أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

قضايا معاصرة: الأمة الرسالية Apos-tolic Nation الأمَّة الجديرة بالحضارة والمعاصر


موسى حسين صفوان‏


* معنى الأمة
يختلف المعنى اللغوي للفظ "أمّة" بين اللغة العربية، والألفاظ المرادفة في اللغات الأوروبية، فاللفظ Nation، الذي يعني "الشعب" ويتخذ مفهوماً جغرافياً، يقصد به مجموعة من الناس، يعيشون في مكان معين، وتربطهم روابط مشتركة، ومنها اشتقت المفاهيم القومية الحديثة، التي لا تقوم على "الإثنيات" Ethnic-Nations، أي المفاهيم العرقية كمفهوم السامية، مثلاً، ويذكر علماء الاجتماع روابط عديدة في هذا المجال، منها الحدود الجغرافية الطبيعية، والمصالح الاقتصادية، والتاريخ المشترك، واللغة والثقافة وما شاكل... واللفظ people، يعني "القوم" وهم الجماعة من الناس، الذين يرتبطون برباط العرق، كما لو قيل مضر أو ربيعة أو عاد أو ثمود أو بني إسرائيل، وقد تشكلت فيما مضى من هذين المفهومين، خاصة من مفهوم القوم أمم بسطت سلطانها وقهرت بسطوتها بقاعاً واسعة من الأرض...

ومن هذين المفهومين معاً، تكونت شعوب الأرض، كما ورد في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُم (الحجرات: 13). فالشعوب والقبائل، جماعات من الناس يواطئون مفهومي الشعب Nation، والقوم people، ولكنهما لا يشكلان مفهوم "أمَّة" ما لم تتوحد همَّة هؤلاء باتجاه هدف يقصدونه كما يفيد المعنى اللغوي لكلمة أمّة... فلفظ "أمّة" الذي يصعب أن تجد له مرادفاً في اللغات الأخرى، يعني المجموعة من الناس الذين قد تربطهم رابطة عقلائية تكفي لأن يطلق عليهم جماعة أو حشد، والذين تكون لهم مهمة ما أو يتجهون إلى وجهة محددة، قال تعالى: ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ (القصص: 23).

ويقول اللغويون: أمَّ أمَّاً وأمَّم وتأمَّم وأئتمَّه، قصده، وأمّ إمامةً القوم، تقدَّمهم وكان لهم إماماً (إذا مشى أمامهم في اتجاه معين يوافق قصدهم)(1). فالأمّة تعني "الرجل الجامع للخير، والإمام، وجماعة أرسل إليهم رسول، والجيل من كل حي، والجنس، ومن هو على الحق... والطريقة والدين، كقوله: ﴿هل يستوي ذو أمّة وكفور، والحين كقوله (تعالى): ﴿... وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ .... وقيل: الأمة جمع لهم جامع من دين أو زمان أو مكان..."(2).

* مفهوم الأمة في الإسلام‏
من هنا نجد أن مفهوم الأمّة في الإسلام، يستمد من اللغة العربية صفة شمولية تمتد في الأبعاد الجغرافية، والديموغرافية والزمنية، وهي تتشكل مع ذلك من مقوماتها الأساسية وهي الجماعة، والهدف أو القصد... وقد تكون هذه الجماعة فرداً واحداً، يكوّن العنصر البشري الذي يتجه باتجاه هدف ما، ويشكل بمفرده ما يساوي مجموعة من الصفات الجديرة بتكوين أمّة، قال تعالى: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (النمل: 120). وقد تكون جماعة ذات مهمة محددة كما في قوله تعالى: ﴿وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (الأعراف: 109)، وقوله عزّ شأنه: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (الأعراف: 181). وقد تتخذ الأمّة مفهوماً سلوكياً يدخل في إطار العادات والقيم الاجتماعية قال سبحانه: ﴿... مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ ... (المائدة: 66).

ويؤكد القرآن الكريم على واقعية التعدد في المجتمع الإنساني، حيث أن السنن الإلهية الجارية في الخلق تقرُّ هذا التعدد في إطاره الموضوعي، قال تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ .. (المائدة: 48) وقال في سورة هود: ﴿... وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (هود: 118). والتعدد هنا ليس بطبيعة الحال كما يدّعي أصحاب المذهب الليبرالي الذين ينادون بالتعددية Pluralism، التي تعني القبول بالآخر على قاعدة نسبية القيم الأخلاقية، فالمكوِّن الثقافي الإسلامي يتميز بثبات القواعد الأساسية، والتمايز الواضح بين ما هو خيرٌ شرعاً وما هو شرٌ شرعاً، ويترك المجال في التفاصيل، للاجتهاد والتعدد، وهنا أيضاً على أسس وقواعد وأصول معتمدة ومنصوصة. والتعدد من ناحية أخرى، وبالتالي، هو من دواعي التنافس الايجابي باتجاه العقيدة ومصلحتها العليا، فالقبائل تتنافس من أجل حماية الثغور، مثلاً، كما حصل في العديد من المعارك الإسلامية، بهدف اعلاء كلمة لا إله إلا اللَّه، والتشكيلات الاجتماعية في إطار الأمّة الواحدة، هي أيضاً في تنافس دائم من أجل أن تكون من ركائز وأركان ودعامات الأمّة الإسلامية...

ولهذا... نجد القرآن الكريم، في الوقت الذي يوسِّع مفهوم الأمّة، ويؤكد موضوع التعدد، فهو لا يلغي قضية الثوابت المبدئية، ولا يخرج الأمّة من اطار الأمّة الواحدة الموحِّدة، قال تعالى: ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا وهذا من ظاهرة التعدد، ثم تأتي الغاية الواحدة ﴿لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ ... (الحج: 34) لذلك فإن الأمة الإسلامية واحدة من حيث هي متعددة على مدى التاريخ، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ... (الأنبياء: 92).

* تشكيلات الأمة الإسلامية
ويمكن القول أن الأمّة الإسلامية تقوم بعناصر ثلاثة: 1 الإنسان، 2 الرسالة أو القصد الذي يحكم حركة الأمة، 3 الشريعة، أو النهج الذي يمثل المكوِّن الثقافي النظري والعملي للأمة(3)... وفي اطار هذه المقومات الثلاثة، يمكن أن نجد الأمّة الإسلامية في أطر وتشكيلات مختلفة، يمكن ملاحظتها من خلال قراءة التاريخ الإسلامي... بل التاريخ الإنساني. والحقيقة أن الأمّة الإسلامية يمكن أن توجد في وضعين على أساس الواقع المعاش، أحدهما الوضع النموذجي الذي يمكن التعبير عنه بالوضع المثالي، الذي يشكل غاية ما تسمو إليه مبادئ الإسلام، وهذا الوضع بطبيعة الحال وهو موعود من اللَّه سبحانه وتعالى لا يمكن بلوغه حتى يعم الإسلام كل بقاع الأرض...

وحتى ذلك الحين، لا بد للأمة الإسلامية في مفاهيمها ومرتكزاتها وتشكيلاتها أن تعيش على هذه الأرض باعتبارها جزءاً من الحضارة الإنسانية، وبالتالي إحدى الأمم التي لا بد لها أن تنظِّم علاقتها مع بقية الأمم والشعوب على أساس ما تتضمنه منظومتها الفقهية والمعرفية من ضوابط ومبادئ‏ ، وقد توسع الفقهاء من كافة المذاهب في وضع تلك الضوابط ولو على قواعد تفصيلية، وفي أبواب فقهية متفرقة حسب مواضع الابتلاء، من جهاد، وتجارة وتبادل وغيرها... ومن خلال تلك المنظومات الفكرية والفقهية التي تبدأ من محمد رسول اللَّه صلى الله عليه وآله؛ كُتِب أول عهد سياسي اجتماعي بين مواطني أهل المدينة المنورة... وبذلك يكون الرسول صلى الله عليه وآله هو الذي أوضح لأمته فيما بعد حتى تفاصيل مفهوم العلاقة بين التعدد في مؤسسات الأمة والوحدة في غايتها وهدفها، سواء منها الدنيوي، أو الأخروي... وفي قراءة متمعنة لنص العهد الذي كتبه صلى الله عليه وآله لأهل يثرب، يمكن أن نجد الأمة الإسلامية في إطار مجموعة من الدوائر، التي تقسم إلى قسمين:

القسم الأول: الدوائر المتكاملة، فمثلاً نجد الأمّة الإسلامية تتشكل من قبائل متعدد، وهي مرتبطة فيما بينها في حدود ما تنص عليه الشريعة، بالتزامات (ومعاقل) تشمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية في منظومة من التكافل التي تبدأ من الأسرة إلى الأقارب والجيران، والعشائر بحيث تترابط الوشائج بين هذه الدوائر الصغيرة باتجاه الدائرة الكبرى وهي الأمة الإسلامية... وتدخل ضمن الدوائر المتكاملة، تلك القائمة على أسس جغرافية، فأهل هذه السكة يتحملون مسؤولية من يليهم الأقرب فالأقرب وهكذا: "ليس منا من بات شبعاناً وجاره جائع..." وجاء أيضاً: "ما زال الرسول صلى الله عليه وآله يوصي بالجار حتى ظننا أنه سيورثه"... ويتكامل هذا المفهوم حتى يصبح عين مفهوم الوطن والوطنية، فأهل وطن ما، وبلاد ما تقع عليهم مسؤوليات مشتركة لكونهم يتشاركون العيش في مكان واحد له عليهم حقوق، ولهم عليه مثلها...

القسم الثاني: الدوائر المتقاطعة، مثلاً العلاقة ما بين المسلمين وأهل الكتاب، أو الأمم المشركة الأخرى التي لم تدخل في دين أصلاً... أو الأمم المحاربة، وهكذا... وفي هذا المجال هناك سيل من التفاصيل التي يمكن أن تؤسس لتقنين إسلامي متميز في مجال العلاقات الدولية. فالأمّة الإسلامية، من ناحية تعني مجموع المؤمنين وإمامهم وشريعتهم... والأمة الإسلامية، أحياناً تعني ما يطلق عليه دار الإسلام ودار الهجرة، وهي تشمل المؤمنين، والمشركين المكاتبين أي المعاهدين، وهم بمثابة إما جاليات غير إسلامية تعيش بموجب ما يشبه إذن إقامة في البلاد الإسلامية، أو أقليات دينية لها كافة حقوق المواطنة ولكن ضمن إطار عهود مكتوبة يحافظ عليها من قبل الطرفين كما هي الحال بالنسبة لعهد الرسول صلى الله عليه وآله ليهود يثرّب أو العهدة العمرية لأهل إيليا (القدس)...

* من وحي عهد الرسول صلى الله عليه وآله
وهناك تفاصيل أخرى كثيرة يمكن أن نجدها حول هذا الموضوع في المراجع والمتون الإسلامية، ونذكر هنا على سبيل المثال، قول أمير المؤمنين في عهدة لمالك الأشتر "... ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان، إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق..."(4). ولضيق المجال نختار فقرات من عهد الرسول صلى الله عليه وآله:

"بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏ هذا كتابٌ من محمد النبي صلى الله عليه وآله بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم. إنهم أمّة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم (أي على الحال التي جاء الإسلام وهم عليها) يتعاقلون بينهم (أي يدفعون ديّة الدم) وهم يفدون عانيهم (أسيرهم) بالمعروف والقسط بين المؤمنين... وبنو عوف على ربعتهم... (وهكذا بنو ساعدة، ويعدد القبائل واحدة واحدة)(5)... وإن من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم... وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة (أي أن داخل المدينة حرمٌ ومأمن لجميع من وقَّع على هذه الصحيفة). وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم. وإنه من خرج (من المدينة) آمن ومن قعد آمن بالمدينة إلا من ظلم أو أثم..."(6). ويظهر هذا العهد حقائق عدّة أهمها:

1 - شرعية دخول المسلمين في عهود وعقود مواطنية مع الجماعات الدينية والقومية الأخرى في إطار المجتمع الإسلامي، أو حتى في أطر قد تضيق وتتسع تبعاً للظروف الموضوعية، فالعقد هنا يفهم من خلال مضامينه الإجمالية، وليس فقط من خلال تفصيلاته التي كانت محكومة يومها بظروفها التاريخية.

2 - تعدد مفهوم الأمة، فالمسلمون أمة، وأهل المدينة أمة، والقبائل والعشائر والمهاجرون والأنصار كلهم أمم تربطهم روابط ومعاقل ثم لا يخرجهم ذلك من إطار الأمّة الإسلامية.

3 - إمكانية وجود الأمة الإسلامية على قاعدة الإطار العقائدي حيناً، أو الجغرافي حيناً آخر، وبالتالي فإن الأمّة الإسلامية اليوم في ظل غياب الإطار الجغرافي أو الهيكلية السياسية (الخلافة) لم تخرج من كونها أمّة واحدة حتى وإن كانت تعيش في دوائر سياسية مختلفة ومتقاطعة مع أمم وشعوب أخرى... ومن هنا فإن هذا الفهم لموضوع الأمة الإسلامية يدفعنا لإعادة قراءة مواقع الأمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومحاولة فهم واستيعاب مضامين وثوابت الرسالة الإسلامية وبالتالي إعادة ترتيب الأولويات على أساسٍ من هذا الفهم.


(1) المنجد في اللغة والأعلام، مادة أمّ.
(2) المعلم بطرس البستاني، محيط المحيط، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت 1998، مادة أمّ.
(3) وعندما تبعث الأمّة من خلال توفر مقدماتها فإن شرط انطلاقتها، وبالتالي حياتها، يتعين بوجود الجسم وهو جماعة المؤمنين، والإمام الذي يقود هذه الجماعة، وهو بمثابة القلب من الجسم وهذه العلاقة بين الإمام والأمّة نستطيع ملاحظتها طوال تاريخ الرسالات.
(4) نهج البلاغة، الكتاب 53.
(5) لاحظ هنا في هذا البند وفيما يليه مبدأ التكافل الاجتماعي الإسلامي على أساس عصبية الدم بمفهومها الإيجابي.
(6) الشيخ جعفر السبحاني، سيرة سيد المرسلين، ج‏2، دار الأضواء، بيروت 1993، ط2. ص‏25 - 26.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع