ايفا علوية
من وجع الأرض التي سكن تاريخهم في أحضانها وورثوا ترابها
المجبول بذكريات أجدادهم، انطلقوا يحفرون فيها مقابر لأقدام وحوش نبشت معالمها
وتركت مشاهدها الوديعة صوراً مشوّهة تضج بالخراب.
من آهات الشيوخ الذين جلسوا على
شرفات الماضي يتكئون على حلم العودة إلى هناءٍ عاشوا أحلى سنين عمرهم في دياره
وأصرّوا أن يحملوا في مخيلتهم أمل استرجاعه، هبوا بقوة قبضاتهم الحديدية يكسرون
قيوداً وحواجز محولين أجزائها إلى ذرات متناثرة.
من أنين الأمهات التي ضمّت بين ذراعيها أجساد الطفولة المقتولة بذنب الانتماء إلى
هوية الوطن المغتصب، قاموا بقلوب تغلي فيها نيران اللوعة فتتحول حرارتها براكيناً
تذوب فيها دروع المحتل وأسواره الواقية. من عنفوانهم الذي أبى الخضوع لجنود ما
رفعوا فوق أكتافهم إلاّ عتاد الخيبة والانكسار وما حملوا في جعبهم إلا زاد اليأس
والخوف، نهضوا وثاروا في انتفاضة غضبهم يقضّون مضاجع أوهام حملتها عصابات الشتات
التي جمعتها العنصرية من هنا وهناك.
إنهم الاستشهاديون، الذين باعوا أرواحهم فداء
الشرف والكرامة وفتحوا أجسادهم قنابل بشرية تدوّي في مسامع الغزاة: عودوا من حيث
أتيتم.