أذكار | أذكار لطلب الرزق مع الإمام الخامنئي | سيّدة قمّ المقدّسة نور روح الله | الجهاد مذهب التشيّع‏* كيـف تولّى المهديّ عجل الله تعالى فرجه الإمامة صغيراً؟* أخلاقنا | الصلاة: ميعاد الذاكرين* مفاتيح الحياة | التسوّل طوق المذلَّة* الإمام الصادق عليه السلام يُبطل كيد الملحدين تسابيح جراح | بجراحي واسيتُ الأكبر عليه السلام  تربية | أطفال الحرب: صدمات وعلاج اعرف عدوك | ظاهرة الانتحار في الجيش الأميركيّ

دروس في الأخلاق السياسية: امتحان الولاية

الشيخ محمد شقير


إن الله تعالى قد منح كل إنسان نوع ولاية سواءً على نفسه، أم على غيره، وإنّ‏َ أولى تلك الولايات هي ولاية الإنسان على نفسه وهي موطن الولاية الكبرى، وما بقية الولايات إلاَّ بمثابة تجلٍ لهذه الولاية؛ والمراد من ذلك أن من لم يحسن ولايته على نفسه فيلجم شهوته ويغلب هواه لن يفلح في أية ولاية أخرى يتولاها حتى لو كانت في ظاهرها ولاية لله، وإذا أفلح في ولاية نفسه فهو على ولاية غيره أقدر. وقد كانت ولاية النفس ولاية كبرى لما يترتب عليها من عظيم الأثر، ولما فيها من جسيم الخطر ولأن ما يسير عليه في ولايات الظاهر إنما يحكي ما عليه في ولاية الباطن فإن سار فيها إلى الهوى سار في الظاهر إلى الردى، وإن مشى فيها إلى التقوى مشى بين عباد الله بالهدى.

فالعجب العجب لمن يسارع إلى ولاية الظاهر وهو يزهد في ولاية الباطن فلا يدري انه يسارع إلى الجهل ويحيد عن هدى العقل، وقد يزين له شيطانه ويلبس عليه وسواسه انه إنما يسارع إلى الخيرات طلباً لما عند الله من مرضاة وانه يفعل ذلك لما يرى في نفسه من قدرة واستعداد وانه لا يبغي إلاَّ خدمة العباد. فيا حسرة على هذا المسكين لأنه لو فتَّش في خبايا نفسه لفاحت رائحة شهوته وعرف أنه لم يسارع إلى ولاية الظاهر إلاَّ طلباً للجاه وانه لا يعبد في ذلك إلاَّ هواه، وانه لا يريد إلاَّ زيادة في المال ولا يعبأ بما سيكون عليه في المال. حيث يعرف انه قد غشته الظلمات واستولت عليه الشهوات فيتجرع الغصة بعد الغصة وتغلبه الحسرة بعد الحسرة. إن من كان يطلب حقيقة الولاية لأخذ نفسه سبيل الهداية حتى إذا استمكن منها واطمأن لها أمسك ولاية الظاهر وسار بين العباد بالمآثر، وإلاَّ فقد أضلّ‏َ العباد وأفسد في البلاد وصار سبباً للغواية وحائلاً دون الهداية، لم تمنعه ولايته من الظلم ولم تحجبه عن الإثم لأنه لا يرى فيها إلاَّ سبباً للارتزاق فإن أضرَّ الظلم في رزقه اتقى حرصاً على لقمته، وإن أساء إلى سمعته اعتدل خوفاً على مكانته وإن كان الظلم وسيلة للرزق والشهرة ارتكبه دون وازع وإن كان الإثم سبباً للكسب والسمعة عمله دون رادع.

إن أشدّ ما يمتحن المرء في ولايته على نفسه وسياسته لجوارحه وسيطرته على قلبه، فالمتقي من أتعبته نفسه وأراح الناس من سطوته يمسي أرقاً ويصبح فرقاً أرقاً من أن تأخذه حمية أو تناله عصبية وفرقاً من أن يؤذي مؤمناً أو يدخل مأثماً. فإن أذى مؤمناً امتلأ ندماً فمدَّ إلى ربه توبته وساق إلى أخيه معذرته قد قتلته حسرته حتى يقبل منه عذره وخنقته غصته حتى يؤدي إليه حقه. همّه أن يؤدي ما عليه من حق ويثق أن من الله الرزق، يريد أن يسير بسيرة الأولياء وأن يحيي ذكر الأنبياء يخشى مما كلف من منصبه ويخاف من غضبه ربه خشيته من أن يرى فيما عنده سبباً للقوة فينسى قوة الله وإن ما في يديه علَّة للعظمة فيعمى عن عظمة مولاه جهده في أن يفرج عن مؤمن كربة وأن يصبح مظهراً للرحمة، غنمه في أن يدخل على مؤمن سروراً وأن يرى عليه حبوراً. أحب إلى قلبه أن يكون سبباً للرحمة من أن يكون مظهراً للنقمة، منطقه الرفق وشعاره حسن الخلق، يظهر لك المودة ويسعك محبة فيذكرك بأوصاف خاتم النبيين وسيد المرسلين، حيث يقول تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ التوبة/128.

أما عابد الهوى فإن رأى مظاهر العظمة عظمت نفسه وشمخ أنفه قد مال إلى التكبر والغرور وهجر التواضع ونسي وحشة القبور لأن من أصابه الكبر كانت صورته أقبح من الذر، قد وضع دونه الحواجب ويعتز إن طلبه طالب. إن استمعت إليه ترى في منطقه منطق السلاطين وتبصر في أفعاله فعل الشياطين، إن رأى فيك دنيا يتقرب إليك، وإن رأى فيك ديناً يتباعد منك، يسره مدح المادحين ويزعجه وعظ الواعظين، يصوغ رأيه بما يعود بنفع العاجل ويزهد بما يغني من ذخر الأجل يرى في منصبه سبيلاً إلى منفعة عاجلة ومصلحة زائلة فينسج قراره بما ضمن غايته، ويحيك شريعته بما يحفظ هدفه، يعامل من دونه بالإثم والعدوان ويتقرَّب إلى من فوقه بالتزلّف والادهان، قد أساء الأمانة وارتكب الخيانة.

إن الولاية هي الامتحان العظيم، فإن رعاها حق رعايتها قادته إلى رضا الله فأكرمه وحباه وحشره مع من تولاه، وإن هضمها حقها وخرج عن الجادة الوسطى قادته إلى النار ومسَّه غضب الجبار. فيا أيها الحبيب إياك ثم إياك أن ترى في الولاية مظهراً من مظاهر الدنيا وأن ترى فيها سبباً للعزة فتعتز بغير الله وتأنس بما سواه، كأنك لم تسمع قوله عليه السلام حيث يقول: "إلهي إن أعززتني فمن ذا الذي يذلني، وإن أذللتني فمن ذا الذي يعزني". واحذر أن تصيبك بسببها رفعة وأن تجعلها باباً للسمعة كأنك لم تسمع قوله عليه السلام : "إلهي إن من تعرف بك غير مجهول".

إعلم أيها العزيز أن ولايتك الكبرى هي ولايتك على نفسك فأقبل عليها وأصلحها واعتنِ بتهذيبها وتأديبها وليكن شعارك التواضع واجتناب المطامع؛ فإن من أصلح نفسه صلحت آخرته ومن أنار قلبه تنوَّر قبره.

أيها العزيز إن أعظم الحسرات حسرة أن تظهر في الدنيا في ولاية الرحمن وتبدو في الأخرى في ولاية الشيطان. واستمع إلى قول علي أمير المؤمنين ومولى المتقين عليه السلام إذ يقول:"طوبى لنفس أدت إلى ربها فرضها وعركت بجنبها بؤسها وهجرت في الليل غمضها حتى إذا غلب الكرى عليها افترشت أرضها وتوسَّدت كفها في معشر أسهر عيونهم خوف معادهم وتجافت عن مضاجعهم جنوبهم وهمهمت بذكر ربهم شفاههم وتقشعت بطول استغفارهم ذنوبهم، أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون".

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع