أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

قراءة في كتاب‏: الإمام الخميني قدس سره ثورة العشق الإلهي‏


تأليف: آية الله عبد الله جوادي آملي‏


ترجمة: كمال السيد
مكتبة الفقيه. الكويت السالمية
مؤلف جامع من القطع الكبير يناهز 483 صفحة، تضمنت أربعة وعشرين فصلاً مع مقدمتين للمترجم والمؤلف، وختمت بملحقين.


يستهله المترجم في مقدمته بالتنظير لقاعدة العود الأبدي لظاهرة الشخصيات الكاريزماتية التي عبرت التاريخ، وأحدثت في خاصرة شياطينه طعنة لن يبرؤوا بعدها أبداً! لكن هذه المرة كان مصداق هذه القاعدة صرخة من جوهر الحقيقة أرسلها الباري من أصلاب أشرف خلقه، إنها روح الله الموسوي الخميني الذي أعاد تفجير ثورة الضمير النبوي. هكذا يبدأ صاحب المقدمة الأولى في الكتاب، يدفع القارئ‏ بقلمه الذي لا يكاد يستقر على معنى إلا وينتقل به إلى معنى أعمق في وصف هذه الشخصية التي اختزلت صيحات المقهورين السابقين واللاحقين، فيجد المطالع نفسه مدفوعاً إلى استحضار الأزمنة الثلاثة لكي يستطيع أن يلامس حقيقة هذا السيد الشاهد والشهيد، وكأن التاريخ معه يعيد نفسه، ليس برتابة الزمن الردي‏ء ولكن بصياغة وتأليف جدلي أعلى من سابقه لا على غرار الجدل الهيغلي، وإنما على طريقة الجدل النبوي الذي يقدم الإلهي على التاريخي والروحي على المادي. يؤكد المترجم أن زعيم هذه الثورة لا يمكن إلا أن يكون جامعاً في صدره كلمات الزبور وسطور التوراة وصفحات الانجيل، وآيات الكتاب الخاتم للوحي والفاتح لعصر الإمامة المقدس. ويتساءل: كيف تمكن هذا الرجل أن ينجح في جمع قبضة من تراب إرث هؤلاء الإلهيين والوارثين لتبر النبوة؟.. ويقدمه برنامجاً للإسلام الحسيني الخالد، كيف استطاع أن يسبر أغوار الزمن الذي يغط تحت ركام الظلمات الغاشية والقهر الدامس ويعثر على الحقيقة الضائعة؟ ألأنه إبراهيمي أو موسوي أو عيسوي أو محمدي أو علوي أو فاطمي أو حسني أو حسيني، أم هو كل هذا الإرث العظيم؟! من السهل والمقنع في آن أن نكشف عن هذا المحمدي بامتياز، ولعل أقرب طريق وأصعبه لتلمس معدن هذا الثائر الكربلائي هو أن نحاول سبر غور النفس الإنسانية مستعينين بمنابع المعرفة الحقيقية، للاقتراب ملياً من هذا الرجل. ويقترح المترجم منبعين هامين هما التصوف والعرفان، بالعمل على محاولة اختزال التخالف الظاهر بينهما، والارتقاء بهما إلى مستوى المجهرين الكاشفين عن موقع هذا الثائر الصالح منهما. ثم دراسة صياغتهما للنفس. كيف يمكن أن تجمع شخصيته بين الانسجام التام في العشق الإلهي، وذوبان الإرادة واستسلامها لحقائق أخرى تعلو فوق لذائذ التجربة الحياتية القاسية، وبين الحضور المباشر في إعمار الأرض والحرث في هذا العالم القاتم؟ كيف تسنى له من جهة: بالاعتماد على مجهر العرفان، أن يصوغ مبدأي الأخلاق الفردي والاجتماعي ويجمع بينهما منفصلين؟

إنها شخصية يقول المترجم تقود مساحة الخيال الوثاب، وتملأ آفاق عالم ممتد بميوله البشرية التي لا تستطيع جرّه إليها. أين هو بين هذا وذاك، وكيف اقتحم عقبة النفس اللوامة، والنفس الأمارة بالسوء، ليستقر على جودي النفس المطمئنة. لا مناص من أن يرتد بنا البحث إلى مصدر لا ريب فيه متمثلٍ في تجربة أهل البيت عليهم السلام، باعتبارها معياراً للكشف عن حقيقة كل شخصية بشرية تتألق وتحاول استعادة القيم. هنا، يسوق المترجم عناصر للدرس تفي بموضوعية البحث: الفطرة كمستودع للسر الإلهي، والقول بمسلماته المنطقية، والإرادة المجسدة للحرية، والضمير الممثل للقانون الأخلاقي، والقلب المتلقي للإشراق، ثم الهوى كمجال لاحتدام الغرائز هذه العناصر لا بد من النظر فيها والبحث في كيفية تراتبها في سلم القيم، وأي منها حاكم على الشخصية الإنسانية، مع التركيز، كما يشير، على العنصر الأخير، وهو الهوى داعياً للحفاظ عليه ككتلة محركة كي لا تتشظى وتتسلم زمام القيادة في الحياة البشرية. وهذا، يقول، ما شدّدت عليه الآيات الشريفة: ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ الله عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ... (الجاثية: 3) والغرض من محاربة الهوى ودفعه إلى كتلته الأولى هو من أجل أن يتقدم دور العقل باستخدامه لمنابع المعرفة السليمة، فيطفو في البداية التصوف والزهد ثم يختمان بالعرفان كسد مانع من سيطرة الأهواء. ينبه المترجم إلى أن أمثل تصديق لهذه المعارف الاعتزال الفطن عن ظلمات المادة؛ وامتلاك الحياة باليدين وطردها من القلب.

في هذا المحراب تكمن شخصية الخميني قدس سره، وفي معبد الكوفة وتراب كربلاء، وسطور مناجاة علي عليه السلام أو بين باسقات النخيل في هجيع الليل، هنا يكابد الخميني قدس سره الجبت والطاغوت، مردداً مناجاة زين العابدين عليه السلام وعابراً لأسفار الملا صدرا قدس سره وأنوار اشراقاته، ونعثر عليه هناك متناثراً في بحور الشعر العربي وقصائد العاشقين، وأقوال الأعداء والأقرباء والمريدين بعدما انفجرت ثورته في القلوب وانتشرت في الآفاق، وحيّرت العقول، وكأنه نبي العهد القديم أو موسى الذي ظهر في بيت فرعون وثار عليه بلغة ملحمة عاشوراء، مهشماً بدمه أصنام الآلهة المزيفة، ثم يسلم روحه إلى بارئها في مقرها الأبدي ليعود حاضراً فينا من جديد.

أما مؤلف الكتاب فهو من جهته يطل بمقدمته على شخصية الخميني قدس سره تحت مبحث تجليات أسماء الله الحسنى وصفاته كعين لكمال ذاته المطلقة، ثم يشرح كيف أن كل رتبة من رتب الكمال الإنساني تتناسب طرداً مع اقترابها ومدى تشبهها بهذه الصفات الجليلة. وعليه، فإن كل إنسان اختار الصلاح واقتحم العقبة وتخلص من درن الطيف الفاني، تتعمق فيه التجليات الإلهية إلى ما لا نهاية لمداه تطبيقاً للأثر "لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لنالته". ويلفت المؤلف إلى أن معركة السير الحثيث باتجاه صفات الكمال الإلهي، والكدح على سلم القيم القدسية، قد احتلته إرادات بشرية حرة، تطهرت منذ الأزل، وحملت ميثاق الله تعالى منذ خلقهم، وأبرز هؤلاء بالضرورة الأنبياء لا سيما خاتمهم المصطفى صلى الله عليه وآله ويليه الأئمة الهداة الذين لا يقاس بهم أحد، ثم الذين يلونهم من نوابهم بالحق على امتداد التاريخ. اختار المؤلف أن يكون الخميني قدس سره نجم هؤلاء الوارثين والمترجمين لاسم الله الأعظم وكأنه جمع من ضيائهم حفنة من أنوارهم ما تزال تتبلور وتشتد إشراقاً إلى أن تتصل بالقائم من آل محمد عجل الله فرجه. ثم يشرح للقارئ‏ بأن مهمة كتابه تعنى بالتجربة النهضوية لهذا الرجل العظيم، باعتبارها أهم محور أثار معاصريه.

ويقدم في دراسة كتابه عناصر النهضة الأساسية، هي على التوالي:
ماهية النهضة بالنسبة للخميني قدس سره والآليات التحصيلية التي استعادت حقيقة الإسلام المحمدي الأصيل. كيف قدم هذا الثائر الإلهي رضا الله على سخط الناس. كيف ترجم الحديث النبوي الشريف "من أصبح ولم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم". عالمية الإسلام، وتثبيت قيم العزة والكرامة، والجهر بكلمة الحق أمام سلطان جائر. ويجمع هذه الأبعاد خيط التوحيد الإلهي، محور رحى الوجود. الذي ترجمه الخميني قدس سره وولى وجهه شطره، اقتداء بسيد الأحرار في كربلاء، في غربته وفي أرضه، وفي يسره وعسره، وفي قيامه وقعوده. هذا هو، يقول المؤلف، في العقيدة التوحيدية، الذي أحكم القول فيه أمير المؤمنين عندما قال: "أصل الإخلاص اليأس مما في أيدي الناس". يشير المؤلف إلى أن ما يترتب على ما سبق، هو أن كل ما أنجزه الخميني قدس سره قدّمه طاعة للإمام المعصوم عليه السلام، امتثالاً للبيان الحسيني فجر نهضته الربانية بقوله: "اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منّا منافسة.. ولكن لنرى المعالم من دينك..". سار هذا الرجل العظيم مراحل حياته غير عابى‏ء لعاديات الزمن ولم يبال أن ترافقه الملايين أو يكون وحيداً، ما دام قلبه قد تعلق سلفاً بما هو أهم من نصرة العبيد، فالله وحده كان مرافقاً له ويصنعه على عينه، ليتمّم صرح مكارم الأخلاق. الذي افتتح بناءه سيد المرسلين صلى الله عليه وآله والأئمة من بعده. وهذا ما أكّد عليه الخميني قدس سره في تطبيقه لأحكام الله وتنفيذه لحدود شريعته دون مساومة أو تردد. ويختم المؤلف بالتنبيه إلى توسيع نطاق المعرفة التي بها تتحدد قيمة كل إنسان، وبالعودة إلى العقل السليم، للتخلص من الأوهام والأغاليط والانعتاق من وطأة العقل الجمعي في قسمه الأول الذي يمثل عقبة أمام الحرية، والتشبث بشقه الثاني الممثل لعقل الفطرة السليم، العابر بنا إلى أفق العشق الحقيقي، لأنه ببركته تتضاءل الحيرة والاندهاش أمام مظاهر الفداء التاريخي والتضحيات الهائلة المدهشة للعقول البسيطة. لكن بالرغم من عدم اكتراث الخميني بالجموع التي كانت وراءه، إلا أن اللطف الإلهي وتوفيقه حفظها له كشموع شاهدة على إخلاصه التوحيدي، لتبقى نهضته مشدودة قدُماً بالوعد المهدوي القريب.

أما فصول الكتاب فهي تتابع ويردف بعضها بعضاً، بالرغم من أنها كما صرح صاحبها عبارة عن شتات من المحاضرات والمقالات المتناثرة في محطات زمنية مختلفة، تارة على شكل خطب تقترب من التحليل العقلي، وأخرى على شكل مقدمات نظرية لا تبتعد عن الصياغة المقالية، لكن ثمرتها تضمنت أبعاداً أساسية في مباني ثورة هذا الرجل في العقد الأخير من القرن العشرين، وساقت أسئلة مركزية في صلة رؤاه ومواقفه بالمنظور القرآني. هذا فيما يخص الفصل الأول والثاني، حيث حلّل فيهما المؤلف قواعد وشروط كل ثورة ناجحة انطلاقاً من أن سنن التاريخ تنهض على قاعدة الحق ﴿مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ(الحجر: 85)، مع التنبيه على أن كل حركة تاريخية تخالف ضوابط هذه السنن عاقبتها الاضمحلال ﴿قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ(آل عمران: 137). وهكذا تصبح السنن الإلهية ثابتة لا تتبدل قد جعلها الله تعالى شوامل للأخلاق العقائدية والثورات الروحية بها تنتصر وعليها تقوم. على هذا ظهر الخميني العظيم، ومن هذه الفلسفة النبوية تربى وتشرب كيف ينتصر في مختلف مجالات حياته العلمية والعملية، سواء في النجف حيث كان يُلقي علوم أهل البيت بين طلابه، أو في منفاه في فرنسا حيث كان يخطط لإزالة العرش البهلوي، ثم بعد ذلك في تجربته الحكومية في إيران الإسلام. في الفصلين الثالث والرابع يغوص بنا في مساحة عزيزة الاختراق، وهي شخصية الخميني وحركة العرفان والشوق نحو سدرة المنتهى التي تتلاطم في نفسه المطمئنة، فهو "المسافر في وادي العشق" الذي اختاره المؤلف عنواناً للبحث، مركزاً على آية أسوة السالكين ﴿كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ(الأحزاب: 21) التي جعل منها الخميني قدس سره ضابطة نهضته المباركة، فهو في كل آن من حياته مقتد بجده أمير المؤمنين عليه السلام وركنه الأمين خاتم المرسلين صلى الله عليه وآله.

بهذه الأطروحة الأخلاقية يكون الخميني قدس سره بنظر المؤلف عاقلاً وعاشقاً، يعيش هواجس الكائن الحكيم والراهب الثائر، مهاجراً من الحب إلى المحب ومعلماً لأتباعه كيف يمارسون "الهجرة الكبرى" نحو المعبود الحق. في الفصل الخامس يردف المؤلف بحثه السابق بالولوج بنا في العرفان العملي المستعاد على يد هذا الرجل الإلهي، بصياغة تأليفية بين العقل والعشق، وهي كما يلاحظ القارى‏ء بحور متباينة في ظاهرها، إلا أنها تلتقي وتهدأ في نفوس أصحاب الإرادات المحلِّقة فوق ركام التاريخي البشري، وهذا ما حاول الخميني قدس سره ترجمته من بداية نهضته إلى نهاية وظيفته في الحياة، طوى فيها سفر الأسفار الأربعة، ليعود إلى العالمية المحمدية من جديد، علماً وعملاً في سير حثيث نحو ردم الثلمة التاريخية التي ظهرت في حادثة الطف، وبهذه الصياغة يصبح الخميني في نظر المؤلف بطل الأسفار والسير بالحق في الخلق ومن الحق إلى الحق، أسوة بالأنبياء الذين في عودتهم يتجلى الابداع الخلاّق للقيم الإلهية، التي لخصها الملا صدرا في السلوك من الخلق إلى الحق وفي الحق بالحق، ومن الحق إلى الخلق بالحق، ثم في الخلق بالحق، لتلتئم بهذا الأخير عوالم الكثرة في الوحدة. أما الفصل السادس فقد كان فصلاً قائماً بذاته، تضمن لوحتين تفصلان الفروق الجوهرية بين مسلك الطبيعة الملائكية المتميز بالعبودية والطاعة، وبين مسلك الطبيعة الافتراسية للبشر، وفي قلب هذين المسلكين، يتساءل المؤلف، كيف اخترق الخميني ثقل المادة باتجاه البعد الملائكي. وهذا الكدح بنظره يظهر ناصعاً في البعد التفسيري للقرآن من منظور المنهج الخميني ودوره في وصل الحلقات الضائعة بين الإيمان والعمل ونلحظ ذلك جيداً في الفصل السابع الذي خصصه للتفصيل بين الإيمان بلا عمل المتعلق بضعاف الناس، والعلم بلا إيمان المتعلق بالظالمين لأنفسهم، والإنسان الفاقد للعلم والإيمان المتعلق بالكائنات الجاهلة، ثم العلم والإيمان معاً المتعلق بالصنف الأعلى وهم المؤمنون الذين سيشملهم الفوز يوم القيامة. وهنا يلخص المؤلف حقيقة معرفة الخميني لهذا التلازم بين القيمتين ونجاحه في الاصطباغ بهما.

الفصل الثامن والتاسع محورهما التصديق العملي بما سبق، أشرف الخميني قدس سره على الدعوة إليهما بسلوكه، بعدما حقق معراج السلوك في أفق إمام العارفين، بالبحث الحثيث عن سر كل شي‏ء في الوجود، بدءً بمعراج الصلاة في البرزخ النزولي في معراج النبي صلى الله عليه وآله والبرزخ الصعودي في قبر المؤمن، مخترقاً للزمان السابق واللاحق،والنظر فيما وراء الفقه وما يركن وراءه من أخلاق ومبادى‏ء روحية، لينفتح بها الخميني قدس سره على عبودية التعليم والتعلم وتزكية النفس، والجمع بينهما في تفاصيل حياته، منبهاً على أهمية الأصل المشترك لهذه القيم النبوية المتمثل في تزكية النفس المقومة لإنسانية الإنسان ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ويخلص المؤلف إلى أن هذا الرجل الكربلائي "لم يكن مجمع فضيلتي التعليم والتزكية وإنما جامع لهما بمعنى صناعة الذات" ص‏193 منابعها القرآن والسنّة المعصومة والعقل ليصل بها إلى أطروحة الدمج بين التعليم والتزكية. أما الفصل العاشر والحادي عشر الذي تمحور حول مبدأين: الالتزام الثقافي، والاستناد إلى الإبراهيمي كلاهما في نظره يسند الآخر، ليلتقي التاريخ النبوي الأصيل مع الالتزام التشريعي والأخلاقي فتصبح كل عملية ثقافية شكلاً من أشكال الوفاء بالعهد والميثاق المقدس الذي توارثه الإلهيون عبر التاريخ، عهد بالمواجهة الدائمة للظلم وميثاق بالتشبث بجذور الوحي التوحيدي "فالعلماء ورثة الأنبياء والرسل" (بحار الأنوار 1 – 164 - ح‏2). الفصل الثاني عشر والثالث عشر: جمعا بين البعد الكربلائي في الثورة الإسلامية المعاصرة، ونظرية التجديد عند الخميني قدس سره، وهما بنظر المؤلف قراءتان تستحقان البحث والتدقيق والنظر المستمر في متون الأصول العقائدية والتاريخية، للكشف عن سر الثورة والمنطلق وكيف كانت تطبق لو خاضت الشعوب الأخرى هذه القراءة الحسينية للإسلام، كل هذه الأسئلة يتوسع المؤلف في البحث عليها من خلال التفصيل بين الفقه وأصوله وبين الاجتهاد والعقلية الاخبارية التي سادت في عالم الشيعة فترة من الزمن.

الفصلان الخامس عشر والسادس عشر: محاولة للتنبيه على صورة الاجتهاد التجديدي في البعد العقائدي والسياسي، يسوق فيها المؤلف معنى الحج الإبراهيمي بنظر الخميني قدس سره كظاهرة سياسية، وشعيرة عبادية من خلالها يتجلى المصداق الحقيقي للتبري من كل طاغوت، وهو ما برز في مساحة أخرى اعتبرها الخميني قدس سره منهجاً متجدداً في التصدي للكفر والإلحاد، لكن هذه المرة ليس بمنطق القوة وإنما بقوة المنطق، متمثلاً بالرسالة التاريخية التي وجهها إلى آخر زعماء السوفييت، قبيل انهيار امبراطوريتهم. الفصلان السابع عشر والثامن عشر: دراسة في آثار الرسالة ووفود ورسل الخميني قدس سره إلى الاتحاد السوفييتي خريف 1988، والتصوير الدقيق لتفاصيل المهمة الصعبة والدقيقة للوفد الإيراني وكيفية تبليغ الرسالة. ويقلب المؤلف المشهد بعد ذلك إلى الحديث عن الحكومة الإسلامية كنعمة كبرى. ثم تتلاحق بقية الفصول لتوضح الفلسفة والأهداف البعيدة لهذه الحكومة التي أسسها الخميني، وطور فيها البحث في نظرية ولاية الفقيه المستمدة من عمق الإرث النبوي ونجاعتها في قيادة البشرية والفاقدة للنظام الحقيقي والأهداف السامية. ويختم المؤلف بأن هذا الطرح لمفهوم القيادة، لا يمكن أن يستمر إلا بالترقي بهذه الثورة المباركة إلى آفاق جديدة في مواجهة التحديات بالاستمرار بإحيائها وكأنها وقعت بالأمس، مستمداً هذا السلوك السياسي من منطوق الآيات: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيم (مريم: 41)، باعتبار أن "ذكريات الرسالات الإلهية هي تذكرة" ص‏351.

والمتأمل في سير البحث عند المؤلف يجد أنه يشير ويؤكد على مصادر أساسية لا بد من العودة إليها: التجربة العلمية والعملية للإمام الخميني قدس سره والقراءة المتأنية لوصيته الخالدة في النص الذي امتاز به الملحق الثاني في آخر الكتاب.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع