أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

أمم مستكبرة في متاحف التاريخ

الشيخ مصطفى قصير


ورد في خطبة لأمير المؤمنين علي‏ عليه السلام أنه قال:
"فاعتبروا بما أصاب الأمم المستكبرين من قبلكم من بأس اللّه وصولاته، ووقائعه ومَثُلاته، واتعظوا بمثاوي خدودهم، ومصارع جنوبهم، واستعيذوا باللّه من لواقح الكبر، كما تستعيذونه من طوارق الدهر..."، (نهج البلاغة /خ 192).

كثيرٌ هم الذين حدثنا التاريخ عنهم من الجبابرة المستكبرين الذين عاثوا في الأرض فساداً، وعلوا فيها وطغوا واستعبدوا الناس. إلاّ أن القرآن الكريم عندما يتناول الحديث عن هؤلاء يسلط الضوء على الجوانب الدخيلة في هدفه وهو كتاب هداية مما فيه عبرة للبشر وتنبيه لهم لكي يحذروا الوقوع في الخطأ الذي وقعوا فيه، والمصير الذي آلوا إليه. وقد أغرى أولئك الجبابرة على التمادي في الظلم والطغيان والجور والاستكبار ما وجدوه في متناول أيديهم من عظيم الإمكانات المادية، وإقبال الدنيا عليهم، واستجابة الناس لسلطانهم واستسلامهم لطاعتهم، مما دفعهم لفرض المزيد من السلطة والمزيد من العتوّ والاستبداد، بلغ ببعضهم حداً لا يمكن أن نتخيل فوقه حدّ، فادعوا أنهم الأرباب أو الآلة وطلبوا من أقوامهم إخلاص العبودية لهم دون ربهم وخالقهم. ولكنّ ذلك كله لم يوفّر لهم الخلود في دار الدنيا، ولم يحل بينهم وبين المصير الذي كان ينتظرهم، ولا دفع عنهم الهلاك عندما جاء أمر اللّه، وأنزل بهم نقمته، فقد جاءت نهايات الجبابرة المستكبرين عبر التاريخ بطريقة تكشف لذوي الألباب ضعف أنفسهم وعجزهم عن دفع الموت عندما يحل بهم، بل غادروا الدنيا أذلاء حقراء بما فيه عبرة لمن يعتبر.

* "إبليس اللعين"

نموذج من أولئك الذين استكبروا واستنكفوا عن الامتثال لأمر اللّه تعالى، عندما ابتلاه وامتحنه بالسجود لآدم فأبى، فلعنه اللّه وأخرجه من رحمته وتوعده بالعذاب الذي ينتظره. فأحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، بتكبّر ساعة، وعنادٍ دفعه إليه الحسد، ووضعه في المصير الأسود الذي وصل إليه بسوء تصرفه.

* "نمرود بن كنعان"
قيل أنه أول جبّار في الأرض تسلّط على شرقها وغربها، واستعبد الناس، وأمسك بأرزاقهم، حتى بعث اللّه في زمانه إبراهيم‏ عليه السلام وقد حدثنا القرآن الكريم عن الحوار الذي بينهما: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آَتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ البقرة/258. ومع أن حجة إبراهيم كانت بالغة إلاّ أن طغيان وتجبّر المستكبر نمرود دفعه لاستعمال القوة والسلطان للقضاء على خصمه بدل تحكيم العقل والمنطق والحجة، كما هي عادة الجبابرة. فكانت قصة إضرام النار وإلقاء إبراهيم‏ عليه السلام فيها، وصيرورتها برداً وسلاماً عليه بأمر ربها. لكن ذلك أيضاً لم يُعِد الطاغية إلى رشده، بل تمادى في استكباره وعناده، فأذن اللّه تعالى بهلاكه، يحكي لنا المؤرخون أنه أرسل على جيشه البعوض فقضى عليهم، ودخلت بعوضة، وربما هي حشرة أخرى قاتلة شبهت بالبعوض، فدخلت في منخره واستقرت في رأسه عجز الأطباء عن علاجه، فكان يضرب رأسه بالحجر من شدة الألم سنين طويلة متمادية قبل أن يقضي عليه الموت.

* "فرعون مصر"
تحدث القرآن الكريم عن فرعون فقال:
﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ القصص/4. وقصة فرعون وموسى‏ عليه السلام تكرر ذكرها في كتاب اللّه تعالى لكثرة ما فيها من مواضع الاعتبار، ومن مظاهر طغيان فرعون:

1- استعباد الناس أو طائفة منهم.
2- ذبح المواليد في بني إسرائيل لسنوات طويلة للحيلولة دون ولادة موسى الذي أخبره المنجمون أنه سيقضي على ملكه.
3- إدعاء الربوبية وأنه هو إله البشر كما ورد في الذكر الحكيم:

﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي... القصص/38. ﴿فَأَرَاهُ الْآَيَةَ الْكُبْرَى فَكَذَّبَ وَعَصَى ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى فَحَشَرَ فَنَادَى فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى النازعات/20-24. وعلى الرغم من الآيات والبراهين والدلالات الواضحة، وبعد أن أمهل طويلاً ليؤمن ويتذكر ويخفف من كبريائه وطغيانه وتجبّره، بقي متمادياً في الغي والضلالة والفساد في الأرض، فجعل اللّه نهايته الذليلة غرقاً في وسط النيل وأمام أعين الناس، دون أن يتمكن أن يدفع عن نفسه هذا المصير.

* ومن نماذج الاستكبار المالي: "قارون"
﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآَتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي... القصص/76-78. وبين سلطة المال وسلطة الملك تلازم وتشابه، فإحداهما تسهل الحصول على الأخرى عادة، وكلاهما سلاح خطير يدفع الإنسان إذا لم يتبصّر الأمور على حقيقتها إلى الغيّ والاستكبار والشعور بالاستعلاء. كما أن المال والسلطة وسيلتان من وسائل السيطرة على إرادات الآخرين والتحكم بهم. وقد جاءت نهاية قارون ذي المال العظيم بالخسف به وبداره الأرض فما كان له من فئة ينصرونه من دون اللّه وما كان من المنتصرين.

* ومن نماذج الاستكبار "عاد"
وقد أقاموا مدينتهم ﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ والتي وصفها القرآن بأنها ﴿لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ وهم قوم من العرب سكنوا الجزيرة وذلك قبل التاريخ ثم انقطعت أخبارهم وانمحت آثارهم، وقد حدّث القرآن بجانب من قصصهم وأسماهم ب "عاد الأولى" وأخبر عنهم أنهم كانوا أولي قوة وبطش شديد استكبروا في الأرض، فبعث اللّه فيهم نبياً هو هود صلى الله عليه وآله فأنذرهم ودعاهم إلى الالتزام بشرع ربهم فأبوا وعاندوا واستكبروا، فأنزل اللّه عليهم العذاب وأرسل عليهم الريح العقيم ما تذر من شي‏ء أتت عليه إلا جعلته كالرميم. استمرت سبع ليال وثمانية أيام حسوماً وتركت القوم صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية.

* عاقبة الاستكبار في الاخرة
لقد ورد أن الكبر إنكار الحق، ولعل المراد أن ذلك من نتائجه، لأن المستكبر يعيش في داخله شعوراً بالتفوق، ويتوهم نفسه أكبر من الآخرين، أو يعمل على أن يكون كذلك، بل يتجاوز بعض الجبابرة هذا الحد فيتجرؤون على جبار السماوات، هذا الاستعلاء يصبح خلقاً وسجية تدفع به إلى إنكار الحق، وتعمي بصيرته، قال تعالى: ﴿سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ الأعراف/146. لذا نجد المستكبرين يزدادون عناداً ويتمادون في غيّهم عندما يواجهون بالحقيقة ويطلب إليهم الإذعان لها والعودة عن الغيّ. وباعتبار أنّ الجزاء يجب أن يكون متناسباً مع الجريمة ومعالجاً لها، يحشر هؤلاء الجبابرة المستكبرون يوم القيامة في صور كالذّر أي النمل الصغار، يطؤهم الناس، لهوانهم على اللّه تعالى، كما ورد في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله. وهذا أشد عقاب لهم، يوضعون في موضع الحقارة والمهانة التي وضعوا الناس بها، ويسقطون إلى الحضيض بعد أن علوا في الأرض واستكبروا. هذه السنة الإلهية ثابتة ومستمرة فلا زلنا في العصر الحديث نرى خواتيم أهل الجور والطغيان من الحكّام، ولنا فيهم عبرة، فشاه إيران المقبور مات ذليلاً حقيراً بعد دهر من الكبرياء والطغيان، وهتلر الذي أراد أن يحكم الشرق والغرب، مات منتحراً. ولا بد أن تكون نهاية الصهاينة المحتلين على هذه الشاكلة: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا الإسراء/8.

كما أن المستكبر الأول في هذا العصر الطاغية الأمريكي يسير في الخط البياني الصعودي لجبروته وطغيانه ما يقربه من النهاية المحتومة، فليس لأحد أن يزعم أنه قادر على التمرد على السنن الإلهية، وأنه استثناء من هذه القاعدة الثابتة. خاصة أنه جمع بين السلطة والاقتصاد ليمسك بأعناق المال والأمن والسياسة، وعلى مستوى كل الدنيا، لكننا لن ننتظر طويلاً لنرى نهاية هذا الاستكبار إن شاء اللّه.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع