مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

فقه القائد: الاستنساخ البشري بين العلم والدين


فضيلة الشيخ محمد توفيق المقداد


عند كل ابتكار أو إبداع علمي يُشكّل منعطفاً في مسيرة الإنسانية نرى الضجة الإعلامية والاجتماعية والأخلاقية التي تترافق حوله بين مؤيد ومعارض، ومشجع ومستنكر، وهذا الأمر لاحظناه مراراً عديدة، خاصة في العقود الأخيرة حيث بلغ التطور العلمي حداً أذهل المجتمعات البشرية، وكلنا يتذكر عندما وطأت قدما أول بشري أرض القمر كيف أن البعض من الناس لم يهضموا هذا الأمر وتصوروا أن هؤلاء، اخترعوا هذه القصة من خلال نزولهم بمركبتهم الفضائية في منطقة نائية ومنعزلة من العالم الأرضي وأوهموا البشر أنهم نزلوا أرض القمر ووطؤوها بأرجلهم.
 

أحببت أن أبدأ بهذه المقدمة لأقول إن التطور في المجال العلمي والعملي يبدأ من الخيال المستنبط من واقع ما تشهده ميادين الفكر الإنساني من نشاطات واقعية وإبداعات عملية تشكل أساساً للمطوح العلمي المستقبلي، وهذا الطموح لا مانع منه من وجهة نظر الدين الإسلامي، بل يشجع عليه انطلاقاً من الثابتة الإسلامية القائلة بأن الوجود الإنساني موظَّف بأن يبني الحياة وقف المنطلقات الإلهية، ولا شك في أن العلم هو الطريق الذي يمهد للإنسان تحقيق الهدف الإلهي للحياة والإنسان، ولكن ضمن إطار الضوابط التي تسمح للعلم بأن يسبح في مجال المباح من هذه المساحة وهي الأكبر والأكثر اتساعاً تبعاً لتنوع الحياة الإنسانية الغني والمليء التفاصيل المحتاجة إلى الحلول العلمية والعملية في أغلب الأحيان.

من هنا يمكن القول إن كل فكرة علمية تُطرح لا بد أن تندرج تحت طوائف ثلاث محصورة هي:
الأولى:
أن تكون الفكرة متعلقة بأمر يحرمه الإسلام والأديان عموماً كفكرة "القتل الرحيم" التي ابتدعها البعض لتخليص الإنسان من آلامه وأمراضه غير القابلة للشفاء، فهذه الفكرة مرفوضة من أساسها لأنها ترتبط بالحياة مباشرة بما هي معطى إلهي لا دخالة للبشر فيه، فواهب الحياة هو الذي يأخذها، ولا يحق لأي شخص أن يدعي وصايته على البشر ليحدد من منهم ينبغي أن يموت بسبب مرض لا شفاء منه، ومن منهم ينبغي أن يعيش لقابلية الشفاء لديه.

الثانية: أن تتعلق الفكرة بأمر مستحسن عند الأديان والعقلاء مثل "اختراع الأدوية المختلفة لشفاء الأمراض المتنوعة"، فمثل هذه الفكرة تدخل ضمن دائرة الاحتياجات الأولية للإنسان بما هو معرض للابتلاء وبكل أنواع المرض، ونرى أن الإسلام يشجع عليها ويعتبر السعي لتطوير مثل هذه الفكرة عملاً إنسانياً راقياً نظراً لخدماتها فيما لو تحققت آثارها ونتائجها الايجابية، كما هو واقع الحال في مسيرة الإنسان قديماً وحديثاً، وخففت عن الإنسان الكثير من الآلام والأوجاع.

الثالثة: أن تتعلق الفكرة بأمر لم تظهر بعدُ نتائجه الإيجابية أو السلبية، وما زالت الفكرة في طور التكون، أو في مرحلة البدايات التي لا يمكن إعطاء صورة جلية عنها تزيل كل الغموض والالتباس المحيط بها، فمثل هذه الفكرة لا نستطيع الحكم عليها بالتحريم القطعي أو التحليل القطعي لمجرد كونها فكرة فقط، أو لمجرد الخوف من بعض الأضرار والسلبيات التي ما زالت في مرحلة التصور والتنظير الفكري، والحكم بالحلية أو الحرمة بهذا النحو هو تسرُّع في غير محله ولا ينسجم مع الطريقة العقلائية في التفكير والاستنتاج من وجهة نظر إسلامية وعقلائية.
الاستنساخ عبارة عن تطور علمي في أسلوب التكاثر لا نرى مبرراً للقول بتحريمه من وجهة نظر دينية وإسلامية بالتحديد
وفكرة الاستنساخ التي نحن بصدد الحديث عنها تدل في هذه الطائفة الثالثة إلى الآن، ولا نرى مبرراً للحكم عليها بالإعدام بالمطلق أو السماح لها بالحياة بالمطلق، وينبغي إعطاء هذه الفكرة مجالها العلمي الرحب حتى تتضح معالمها وأبعادها من كل الجوانب، ثم نعطي الحكم وفق ما ينتج عن تجاربها العملية من آثار ومعطيات.

وللتوضيح أكثر نقول إن الاستنساخ هو صورة من صور الخلق والتكوين، وليس عملية خلق بالاستقلال عن القدرة الإلهية، وبمعنى آخر ما زال الاستنساخ داخلاً ضمن دائرة ما يستطيع الإنسان الوصول إليه وفقاً للقدرات الفكرة والعقلية المودعة فيه والتي لا تتنافى مع قدرة الخالق المطلقة غير المحدودة، وبتعبير ثالث الاستنساخ سيبقى ضمن حدود سقف القدرة الإلهية وليس خارجاً عنها.

فعملية التوالد البشري كانت تنتج عن عملية التواصل بني الذكر والأنثى حيث يتم تفريغ النطفة داخل رحم المرأة ثم يتم تلقيحها مع البويضة هناك لتكون مبدأ نشوء الإنسان، وهذه الطريقة ما زالت هي المتبعة بنحو الأعم الأغلب بين البشر، ثم تطور العلم فتوصل إلى عملية الإخصاب عبر تلقيح البويضة بالنطفة خارج الرحم ثم إعادتها إليه لكي تنمو هناك بشكل طبيعي، ثم تطور الأمر بسبب الاكتشافات العلمية الدقيقة لعناصر التركيب الأساسية للإنسان بحيث صار قادراً على استنساخ إنسان مشابه تماماً لإنسان آخر عبر أخذ خلية حية منه وتلقيحها بخلية أخرى بتم تفريغها من كل العناصر الوراثية الموجودة في نواتها.

فالمسألة إذاً هي عبارة عن تطور علمي غير خارج عن الموازين الشرعية التي تسمح للعلم بالانطلاق لاكتشاف الحقائق الكونية ومحاولة الاستفادة منها لما ينفع حياة البشرية، وهذا التطور في أسلوب الخلق لا نرى مبرراً للقول بتحريمه من وجهة نظر دينية وإسلامية بالتحديد، وإن كان الاستنساخ ما زال إلى الآن غير عملي على المستوى البشري، حيث لم تحصل تجارب خلق إنسان بهذه الطريقة.
من هنا نقول إن المسألة إلى الآن داخلة في حيز المباح الشرعي ولا داعي للتحريم من الآن، بل علينا أن ننتظر ظهور النتائج الفعلية فهي التي تتوضح من خلالها آثار هذا العمل ونتائجه، فإن تبين أن الإنسان المستنسخ هو شبيه صوري للإنسان المتعارف فقط، لكنه لا يتمتع بمواصفاته الخلقية والخلقية أو غير قادر على القيام بالوظائف الإنسانية بالشكل الذي يقوم بها الإنسان العادي، أو تبين أن هذا المستنسخ سيكون إنساناً سيئاً خالياً من كل معاني الإنسانية الايجابية، وسيكون مصدر شرور وآلام وإفساد للحياة، فعند ذلك يمكن القول بأن التحريم هو الحكم المبرم لأن العناوين الثانوية بل الأولية في هذا المجال يمكن تطبيقها لمنع الاستمرار في هذا العمل.

{وإثمهما أكبر من نفعهما} عندما تحدث عن منافع الخمر والقمار من الناحية الايجابية ثم أوضح أن مفاسدهما أكثر ولهذا اقتضى الأمر تحريمهما لهذه العلة.
والاستنساخ البشري لا يخرج عن هذه المعادلة القرآنية، فهو أمر لم تظهر لنا حسناته أو سيئاته، وما زالت القضية إلى الآن تدور في الإطار النظري فقط، وعندما تصل قضيته إلى المستوى الإنتاجي وتظهر الآثار فعندها يمكن الحكم عليها بنحو قاطع.
ولا بد من الإشارة إلى أن الإشكال في المسألة والنقاش منحصر في الاستنساخ البشري، أما استنساخ الحيوان والنبات فمما لا مانع منه من وجهة نظر الإسلام. خاصة إذا كان المراد منه تحسين نوعية الغذاء أو نوعية اللحوم التي يأكلها البشر، نعم لو فرضنا أن العلماء يريدون استنساخ حيوانات وحشية أو غيرها مما يمكن أن تهدد الوجود البشري أو تؤدي إلى تكاثر أنواع من الحيوانات الصغيرة المفسدة للبيئة والمضرة بصحة الإنسان فعندما يمكن القول بالتحريم أيضاً.

ولهذا يمكن القول أخيراً إن الاستنساخ إذا أريد له أن يكون وسيلة من وسائل تطوير الاستفادة من الإنسان المستنسخ أو من الحيوان أو من النبات بطريقة لا تتعارض مع هدف الوجود الإنساني وهو بناء الحياة وتسهيل الاحتياجات الضرورية للبشر فهذا مما لا مانع منه، وأما إذا كان الاستنساخ في المجالات المذكورة سيؤدي إلى الإضرار بالحياة البشرية، ففي الجانب الذي يحصل فيه الضرر لا بد من القول بالتحريم القطعي، لأن الضرر في الإنسان أو في الطبيعة هو خلاف المقاصد والأغراض الإلهية القائمة على موازين الحق والعدل.

- سؤال -
هل الاستنساخ بنفسه جائز أم لا؟ ثم بمن يلحق الولد المتولد بالطريقة المذكورة من جهة الأبوة والأمومة؟
وما هو حكم العلاقة النسبية والرحمية (من جهة النظر واللمس والزواج) بين المولود وصاحب الخلية وصاحب البويضة وصاحب الرحم؟
وما هو الحكم بالنسبة لانتشار الحرمة وأحكام الميراث؟
- جواب -

باسمه تعالى
الظاهر أن الاستنساخ في نفسه لا إشكال فيه ويجب الاحتراز عن المحرمات والمفاسد الجانبية، والولد ملحق بالرجل والمرأة الأصليين ويلحقه جميع الأحكام والآثار كالأولاد الآخرين.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع