نور روح الله | يوم القدس: يوم الإسلام* إلى قرّاء القرآن: كيف تؤثّرون في المستمعين؟* أخلاقنا | ذكر الله: أن تراه يراك*  مفاتيح الحياة | الصدقات نظامٌ إسلاميٌّ فريد(2)* آداب وسنن| من آداب العيد  فقه الولي | من أحكام العدول في الصلاة مـن علامــات الظهــور: النفس الزكيّة واليمانيّ* تسابيح جراح | بالصلاة شفاء جراحي صحة وحياة | الرّبو والحساسيّة الصّدريّة تاريخ الشيعة| شيعة طرابلس في مواجهة الصَّليبيّين

العرفان النظـريّ مبادِئُه وأصولُه

إعداد: حوراء حمدان


تأليف: يد الله يزدان بناه
تدوين: عطاء أنزلي
ترجمة: علي عبّاس الموسوي


ورد عن الإمام الحسين عليه السلام في دعاء يوم عرفة قولهُ: "إلهي أمرتَ بالرُّجوعِ إلى الآثار فأرْجعني إليْك بكسوةِ الأنوار وهِداية الاستبصار، حتّى أرجعَ إليك منها كما دخلتُ إليك منها مَصُونَ السِّر عن النَّظر إليها مرفوع الهمّة عن الاعتماد عليها"(1).

*نظريّة معرفة الوجود والكون
إنّ المبحث العقيديّ التوحيديّ هو من المباحث التي تؤثّر بشكلٍ مباشرٍ على الواقع الحياتيّ الإنسانيّ. ذلك أنّ الإجابة عن الأسئلة الوجوديّة وتأسيس المباني الفكريّة التوحيديّة من شأنهما أن يُحدّدا السلوك الفردي والاجتماعي على المستويات كافّة. وقد حفل الفكر الإسلاميّ بالعديد من العلوم التي اضطلعت بتقديم نظريّة معرفة للوجود والكون، إلّا أنّ كلّاً منها اعتمد على أساليب استدلالية مختلفة.
وتُعتبر المعرفة المبنيّة على الشهود والكشف أحد تلك الأساليب، حيث حاول أصحابها تقديم معرفة خاصّة للوجود انطلاقاً من مشاهداتهم بعد طيّهم مراحل السير والسلوك. يُعرف هذا العلم اليوم بالعرفان النظريّ، فما هو العرفان؟ وما هي قواعده وأركانه؟
لأجل التعمّق في هذه المسألة نُقدّم لكم قراءة في كتاب "العرفان النظريّ مبادِئه وأصوله"، تأليف يد الله يزدان بناه وترجمة عليّ عبّاس الموسوي.

يتألّف الكتاب من ثلاثة أبواب وخمسة عشر فصلاً بالإضافة إلى المقدّمة، ويبحث في حقيقة العرفان النظريّ والهندسة المعرفيّة للوجود، كما يُبيّن علاقته بالشريعة والعقل ودور الإنسان في هذا النظام. وفيما يلي لمحة موجزة عن هذه الهندسة الوجودية.

*النشأة والتحوّلات التاريخيّة
ترجع الجذور المعرفيّة للعرفان الإسلاميّ إلى التعاليم القرآنيّة والسنَّة النبويّة. وهذا ما تدلُّ عليه أقوال العرفاء ومصطلحاتهم العرفانيّة التي تحضُر بقوّة في القرآن والأحاديث الشّريفة.

يُقسّم الكاتب المفاصل التاريخيّة للعرفان النظريّ إلى ثلاثة عصور رئيسية، وتُشكّل شخصية محيي الدين ابن عربي علماً مفصليّاً بين العصر الأوّل والثاني. كما أدّى ظهور شخصيّة الملّا صدرا على المسرح العرفائي، في العصر الثالث، إلى بروز اتّجاه جديد يجمع بين الفلسفة والعرفان ضمن نظام واحد.

*حقيقة العرفان النظريّ وعلاقته بالشريعة والعقل
يُقسّم العرفان إلى عرفان عمليّ وآخر نظريّ. يبحث الأوّل في السّير الذي يُمكّن الإنسان من الوصول إلى الكمال النهائيّ والتحرّر الموجِب للقرب من مقام الحقّ. أمّا العرفان النظريّ فيُعبّر عن الحقائق والمعارف التوحيديّة التي تكشّفت للسالك من خلال الشهود. هذه الحقائق المشهودة هي أساس العرفان النظريّ، لكنّه ليس إلّا تعبيراً عنها فحسب.
يُعالج هذا العلم المسائِل المرتبطة بالوجود من حيث هو دون قيد، ويعتمد منهجيّاً على الشهود والكشف. أمّا معاييره التمييزيّة فهي الشريعة كمعيار عامّ، وأستاذ السلوك. ومؤخراً أضيف إليهما ميزانُ العقل.

*التوحيد العرفانيّ ومقام الذات
يستعرض الكاتب في البدء آراء المدارس الفلسفية حول الوحدة والكثرة، من نظرية التشكيك العامّ المشّائيّة إلى نظريّة وحدة الوجود العرفانيّة مروراً بنظرية التشكيك الخاصّ الصدرائية.
إنّ الوجود في النظريّة العرفانيّة هو الحقيقة الأصيلة العينيّة، والكثرات المشهودة هي شؤون هذا الوجود المطلق. "إنّ الوجود الواحد المطلق، الذي لا وجود لشيء غيره، هو، في عين كونه كذلك، تُشكّل الكثرات... مظاهر ذلك الواحد وشؤونه".
يُحاول الكاتب تقديم تحليل دقيق لهذه النظرية من خلال المباني الفلسفيّة للحكمة المتعالية.
كما يبيّن الكاتب لوازم النظرية وفروعها، على اعتبار خصوصيّتها الخارجية لا الذهنيّة، ويقدّم الأدلّة البرهانيّة والشرعيّة على النظريّة.
ثمَّ يتحدّث الكاتب عن المقصود العرفائيّ من مقام الذات الذي هو الإطلاق الصرف العاري عن أيّ قيد. ويُعتبر العلم واسطة التنزّل من مقام الذات المطلقة إلى التعيّنات.
ويبحث في مسألة الجبر والاختيار، حيث يعتبر أنّ العلم الربوبيّ السابق لا يتنافى مع الإرادة الإنسانيّة.

*الفيض والعوالم الخَلقية
أمّا الفيض الأقدس فهو الذي يؤدّي إلى ظهور الأسماء الإلهيّة والأعيان الثابتة. والمقدَّس يؤدّي إلى ظهور التعيّنات الخَلقية، والتي هي بسبب طلب الأعيان الممكنة للظهور. الفيض الأقدس والمقدّس هما معاً حصّتان من النَّفس الرحمانيّ. وبحث النَّفس الرحماني خاصّ بالعرفان النظريّ، وثمة آراء مختلفة حوله.

*الإنسان الكامل
حقيقة الإنسان تجمع في ذاتها كلّ الحقائق، أي وحدها تملك القدرة على جمع الحقائق الخَلقيّة والإلهيّة في ذاتها.
ثمّ يبحث الكاتب في مراتب اليقين من علم اليقين، عين اليقين وحقّ اليقين. وحقّ اليقين هو أهمّ وأقوى أنواع اليقين، وهذا يتحقّق عندما يصل العارف إلى مقام الفناء أو البقاء بعد الفناء، لأنّه لا يرى إلّا الوجود المطلق ويعلم به.

*الرسالة النبوّة والولاية
الحقيقة المحمّديّة حقيقة أزليّة، وهي مظهر الاسم الجامع "الله" (الوصفيّ لا الذاتيّ)، وهي بمثابة العين الثابتة له. والتكثّر المتعدّد للأنبياء والأولياء هو بحسب الحقيقة الأصليّة حقيقة واحدة، وكمال التجلّي يكون للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم. يبحث الكاتب في هذا الفصل حول الرسول بلحاظ ثلاث جهات، والجهة الأهمّ هي الجهة الحقانيّة وهي الجهة المرتبطة بالحضرة الإلهيّة.
بعد الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يأتي دور الأولياء أو الأوصياء ليرثوا العلم عنه. ويبحث الكاتب في الفصل الأخير عن خاتم الأولياء عند ابن عربي.

*تحليل ومناقشة
لا يمكن للذي يقرأ هذا الكتاب إلّا أن يتأثّر بنحو أو بآخر بمحتوياته، ليس فقط بسبب البيان العميق للكاتب، بل أيضاً لأنّ موضوع الدراسة له تأثير كامل على واقع الإنسان ومستقبله القادم. فالدعوة الإلهيّة للإنسان للتأمّل ولإعماله عقله وقلبه هي دعوة إلهيّة للكمال وإدراك حظّه من الوجود كما يُعبّر العرفاء.

في المقابل، فإنّ الكثير من الأسئلة الإشكاليّة قد تطرأ على الذهن. وقد تكفّل الكاتب بالإجابة عن قسم منها بالفعل. فيمكن أن نسأل مثلاً: إذا ما كانت كافّة العلوم الإسلاميّة تستقي معارفها من منبع واحد وهو الشريعة، فلِمَ نشهد هذا الاختلاف فيما بينها الذي قد يصل إلى حدّ التناقض؟ والاختلاف هنا هو اختلاف على التفسير، والذي يعود بدوره إلى المنهج المتّبع في كلّ من تلك العلوم. لذلك، فإنّ التساؤل حول المنهج الأنجع لقيام تفسير أفضل وجامع هو تساؤل مشروع.

من الأسئلة الإشكالية الأخرى التي تحتاج إلى بيان مسألة الجبر والاختيار وارتباطها بالأعيان الثابتة، وكذلك المسائل المتعلّقة بالعقل والتناقض التي وسمت نظريّة وحدة الوجود من المنتقدين، على الرغم من بيان الكاتب ومحاولاته الناجحة في إبعاد هذه التهمة.


1- مفاتيح الجنان، عباس القُمِّي، ص348.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات: