نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

الوالدان ووظائف التربية

آية اللَّه مشكيني



﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (لقمان/ 14).

- مرحلة الحمل والرضاعة:
تبين هذه الآية الكريمة حالتين من حالات الإنسان في بدايات وجوده. الحالة الأولى هي مرحلة الحمل حيث يكون الإنسان جنيناً في رحم الأم. وبتعبير علمي يبدأ تكوُّن الإنسان منذ انعقاد النطفة في رحم الأم حيث يكبر وينمو حتى ينتقل إلى عالم الدنيا بعنوان طفل وليد. وهذا الخروج إلى عالم الدنيا هو مرحلة من المراحل المختلفة لوجود وتكوين الإنسان، ولكن هذا المسافر لا يدري شيئاً عن سفره في هذه المرحلة. وقد أشرنا باختصار في ما مضى إلى بعض المطالب المتعلقة بهذه المرحلة، وأما ما يتعلق بالمرحلة الثالثة وهي الطفولة أي ما بعد الولادة فسوف نتعرض له في هذه الحلقة.
وفي قوله: ﴿وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ إشارة إلى مرحلة الرضاعة ويستغرق السفر في هذه المرحلة سنتين حيث يقطع خلالها مراحل من الرشد والتكامل، وقد اهتم الإسلام بهذه المرحلة في حياة الإنسان وبين ثلاث وظائف وأحكام أساسية للمربي وهي:
1- الحضانة.
2- النفقة.
3- الولاية.

بالنسبة للحضانة فالبحث يتعلق أساساً ببيان حق رعاية وتربية الطفل لكل من الأب والأم. وهذا الحق بشكل طبيعي وشرعي مختص بالأم. ولذا عندما تكون الأم مستعدة لحفظ طفلها لا يحق للأب أن يسلبها هذا الحق ويعطيه لامرأة أخرى. نعم، لا يعني هذا حقها الطبيعي أنها مجبورة ومكلفة تكليفاً شرعياً بوجوب القيام بهذه المهمة، ولذا فلا يستطيع الأب أن يلزمها بحضانة الطفل، وفي حال رفضت حصانة طفلها فعلى الأب أن يستخدم امرأة أخرى صالحة لهذا العمل.

أما النفقة والولاية- بخلاف الحضانة، فهي من مسؤولية الأب. النفقة عبارة عن مصاريف الطفل التي تشمل جميع احتياجاته من الحليب واللباس وغيره، وحتى الإرضاع ليس واجباً على الأم. ومن هنا فإنه يمكن للأم أن تمتنع عن إرضاع طفلها كلياً، وفي هذه الصورة يجب على الأب أن يؤمن الغذاء للطفل فإما أن يعطي الأم أجرتها على الرضاعة أو يستأجر امرأة أخرى لذلك. نعم، إذا لم يكن الأب قادراً من الناحية المادية على أمين مصاريف الطفل والنفقة، فعلى الأم في صورة الإمكان، أن تهيىء نفقة الطفل.

* الولاية على الطفل:
الولاية هي حق التصرف بما يتعلق بالطفل ومصيره والولي هو من يمتلك هذا الحق. فإذا مرض الطفل مثلاً، فالأب هو من يمتلك حق التصرف بما يناسب معالجة المرض، فيأخذه إلى الطبيب أو المستشفى اللذين يختارهما هو. وكذلك بالنسبة للطفلة، فلا تستطيع الأم ولا أي شخص آخر من دون إذن الأب أن يجري عقداً عليها لرجل أجنبي حتى يصبح محرماً على الأم. فذا منوط بإذن الأب. كما أنه إذا كان للطفل أموالاً خاصة، جاءته عن طريق وراثة ميت مثلاً، فلا يحق لأحد التصرُّف في أمواله دون إجازة الأب. نعم هل تبقى هذه الحقوق للأب بعد انقضاء السنتين أم لا؟ هذه المسألة لا ترتبط ببحثنا هذا ولذا نكتفي بهذا المقدار.

* شكر الوالدين:
 ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير في صدر الآية الكريمة قال تعالى:  ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ . وفي ذيلها يقول: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ فهذا بيان للوصية الإلهية. فكما أنه لا بد من شكر الخالق والمنعم، كذلك لا بد من شكر الوالدين اللذين تعهداك في مرحلة الحمل والحضانة والنفقة والولاية وتعرضا في سبيلك لأنواع المشقات والآلام. هذه الوصية شاملة لكل الناس رجالاً ونساءً لأنهم جميعاً مروا في مرحلة الطفولة، ولم يذكرها اللَّه تعالى في القرآن فقط بل ذكرها في أغلب الكتب السماوية السابقة.

هنا لا بد من الإلتفات إلى نكتتين، الأولى وهي أن اللَّه تبارك وتعالى لم يحدد عملاً معيناً يؤديه الإنسان تجاه والديه وإنما قال بوجوب شكرهما. وقد ذكرنا سابقاً أن الشكر عبارة عن إبراز وإظهار النعمة في عمل الإنسان. ولذلك فإن شكر اللَّه والوالدين يجب أن يبرز في أقوال وأفعال الإنسان بحيث يكون شاكراً للَّه وللوالدين. فالآية ناظرة إلى قانون وقاعدة كلية دون الالتفات إلى الجزئيات.

الثانية وهي أن اللَّه تعالى جعل شكر الوالدين رديفاً لشكره وكأنه يقول إن للوالدين دخالة أساسية في أصل وجود وتكوّن الإنسان. فالوالد بمعنى المولد والطفل هو حاصل التوليد الذي يقوم به الوالدان ويحصل من خلاله على الوجود. لو نظرنا إلى شخص يربو على العشرين عاماً. ففي الواقع هناك عشرات العوامل المؤثّرة في وجوده ورشده ونموه حتى وصل إلى هذه المرحلة، والأب والأم من أهم العوامل التي جعلها تعالى وسيلة لتحقيق هذه الولادة. فالوالد نفسه مخلوق للَّه وهو من النعم الإلهية وجزء صغير منه خرج على صورة طفة وانتقل إلى رحم الأم حيث تكوُّن الجنين وتحمّل مشقات الحمل الكبيرة، وبعد الولادة تحمل الأب والأم أنواع المشقات الأخرى حتى وصل إلى هذا العمر.

ولذلك، فعلى الإنسان أن يشكر اللَّه أولاً الذي كساه بحلة الوجود، وأن يشكر أبويه أيضاً اللذين تحملا أنواع المشقات والمخاطر من أجله، نعم. لا بد من الإشارة هنا إلى أن الأم تتحمل آلاماً ومشقات أكثر من الأب، ومن هذه الجهة فحق الأم على الولد أسمى من حق الأب. طبعاً الكلام هنا من جانب التربية الجسمية للولد. وإلا فقد يسهم الأب في تربية ابنه روحياً وفكرياً وأخلاقياً أكثر.
جاء شاب إلى محضر الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وقال: يا رسول اللَّه، من أبرّ؟ قال: أمّك. قال: ثم من: قال صلى الله عليه وآله وسلم: أمك. قال: ثم من؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أمك. قال: ثم من؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم: أباك".

إن هذا الحديث الشريف عن رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يؤكد أن دور الأم في تكون ونشوء الطفل أكبر من دور الأب وتتحمل مشقات أكثر منه حتى بعد الولادة.
كل أمر يؤول إلى الشرك لا يجب بل لا يجوز على الابن أن يطيع والديه فيه

* المصير إلى اللَّه:
يتميز الأسلوب القرآني بأنه أثناء الحديث عن موضوع معين ينتقل مباشرة إلى موضوع آخر. وفي هذه الآية، بينما يتحدث عن الوصية بالوالدين. يضيف هذه الجملة القيِّمة في ختام الآية {إلي المصير}. المصير في اللغة مصدر ميمي بمعنى الصيرورة، أي أن صيرورتكم جميعاً إليّ ونحوي. صيرورة الأب إليّ، وصيرورة الأمّ إليّ، وصيرورة الطفل إليّ. الصيرورة هنا ماذا تعني؟ لعلها تريد أن تقول: الإنسان في حالة الصيرورة، الحيوان في حال الصيرورة، النباتات في حال الصيرورة، بل الجمادات أيضاً. هذا قانون كلي عام ولا استثناء فيه.
معنى الصيرورة: الحركة والانتقال الكيفي من النقص إلى الكمال. فمع أن عالم الخلقة عظيم جداً، لكن لا سكون ولا ركود فيه اطلاقاً بل هو دائماً في حال الحركة.

لقد بعث اللَّه الأنبياء ليهدوا الإنسان خلال سفره وحركته هذه ويبينوا له كيفية هذا السفر والمنتهى الذي يجب أن ينتهي إليه. أمير المؤمنين عليه السلام يقول: "رحم اللَّه امرءاً... علم من أين وفي أين وإلى أين" والقرآن الكريم يبين نهاية السفر في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ (الانشقاق/ 6) ويقول الراغب في مفرداته: وملاقاة اللَّه عز وجل عبارة عن القيامة والمصير إليه.
وبناءً عليه فالقرآن الكريم بينما يذكّر الإنسان ويوصيه بشكر اللَّه وشكر الوالدين، يؤكد أن هذه القافلة البشرية العظيمة متوجهة في حركتها نحو عالم الأبدية. فلينظر الإنسان إلى المصير الذي يصير إليه والمستقبل الذي يستقبله في حال نفّذ الوصية وأدى حق الشكر أو كفر بهذه النعم.

* حدود طاعة الوالدين:
﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون.. (لقمان 15).
بعد أن قرن اللَّه تعالى شكره مع شكر الوالدين. تطرح هنا مسألة وهي: هل أن طاعة الأب والأم لها حد معين تقف عنده؟ أم أنها واجبة في كل أمر مهما كان نوعه؟
هذه الآية الكريمة توضح بدون أي لبس الحدود التي تقف عندها طاعة الوالدين، ففي كل مسألة أو أمر يؤول إلى الشرك، لا يجب (بل لا يجوز) على الأبناء طاعتهما. بل عليهم التزام جانب التوحيد، وفي قوله تعالى: ﴿مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إشارة قرآنية ضمنية إلى أن العلم يؤدي إلى التوحيد قطعاً، وأن الشرك ليس له برهان علمي ومنطقي يدعو إليه. التوحيد فقط يمتلك آلاف الأدلة عليه. أمام الشرك فلا برهان له  ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ  (المؤمنون/ 17).
﴿وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون إذا كان هناك خلاف مع الوالدين من الناحية الاعتقادية، فلا يعني ذلك أن يقوم الأبناء بإساءة المعاملة مع آبائهم، بل عليهم أن يحسنوا إليهم ويقدموا لهم العون والمساعدة في الأمور الدنيوية وشؤون الحياة المادية.

يقول زكريا بن إبراهيم: كنت نصرانياً فأسلمت وحججت فدخلت على أبي عبد اللَّه عليه السلام: فقلت: أن أبي وأمي على النصرانية وأهل بيتي، وأمي مكفوفة البصر..
فقال عليه السلام: انظر إلى أمك فبرّها، فإذا ماتت فلا تكلها إلى غيرك، كن أنت الذي يقوم بشأنها.
يقول زكريا: فلما قدمت الكوفة، ألطفت لأمي وكنت أطعمها وأفلي ثوبها ورأسها وأحترمها. فقالت لي: يا بني ما كنت تصنع بي هذا وأنت على ديني، فما الذي أرى منك منذ هاجرت فدخلت في الحنيفية؟
فقلت: رجل من ولد نبينا أمرني بهذا.
فقالت: هذا الرجل هو نبي؟
فقلت: لا ولكنه ابن نبي.
فقالت: يا بني إن هذا نبي، إن هذه وصايا الأنبياء.
فقلت: يا أمي، إنه ليس يكون بعد نبينا نبي، ولكنه ابنه.
فقالت: يا بني دينك خير دين. اعرضه علي.
فعرضته عليها فدخلت في الإسلام وعلمتها فصلت الظهر والعصر والمغرب العشاء الآخرة. ثم عرض لها عارض في الليل، فقالت يا بني أعد علي ما علمتني فأعدته عليها فأقرت به وماتت..
ولذلك فإن احترام الأب والأم من المسائل المهمة جداً والتي يجب على كل مسلم، بل إنسان، أن يراعيها أشد المراعاة.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع