أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

الشهيد المجاهد فاروق مصطفى إسماعيل "غريب"

نسرين إدريس


الشهيد المجاهد فاروق مصطفى إسماعيل "غريب"
الاسم: فاروق مصطفى إسماعيل‏
اسم الأم: فاطمة جديد
محل وتاريخ الولادة: دير قانون 15/05/1977
الوضع العائلي: خاطب‏
رقم السجل: 20
مكان وتاريخ الاستشهاد: الدبشة 28/01/2000

أطلّ وجهه مع إشراقات شمس الربيع الدافئة، وكانت مناغاته عزفاً، يوقظُ الحنين في القلوب.. "فاروق" الذي كلما اقترب أهله منه أحبوه أكثر، وتعلّقوا به.. لم يكن سهلاً عليهم اكتشاف السرّ الذي يجعلهم مشدودين إليه بقوة، لكنهم لمسوا وأحسوا أنه حتماً ليس كغيره..

كانت دائماً ساحة وطرقات قرية دير قانون النهر مليئة بضجيج الفتية الذين لا يملون من اللعب، ولكنّ تواجد فاروق بينهم كان يضفي جواً آخر من الفرح.. فتىً هادى‏ءٌ متزنٌ، لا تفارق لمسات الهدوء سحنته السمراء الجنوبية، عيناه تشعان ذكاءً شهد له الجميع به، فعندما كان في الصف الأول الإبتدائي طلب إليه أستاذ الرياضيات أن يحلّ تمارين أحد الدروس، فإذا به قد حلّ تمارين الكتاب كله، فاستغرب الأستاذ لذلك وراح يسأله عن سبب فعلته، فضرب فاروق حقيبته بالأرض مستنكراً مطالباً الأستاذ بأن يعطيه كتاب الصف الثاني..

ذاك الصبيّ المتفوق في دراسته، الذي إحاطته عائلته بكل ودٍّ وحبٍ واحترام، بدأ بتأدية واجباته الدينية قبل سن التكليف، والتحق منذ صغره بالعمل الإسلامي، وكانت انطلاقته الأولى من مسجد القرية، وعلى الرغم من انهماكه المتواصل في العمل التطوعي ودراسته، إلا أن أحداً من أهله لم يعرف ماذا يعمل، فابتسامة الصمتِ المرتسمة على شفاهه هي الجواب الوحيد لأي سؤال، جواباً كان يضرم الفضول في دخيلة كل من يراقب نجاحاته المتعاقبة لأن يستكشف أغوار نفسه.. أنهى الشهيد فاروق دراسته المتوسطة في بلدته، وأكمل الثانوية في مدينة صور حيث نال في الامتحانات الرسمية درجةً خولته الحصول على منحة من الدولة اللبنانية ليتابع دراسته في فرنسا، إلا أنه رفض السفر والتحق بالجامعة اللبنانية - كلية العلوم، ليبدأ من هناك فصلٌ جديدٌ من فصول الجهاد في حياته.. وكان لشدة تأثره بالشهيد مصطفى شمران أن اختار فاروق كلية العلوم الطبيعية، فهو منذ الصغر يهوى الاستكشافات التي لا تنتهي.

في الجامعة كان فاروق كالمغزل الذي لا يتعب من غزل الصوف، يتنقل من مكان الى آخر بحيوية ونشاط، ويسعى لحبك علاقات اجتماعية مؤثرة ضمن زملائه، خصوصاً أنه كان إلى جانب تفوقه في دراسته مجاهداً ضمن وحدة التخريب في المقاومة الإسلامية. انشغالاته كثيرة ولا تنتهي، خصوصاً في التعبئة التربوية، حيث كان من أبرز وجوهها في كلية العلوم، فهو إذا لم يكن يهيى‏ء لاحتفال أو درس أو نشاطٍ، تجده في مكتبة الجامعة منكباً على أوراقه يدون سطوراً تفيضُ بالروحانية والإخلاص، وتعكسُ مدى شفافية روحه وطهارتها، وإذ كان الضجيج الذي يثيره من حوله أثناء قيامه بأي عمل، فإن السكينة الملقاة على وجهه كانت تشعر الجميع بالوحدة التي يشعر بها، وكأنه في مكانٍ وزمان آخرين.. فكثيراً ما كان يتحدثُ بحسرةٍ عن الشهادة، ويغمضُ عينيه وحشرجات الشوق التي تقطع صوته تسافرُ به إلى تلال عاملة.. إلى المسافات الطويلة في الليالي المدلهمة.. إلى الدمع المنسكب في المغاور تناجي صاحب الزمان عجل الله تعالى فرجه..

غريباً كان في ازدحام الأصدقاء والمعارف.. وحيداً يجلسُ في الليالي يناجي اللّه معشوقه الأوحد أن يكتبه في ركب الشهداء.. وإذا كانت الشهادة هي الحلم، فلا بدّ من السعي لتحقيقه، وقد تميز الشهيد فاروق برفعة أخلاقه، وكثرة تفكره، وقد جعل من قلبه طينةً لينةً تتخذُ الشكل الذي يريده ليكون رقيباً مباشراً على نفسه، يتركُ ما يشوبها، ويواظب على ما يساعدها في ارتقائها للوصول إلى كمال إنسانيتها، فبعد كل فريضة صلاة يقرأ سورة الواقعة، ويهتم كثيراً بالدعاء لصاحب العصر عجل الله تعالى فرجه، وبتلاوة القرآن والبقاء على وضوء لما لذلك من انعكاسات نفسية طيبة على روح المرء.

عندما تخرّج من الجامعة عرضت عليه منحة للسفر إلى الجمهورية الإسلامية لمتابعة دراسته العُليا، فوافق على مضضٍ لأنه كان يرى في السفر ابتعاداً عن السلاح، والمحاور التي يعتبرها مأوى غربته الوحيد، فتعرقل سفره فجأة، ما جعل نفسه ترتاحُ لبقائه في وطنه، ولكنه لم يترك الدراسة بل تابعها بكل اجتهاد كعادته. ثم بدأ يعمل كأستاذٍ لمادة الكيمياء في مدارس الإمام المهدي ‏عجل الله تعالى فرجه، فعُرف بين تلامذته بإخلاصه في عمله، وحسن تعامله معهم ومع زملائه، ما جعله صديقاً مقرباً للجميع.

شارك؛ الشهيد فاروق إسماعيل في العديد من العمليات العسكرية والمهمات الجهادية، ولم تغبْ فكرة الشهادة عن باله طرفة عين، بل كان شوقه لنيلها في ازدياد، خصوصاً بعد استشهاد عدد من رفاقه المقربين، فكان يسعى بكل جهده للمشاركة في المعارك عسى اللّه أن يمن عليه بشهادة مباركة. قبل استشهاده بفترة قصيرة عقد قرانه على إحدى الأخوات الملتزمات، وكان يعمل على تأمين البيت الزوجي، لكن روحه نالت ما تمنت بعد طول انتظار ليُزف عريساً إلى الجنان.  فبتاريخ 28 كانون الثاني 2000، توغل الشهيدان فاروق إسماعيل ومحمد جابر إلى الداخل المحتل مخترقين أكثر الإجراءات الأمنية المشددة للعدو الصهيوني بالقرب من موقع الدبشة، إلا أنهما وقعا في شرك تفجر بهما، وبقيت جثتاهما مع العدو الصهيوني حتى الآن. ل

قد عرض على الشهيد فاروق العديد من الفرص التي يحلم بها أي شابٍ ناجح يسعى لتدعيم مستقبله المعنوي والمادي، وفتحت أبواب السفر مشرعة أمامه لمتابعة دراساته العُليا، لكنه بقي في الوطن، ليكمل طريق الجهاد، وليستشهد غريباً ويدفن جسده غريباً، غير أن ذكراه الطيبة، وذكرياته التي يلهجُ بها أهله ورفاق دربه في المقاومة الإسلامية وفي التعبئة التربوية وبين تلامذته في المدرسة، تبقى منارةً تُضي‏ء فينا زوايانا المظلمة..

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع