أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

في شهر رمضان ..احذر أن تكون شقياً‍‍‍‍‍


الشيخ أحمد إسماعيل


كما هي الصفات الحسنة التي تطلق على من يتحلّى بها لتكون أبرز صفة من صفاته، كذلك الصفات السيئة التي يعتمدها صاحبها سلوكاً وواقعاً لتشكل علاقة خاصة ورابطة قوية بين العنوان والمصداق، ومن جملة تلك العناوين السلبية صفة الشقاوة التي تتأصل في المصرّ عليها والعاكف على التزامها، وهي التي تحمل بدلالتها المضمون الحقيقي للشقاء، فما أصعب وأسوأ أن يكون المرء منا شقياً وان يحاسب يوم القيامة حساب الأشقياء، والى أي درجة متسافلة يصل الشقي بشقاوته حينما يُطلق عليه هذا الوصف!

فالشقاء في اللغة هي الشدّة والعسر وهي ضدّ السعادة ونقيضها، والشقاء في منطق رسول الله صلى الله عليه وآله هو من يُحرم غفران الله في شهر الله الكريم، ذلك أن الذي يتقلب في النعم الإلهية ويعيش الفرص الربانية التي يمنحها الخالق تعالى لعباده وفي المقابل يتغاضى عنها ويتغافل عن التعرّض لها فهو اختار لنفسه هذه الصفة السلبية، وهو بذلك يبحث عن العسر والشدّة في الوقت الذي أراد له رب العزة السعادة والطمأنينة. وكأننا بهذا النمط من الناس كمن أعطي آلة موسيقية ليعزف لحن الحياة، لكنه يختار عزفاً مبنياً على اللهو والطرب والفوضى والاضطراب فتتحول الآلة بين يديه إلى آلة تعزف أنشودة الموت. فينقل سامعيه إلى مشهد جنائزي مخيف في الوقت الذي يتطلب منه أن ينشد الحياة، فلم يخلق الإنسان ليكون شقياً، بل خلق للسعادة.

وللسعادة مفتاحها ورمزها ولغزها وباختصار كامن في سلوك طريق الهداية والرشاد، فمن يختار السعادة يسعى لها من خلال مقدماتها، ومن يختار تنكب الصراط يكون قد اختار الشقاء الذي إذا دخل فيه المرء وأراد أن يمخر عبابه فلا يستطيع بعد ذلك الخروج منه بسهولة، فالله تبارك وتعالى أراد لنا أن ننتهز فرص الخير لأنها تمرّ مرّ السحاب، ومن جملة هذه الفرص والمحطات الإلهية شهر رمضان المبارك بما يحمل من موائد معنوية عامرة بالجود الإلهي والكرم الرباني حيث أعد الله للصائمين على مائدة عشاقه من الأصناف المعنوية الخيرات الكثيرة فليست هذه الخيرات مذاقاً يؤكل وأكلة معينة لذيذة وإنما هي، النفس تسبيح، والنوم عبادة، والعمل مضاعف، كل ما في ليالي الشهر وأيامه هي من أفضل الليالي والأيام. فالشياطين مغلولة وجهنم مغلقة وأبواب الجنان مفتحة. أليس بعد كل هذا الكرم الإلهي والعطاء المتواصل من يعرض عنه محروم وشقي ولا يستأهل إلا صفة الشقي.

 فالواقع الذي نعيشه يستنكر على الإنسان فعلته إن عثر على الجواهر والدرر ولم يلتقط منهما ما ينفعه لدهره وأيامه السوداء. والواقع الإسلامي ينكر على من وفقه الله لزيارة المراقد المقدسة لكنه مع ذلك يعرض عن الاستفادة والتزود من معاني الزيارة فيذهب بجسده إلى جوار النبي صلى الله عليه وآله والأئمة الأطهار ويُبقي قَلبه بعيداً عن معاني القرب من الله والتحليق بالروح إلى سمو الإيمان وعروج اليقين فينتهي بأشياء صغيرة تافهة وحطام دنيوي ليس له أي قيمة وينسى الهدف الأساسي الذي كان على ضوئه ذهابه ورحلته. الشقي حقاً هو من يعرض عن حقائق الإيمان ويضيع فرص الخير التي يصبها الله تعالى على الناس جميعاً، والشقي حقاً هو من لا يستفيد من كوامن القوة فيه وحبه للخير بعد أن هداه الله النجدين والطريقين وألهمه الخير فيعرض عن ذلك ويتلوث بالذنوب والمعاصي ليصل إلى ذروة الشقاوة، فلم يُخلق الإنسان ليملأ كيانه ووجوده ودنياه بالمعاصي والذنوب، بل خلق ليؤدي مساراً معيناً ودستوراً قويماً يتحدد على ضوئه مدى سعادته وشقائه.

وهذا تابع لعمل الإنسان نفسه في هذه الدنيا، فالمعصية طريق يؤدي إلى القساوة والقساوة جسر موصل إلى الشقاوة، فعن أمير المؤمنين عليه السلام "من أعظم الشقاوة القساوة". فقد ورد أن زليخا زوجة عزيز مصر قالت للنبي يوسف عليه السلام لما أصبح حاكماً لمصر إن الحرص والشهوة تصير الملوك عبيداً، وإن الصبر والتقوى يصيّر العبيد ملوكاً فقال يوسف عليه السلام قال الله تعالى ﴿إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ وورد أيضاً أنها قالت الحمد لله الذي جعل الملوك بمعصيتهم عبيداً، وجعل العبيد بطاعتهم ملوكاً وعن الحبيب المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله انه قال لعلي عليه السلام: "يا علي! أشقى الأولين عاقر الناقة وأشقى الآخرين قاتلك". وفي رواية أخرى: من يخضب هذا من هذا وأشار إلى لحيته ويافوخه، وهنا يحق لنا أن نتساءل عن السرّ الذي جعل قدار بن سالف عاقر الناقة والتي هي ناقة الله وعبد الرحمن بن ملجم المرادي قاتل أمير المؤمنين عليه السلام فجعل الأول أشقى الأولين والثاني أشقى الآخرين وهو باختصار بسبب الخلفية وخبث النية ونتانة السريرة لدى هذين الشخصين وإقدامهما على العمل الإجرامي في سابقة تحدّي للسماء حيث لم يكن عند أي منهما أي عداء شخصي بل كان الهدف إطفاء نور الله والقضاء على معجزة الله حيث كان خروج الناقة من الجبل آية إلهية وكان الأمير عليه السلام بحد ذاته آية أو قراناً ناطقاً.

وقد ذكر القرآن الكريم قصة عاقر الناقة بعدَ أن تحدّث عن نفس الإنسان فقال عز من قائل ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا  فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ليؤكد المولى عز وجلّ أن الفلاح والنجاح يكمن في تزكية النفوس سواء كان الأمر على مستوى الفرد أم على مستوى الجماعة، وان الخيبة والخسارة هي في عدم الموفقية في عالم التزكية. قال تعالى ﴿إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا الشمس 12 - 13 - وقد سُئل أمير المؤمنين عليه السلام المقتول بيد أشقى الآخرين، أي الخلق أشقى، فقال عليه السلام: "من باع دينه بدنيا غيره". فما أصعب هذا الموقف والمشهد أن يبيع المرء دينه، أخلاقه، قيمه، إيمانه، ليستفيد غيره بالدنيا وليس هو، وليقبض غيره ثمن هذا الصفقة الخاسرة فيخرج هذا الشقي من الدنيا دون أن يستفيد منها فلا يصيب دنيا ولا آخرة بحكم الشقاوة التي تغلب عليه قال تعالى ﴿قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وعنه عليه السلام "من الشقاء أن يصون المرء دنياه بدينه".

وهذا الكلام لأمير المؤمنين عليه السلام يذكرنا بقول الشاعر:

نرقع دنيانا بتمزيق ديننا

فلا ديننا يبقى ولا ما نرقع‏


بعد هذا - أيها القارئ الكريم - ألا يجدر بنا أن نلتفت إلى أنفسنا الأمّارة تلك النفس الجزوعة الهلوعة التي تريد سوقنا إلى حيث لا نريد؟
ألا يحسن بنا أن نستغل بركات الشهر الكريم لئلا نكون من الأشقياء الذين اعتادوا التمرد على الأوامر الإلهية؟
يجدر بنا اختيار طريق السعادة المؤدي حتماً إلى غفران الله وعفوه الشامل وجوده الذي لا ينقطع، ذلك أن عفوه تبارك وتعالى ولطفه هو كالماء المنهمر فلماذا نهرب من البركات الإلهية والألطاف إلى حيث الأنفس ودهاليز الذات وسراديب الأنا، نهرب منه إلى أنفسنا ومن هو تبارك اسمه؟ ومن نحن؟

- نحن المقصرون، نحن المذنبون، العاصون الذين نحمل نسبة من الشقاء فنسعى لتوسيع دائرتها، فحتى لا تتسع هذه الدائرة تعالوا إلى الله مستفيدين من الفرص التي لا تزال مشرّعة لطلاب السعادة، تعالوا لنكون سعداء لا أشقياء - تعالوا نطمع في غفران الله في هذا الشهر الكريم - شهر رمضان - فإن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر - كما أخبرنا رسول لله صلى الله عليه وآله فإلى تلك المغفرة والى عفوه عز وجلّ لنتذوق طعم الإيمان والسعادة ونتعرف على لذة المناجاة للحبيب الأوحد.

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع

علي النهري - زحلة - لبنان

Mahdi mahdi

2021-04-20 05:15:13

بارك الله بكم وأيدكم و سدد خطاكم .

بيروت

جواد عيتاني

2021-04-20 17:29:53

مشالله مقال جميل جدا. مشكور مولانا