إبراهيم منصور
* من أمثال العرب
"أَنْزِلْني ولَوْ بأَحَدِ المَغْرُوَّيْن"؛ وقيل في مثل آخر: "أَدْرِكْني
بأَحَدِ المَغْرُوَّيْن"؛ أي أَدْرِكْني بسهمٍ أو برُمح، وقيل: بأحد السَّهْمَيْن.
أمَّا المثَل: "أَنْزِلْني ولَوْ بأَحَدِ المَغْرُوَّيْنِ" فأصلُه أنَّ رجلاً ركب
بعيراً صعباً فتقحَّمَ به البعيرُ وكادَ أن يؤذيه، فاستغاثَ الرجُلُ بصاحبٍ له معه
سَهْمان مَغْرُوَّان؛ أي مكسوران، وقد عُولِجا بالغِراء ليتثقَّفا. يُضرَبُ هذا
المثَلُ في السرعة والتعجيل بالإغاثة ولَوْ بأَحَدِ السهمَيْن المكسورَيْن اللذَيْن
لم يجُفَّ عنهما الغَراء(1).
* من أجمل الشعر
تقولُ العرب: قَنِيتُ الشيءَ واقْتَنَيْتُه: كسَبْتُه، ومنه قَنِيتُ حيائي؛ أي
لَزِمْتُه؛ قال عنترة:
فَأَجَبْتُها إنَّ المنيَّةَ مَنْهَلٌ | لا بُدَّ أن أُسْقَى بذاكَ المنهلِ |
فاقْنَيْ حياءَكِ، لا أبا لكِ! واعْلَمي | أنّي امْرُؤٌ سأموتُ إنْ لم أُقْتَلِ |
وقال حاتمُ الطائيّ:
إذا قَلَّ مالي أو نُكِبْتُ بنكْبَةٍ | قَنِيتُ حيائي عِفَّةً وتَكرُّما(2) |
* من أعلى الكلام
عليٌّ - عِلِّيُّون؛ العليُّ -في اللغة- هو الصُّلْبُ الشديدُ القويّ، من
فعل: علا يعلو، وكذلك هو الشديدُ العلُوّ، وهو من الأسماء الحُسنى. والعِليُّون، في
كلام العرب: الذين ينزِلون أعاليَ البلاد. فإذا كانوا ينزِلون أسافِلَها فهُم
سِفْليُّون. وقوله تعالى:
﴿كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ
لَفِي عِلِّيِّينَ﴾ (المطفّفين: 18)؛ أي في أعلى الأمكنة. والعِلِّيُّون: اسمٌ
للسماء السابعة، ومنه حديث رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ أهلَ
الجنَّةِ لَيَتَراءَوْنَ أهل عِلِّيِّين كما تراءَوْنَ الكوكبَ الدُّرِّيَّ في أفقِ
السماء"، وقيل: عِلِّيُّون: اسمٌ لديوان الملائكة الحَفَظَة يُرْفَعُ إليه
أعمالُ الصالحين من العباد، كما قيل: هو أشرفُ المراتبِ وأقربُها من الله في الدار
الآخر(3).
* من الثنائيّات
الأَعْمَيان: هما السَّيْلُ والجَمَلُ الهائج، وقيل: السَّيْلُ والحريقُ؛
تقول العرب: الأعمى: الليْلُ، والأعمى السَّيْلُ، وهُما الأَبْهَمان. وفي الحديث
الشريف قال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: "نعوذُ بالله من الأَعْمَيَيْن"،
هما -كما تقدَّم- السيْلُ والحريقُ لِما يُصيبُ مَنْ يُصيبانه من الحَيْرة في أمره،
أو لأنّهما إذا حَدَثا ووقَعَا لا يُبْقيانِ موضعاً ولا يتجنَّبانِ شيئاً كالأعمى
الذي لا يدري أين يَسْلُكُ، فهو يمشي حيثُ أَمَّتْهُ رِجْلُه(4).
* من الأضداد
العَنْوَةُ؛ من فعل: عنا يعنو، وعَنِيَ يَعْنَى؛ أي ذَلَّ وخَضَعَ؛ قال الله تعالى:
﴿وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ
الْقَيُّومِ﴾ (طه: 111)؛ أي نصِبَتْ له. وذُكِرَ أيضاً أنه وَضْعُ
المسلمِ يدَيْهِ وجبهتَهُ ورُكبتَيْه إذا سَجَدَ وركَعَ؛ تقول العرب: عَنَوْتُ لك؛
أي خضَعْتُ لك وأطعتُكَ، وعَنَوْتُ للحقِّ عُنُوّاً: خضعتُ؛ والعَنْوَةُ: القَهْرُ،
وأخذتُ الشيءَ عَنْوَةً أي قَسْراً وقَهْراً. وفي حديث الفتح أنَّ النبيّ صلى الله
عليه وآله وسلم دَخَلَ مكَّةَ عَنْوَةً أي غَلَبَةً؛ والعَنْوَةُ أيضاً هي
المودَّةُ. وقولُهُم: أخذتُ الشيءَ عَنْوَةً؛ قد يكون معناه: أخذتُه عن تسليمٍ
وطاعة، وعلى هذا فالعَنْوةُ من الأضداد(5).
* قيمةُ الشِّعر عند العرب
كان الشاعر في جاهليّة العرب الناطقَ بلسان قبيلته ومُحاميَها وخطيبَها والمُدافِعَ
عنها؛ وإذا نَبَغَ شاعرٌ كانت تُقامُ الأفراحُ والاحتفالات في قبيلته؛ وكان البيتُ
من الشِّعْر يَرفعُ قوماً ويخفِضُ قوماً، فعندما هجا الشاعرُ جرير بني نُمَيْر بهذا
البيت:
فَغُضَّ الطرْفَ إنّكَ من نُمَيْرٍ | فلا كَعْباً بلغْتَ ولا كِلابا |
قيل: ظلَّ بنو نُمَيْر يشعرون بالخَسْفِ والذُّلِّ والهوان مدَّة طويلة، وبعضُهم غيَّر نسَبَهُ فأسْقَطَ نُمَيْراً من أجداده! وظلَّ الواحدُ منهم يمشي مُطَأطئاً رأسه بعيداً عن الناس بسبب هذا البيت من الشعر! ويُرْوَى عن حسّان بن ثابت أنّه صاحَ قبل نبوَّة محمّد صلى الله عليه وآله وسلم فقال مستصرخاً الأنصار: يا بني قَيْلَة! فجاءه الأنصارُ يُهرَعون إليه قالوا: ما دهاك؟ قال لهم: قلتُ الساعة بيتاً من الشِّعر خشيتُ أن أموت فيدَّعيه غيري! قالوا: هاتِه، فأنشدهم هذا البيت:
رُبَّ حِلْمٍ أضاعَهُ عَدَمُ الما | ل وجَهْلٍ غطَّى عليهِ النعيمُ |
أي أنّ الفقرَ يضيِّعُ
عقلَ العاقل، بينما المالُ يغطي على جهل الجاهل(6).
* في معنى التقوى والوقاية
وقاهُ اللهُ يُقيهِ وَقْياً ووقايةً: صانَهُ؛ وروي عن رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم: "فوقى أحدُكُم وجهَهُ النارَ". وَقَيْتُ الشيءَ أقيهِ إذا صُنْتَه
وسَتَرْتُه عن الأذى. وهذا اللفظُ في الحديثِ خَبَرٌ يُرادُ به الأمرُ، أي لِيَقِ
أحدُكم وجهَهُ النارَ بالطاعةِ والصَّدَقَة. وتوقَّى واتَّقَى بمعنى واحد، ومنه
الحديثُ الشريف: "تَبَقَّهْ وتَوَقَّهْ"؛ أي اسْتَبْقِ نفسَك ولا
تُعَرِّضْها للتَّلَفِ وتَحَرَّزْ من الآفاتِ واتَّقِها. وقال تعالى:
﴿وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ?؛ أي من دافِع. وفي التنزيل
العزيز:
﴿وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ﴾ (محمد: 17)؛ أي جزاءَ تقواهُم، وقيل: معناهُ أَلْهَمَهُمْ
تقواهُم؛ وقولُه تعالى:
﴿هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ
الْمَغْفِرَةِ﴾ (المدثر: 56)؛ أي هو أهلٌ أن يُتَّقَى عِقابُه وأهلٌ أن
يُعْمَلَ بما يؤدِّي إلى مغفرته. أمَّا قولُه تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ﴾
فمعناهُ: اثْبُتْ على تقواه ودُمْ عليها.
والتقيُّ هو المتَّقي، وفي التنزيل العزيز:
﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن
مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا﴾
(مريم: 18). وتأويلُه: إني أعوذ
بالله، فإن كنتَ تقيّاً فستتَّعِظُ بِتَعَوُّذي بالله منكَ. وفي الحديث الشريف:
"إنما الإمامُ جُنَّةٌ يُتَّقَى به ويُقاتَلُ مِن ورائه؛ أي أنّه يُرْفَعُ به
العدوُّ ويُتَّقَى بقوَّته. وبعدُ، فيقول الإمامُ عليٌّ عليه السلام -وهو مَنْ هو
في البأس والشجاعة والفروسيّة- واصفاً شجاعةَ النبيِّ محمّد صلى الله عليه وآله
وسلم: "كُنَّا إذا احمرَّ البأسُ اتَّقَيْنا برسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم"؛ أي جعلناه وقايةً لنا من العَدُوِّ واسْتقْبَلْنا العدوَّ به وقُمنا
خلفَه(7).
1- لسان العرب، ابن منظور، مادة غرا.
2- (م.ن)، مادة قنا.
3- (م.ن)، مادة عمى.
4- (م.ن)، مادة علا.
5- (م.ن)، مادة عنا.
6- (م.ن)، مادة غطي.
7- (م.ن)، مادة وقى.