أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

اعرف عدوك‏: "الدونمة" يهود تركيا والخديعة الكبرى‏


أديب كريِّم‏


* الوجود اليهودي في تركيا نبذة تاريخية:
بعد سقوط آخر المعاقل التركية بيد الأسبان، وانتشار محاكم التفتيش الكاثوليكية لملاحقة أتباع الديانتين الإسلامية واليهودية، اضطر أكثر من 100 ألف يهودي إلى مهاجرة مدينة غرناطة الأسبانية مع أواخر القرن الخامس عشر، قاصدين، بالإضافة إلى ألمانيا وإيطاليا، مدينتي "إزمر" و"سالوتيل" التركيتين. وقد ضمت تلك الهجرة بين صفوفها أعداداً كبيرةً من ذوي الخبرات العالية في مجالات التجارة والصيرفة والصناعة، وخصوصاً صناعة الأسلحة.

ولما كانت الدولة العثمانية تمر في تلك الحقبة في مرحلة التأسيس، وتفتقر إلى العنصر النخبوي لدفع مسيرتها للأمام، أحسنت وفادة الوافدين الجدد، وهيأت لهم أفضل شروط الحياة الآمنة، ومنحتهم حرية التفاعل مع مجريات تطور الاقتصاد الأوروبي والعالمي. والنتيجة كانت أن قوي ساعد الاقتصاد الداخلي وتمتنت شبكة علاقات الدولة الخارجية مع محيطها. وأما على مستوى الجالية اليهودية، فإن التسهيلات التي منحت لها قد عادت عليها بالازدهار والتطور اللافتين، حتى قيل إن القرن السادس عشر كان من القرون الذهبية لليهود في تلك البقعة من العالم. غير أن هذا الوضع من التآلف والانسجام لم يدم طويلاً بين الجالية اليهودية والدولة العثمانية. وما لبثت الأحداث أن بدأت تنحى بتلك العلاقة منحى السلبية والنفور البيني، والتصادم فيما بعد. والسبب، كما سيأتي معنا، غدر اليهود بالدولة التي احتضنتهم وعبدت لهم سبل الوصول إلى أعلى المناصب الاقتصادية والسياسية والثقافية بعد أن لاذوا بها من المصير الأسود الذي كان ينتظرهم على أيدي محاكم التفتيش.

* فرقة الدونمة وبداية التحول:
كما قلنا من قبل، وقال غيرنا، من خلال الخلفية التاريخية للجماعة اليهودية، التي ارتكزت على مفاهيم الخرافة والتضليل والغدر، حتى باتت تشكل نموذج حياة ثابت، هو أقرب إلى الفلسفة الراسخة منه إلى منظومة تقاليد وعادات تحكم مجتمعاً أو جماعة ما. نقول، من خلال تلك الخلفية، يمكن فهم أسس حركة الانقلاب اليهودي على الدولة العثمانية في القرن السابع عشر. وفي التفاصيل، أنه وبعد عودة الهواجس الخرافية إلى المخيلة اليهودية واستثارتها لأحلام العودة إلى "أرض الميعاد"، ظهرت عدة فرق ومنظمات يهودية روجت لمشروع العودة المزعومة، مستغلة بذلك هامش الحرية الواسع الذي تمتعت به في ظل السلطة القائمة. وكانت أبرز تلك الفرق التي ذاع صيتها واستأثرت بتأييد الأغلبية الساحقة من يهود تركيا في القرن السابع عشر هي فرقة الحاخام اليهودي "شبثاي صبي" الذي انطلق في دعوته من نبوءة ظهور السيد المسيح المخلص لليهود، ومن أكذوبة اصطفائه إلهياً كممهد لظهور المخلص. (مع العلم أن شبثاي قد ادعى لاحقاً أنه هو نفسه المسيح المخلص). هذه الدعوة وما لاقت من ترحيب وتجاوب عملي من قبل شريحة واسعة من اليهود العاديين والمتنفذين، وما تبعها من نشاطات يهودية صبّت في غير مصلحة الدولة الحاضنة، أثارت حفيظة السلطات العثمانية ودفعتها إلى اتخاذ إجراءات احترازية بهدف صون واقعها الداخلي.

 وقد عبر السلطان العثماني مراد الثالث عن تذمره الشديد من المنحى الجديد في سلوك اليهود بقوله: "ما الذي يحدث لو قُطعت رؤوس هؤلاء جميعاً"؟. وهذا المناخ المتلبد في العلاقة البينية، وشروع السلطة العثمانية في اعتماد سياسة التهديد والوعيد مع اليهود، دفع بالحاخام شبثاي إلى الاحتماء بحيلة ماكرة تمثلت في التظاهر باعتناق الإسلام وهو في مجلس السلطان العثماني "محمد الرابع" والابقاء باطنياً على يهوديته. وقد تبعه في ذلك كل أتباعه معتبرين أن حيلته هذه تثبت مرة جديدة أنه المسيح المخلص وذلك بلحاظ وجه الشبه الحاصل بين تصرفه وتصرف المخلص الأول النبي موسى عندما عاش في قصر فرعون متبعاً دين الفراعنة ظاهراً ومبطناً ديناً آخر!! ومنذ ذلك الوقت عُرفت الفرقة باسم فرقة "الدونمة". و"الدونمة" كلمة تركية وتعني المتحولين عن دينهم. وتركزت نشاطات هذه الفرقة في مدينة اسطنبول لحساسية موقعها ودورها العواصمي المؤثر. وفيها كان شبثاي يعقد اجتماعاته السرية مع أتباعه. دون أن يغيب في ذلك عن أنظار رجال المخابرات العثمانية. وفي إحدى المرات ضبط في ضاحية "كورو جشمة" الاسطنبولية يخاطب أتباعه بالعبرية. وأهم ما قاله: "الآن وقد أصبحتم مسلمين، اعملوا بكل حرية، عليكم أن تسيطروا على المصادر الدينية والطبيعية والمالية والتجارية والروحية والحيوية للأتراك، واستنفروا في سبيل ذلك كل إمكاناتكم، واستخدموا مختلف الوسائل حتى تتم لكم السيطرة الشاملة عليهم". حينها ألقي القبض عليه وكان من المقرر إعدامه لولا تدخل شيخ الإسلام وقتذاك الذي نصح بنفيه بدل إعدامه كيلا يعتبر بنظر اتباعه شهيداً. وهكذا تم نفيه إلى بالمونيك التي تحولت هي لاحقاً إلى مركز ليهود الدونمة. وبذلك حافظت هذه الفرقة على إنتمائها اليهودي الباطني وعلى تظاهرها بالإسلام. وحرصت طيلة الفترة التي سبقت سقوط الخلافة العثمانية على توجيه سهام الغدر والانتقام إلى صميم الدولة، وعملت بالتعاون مع يهود الداخل والخارج ومع أخطر الحركات اليهودية عالمياً، ونعني الماسونية، على سلخ تركيا عن تاريخها الديني والحضاري وتركها في مهب ريح القومية والعنصرية.

* المؤامرات اليهودية للسيطرة على تركيا:

لئن استطاعت الدولة العثمانية اسكات الصوت العلني ليهود الدونمة بفعل إجراءات النفي وغيرها. إلا أنها عجزت في المقابل عن الوقوف في وجه نزعة الانتقام العارمة التي اجتاحت يهود الداخل والخارج. حيث باشر اليهود العمل منهجياً على تسميم المناخ الإسلامي التركي بأفكار قومية وعنصرية، كسعي مدبر لتفكيك الدولة المترامية الأطراف وفصلها عن محيطها الإسلامي وخصوصاً العربي، وكمحاولة كان لا بد منها لازاحة العقبة العثمانية عن طريق مشروع اغتصاب أرض فلسطين. وتثبت الوثائق أن العقيدة الطورانية (القومية العنصرية التركية) هي من نتاج العقل اليهودي بطريقة أو بأخرى. وقد صرح المستشرق الفرنسي الشهير "برنارد لويس" بأن ثلاثة من يهود أوروبا كانوا يثيرون النزعة القومية عند الأتراك. وهم: اليهودي "آرثر لوملي ديفيد" وكتابه "دراسات تمهيدية" الذي حاول من خلاله إثبات استقلالية العرق التركي وأفضليته على العرب، وقد ذاع صيت الكتاب بعد ترجمته إلى اللغة التركية، وشكل بداية لكتابات تركية تمحورت حول تمجيد العرق التركي. والكاتب اليهودي "ديفيد ليون كوهين" ومؤلفه "تعريف عام بتاريخ آسيا"، مركزاً فيه حديثه على تفوق العرق التركي وسموه. وقد اعتبر كتابه هذا والكلام للمستشرق الفرنسي مرجعاً أساسياً لأعلام الفكر القومي التركي مؤسسي حركة "تركيا الفتاة". والمستشرق اليهودي "أرمينوس فالمبري" ابن حاخام يهودي مجري، وترك عدة مؤلفات منها "رحلة درويش شاحا في آسيا الوسطى" تضمنت أفكاراً مثيرة للعصبية القومية عند الأتراك. هؤلاء الكتاب وغيرهم لعبوا دورهم البارز في بعث وتبلور العقيدة الطورانية العنصرية. وقد لخص المستشرق الفرنسي الآنف الذكر هذه الظاهرة بقوله: "وهكذا أدرك الأتراك قوميتهم عبر الغربيين مستنسخين بذلك الكتابات الغربية (اليهودية).

هذه المحاولات اليهودية لغرس بذور الحس العنصري في التربة التركية، آزرتها جهود الحركة الماسونية التي ظهرت على الساحة التركية في العام 1816 بإنشاء أول محفل لها تحت اسم "شورى عالي عثمان". وقد تمخضت نشاطات الماسونيين ويهود الدونمة وبتوجيه من المجلس الصهيوني العالمي عن ولادة "جمعية الاتحاد والترقي"، التي قادت الثورة ضد السلطنة العثمانية عام 1908، ووضعت النهاية لعصر الخلافة والبداية الفعلية لصيغة الدولة العلمانية. وعن هذا الأمر يصرح المدعو "رفيق بك" من الشخصيات البارزة في جمعية الاتحاد والترقي لمحرر جريدة الوقت الباريسية في 30 آب 1908 بما يلي: "حقاً إننا وجدنا سنداً معنوياً من الماسونية وخاصة المحافل الإيطالية، فقد قدمت لنا خدمة حقيقية ووفرت لنا الملاجى‏ء، فكنا نجتمع فيها كماسونيين لأن كثيراً منا كانوا ماسونيين فعلاً". وفي ظل هذه الأجواء، بدأت جماعة الدونمة بالسيطرة على مقدرات البلاد بدءاً بالحكام، والعسكريين فرجال الدين، حتى أن أول شيخ للإسلام عين في بدء عصر نفوذهم كان: موسى كاظم أفندي في 12 - 7 - 1910 في أوائل عهد الاتحاديين،... ثم وضعوا أيديهم على موارد البلاد فجرى تعيين "دونمة جاويد" وزيراً للمالية، وفي عهده تقدم الدونميون في المجالات الاقتصادية، والتجارية... ثم انتقل نشاطهم إلى الاعلام والثقافة وأحكموا قبضتهم عليها. وبعد نهاية الحرب العالمية الأولى وقع اختيار الحركة الصهيونية والماسونية على الدونمي الولاء وذي الشخصية الغامضة "كمال أتاتورك" لتطبيق مشروعها في إقامة نظام سياسي علماني وتسهيل "عودة" اليهود إلى فلسطين.

* كلمة أخيرة:
وتحقق لليهود ما أرادوا وتأسست الدولة العلمانية التي تحولت إلى معقل يهودي متقدم حتى قبل إقامة الكيان الغاصب في فلسطين. ونختم بكلمة لزعيم اليهود الأتراك "جاك كمحي"، الذي تعرض لمحاولة اغتيال عام 1993، ورئيس محفل "نور" الماسوني في تل أبيب، يعرض فيها خلاصة ما أنجزته المؤامرة اليهودية في تركيا طيلة قرون. ومما قاله: "إن اليهود أسسوا وطناً قومياً لهم في تركيا قبل تأسسه في فلسطين ب25 سنة 500 سنة إلى الوراء، كان ذلك عام 1492م عندما أتم الملك الأراغوني فرديناند والملكة القشتالية إيزابيل استرداد إسبانيا من المسلمين.. لقد كنا لتونا قد خرجنا من المقصلة، فغرناطة استسلمت، ومحاكم التفتيش رمت شتاتنا في البراري، كنا مئة ألف يهودي وصلوا إلى اسطنبول، يهوداً ضالعين في المصارف وصناعة الخيوط وفي احتراف التسول، وها نحن الآن نرفع امبراطورية في أنقرة، فمن يستطيع أن لا يسمع أصواتنا عندما نريد أن نتحدث عن الآخرين؟"!!


(1) فرقة الدونمة بين اليهودية والإسلام، د. جعفر هادي حسن، مؤسسة الفجر.
(2) اليهود في تركيا: د. صالح زهر الدين، دار الصداقة، دمشق، 1996.
(3) ذئب الأناضول، مصطفى الزين، شركة رياض الريس للكتب والنشر.
(4) الإسلام والقومية: د. علي محمد نقوي، منظمة الاعلام الإسلامي.
(5) مجلة "العالم" العدد 568، 10 أيار 1997.
(6) الدونمة يهود تركيا، د. محمد طه الجاسر، "العربي" عدد 473.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع