم.
* المصادر المعتمدة:
- قناة المجد الوثائقيّة.
- فيلم وثائقي على قناة ناشونال جيوغرافيك.
- أطلس العالم.
- المنجد في اللغة والأدب والعلوم.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع