الإمام الخميني قدس سره
من خلال وصيته الشريفة يتابع الإمام الخميني رضوان اللَّه عليه توجيهاته المباركة لأبناء الشعوب الإسلامية التي تسعى نحو الغد الأفضل حيث يجب أن تتنبه هذه الشعوب إلى انطلاقتها وإلى وجهتها وإلى أسلوب تحركها كيف ينبغي أن يكون.
وفي هذا الصدد يرى الإمام أنه يلزم على الشعوب أن تدرك السر في انتصار ثورة الإسلام المباركة في هذا العصر.. لأنها إذا أدركت ذلك فإن تحقيق الانتصار ثم المحافظة على ذلك الانتصار يصبح أمراً معقولاً.
يقول الإمام قدس سره:
"لا شك في أن سر بقاء الثورة الإسلامية هو نفس سر النصر، ويعرف الشعب سر النصر، وستقرأ الأجيال الآتية أن ركنيه الأصليين هما الدافع الإلهي والهدف السامي للحكومة الإسلامية،واجتماع الشعب في جميع أنحاء البلاد مع وحدة الكلمة من أجل ذلك الدافع وذلك الهدف.
إنني أوصي جميع الأجيال الحاضر منها والآتي... إذا أردتم أن يستقر الإسلام وحكومة اللَّه وأن تقطع يد المستعمرين والمستغلين الداخليين والخارجيين عن بلدكم فلا تضيعوا هذا الدافع الإلهي الذي أوصى اللَّه به في القرآن الكريم..
وفي مقابل هذا الدفاع الذي هو سر النصر وبقائه، نسيان الهدف والتفرقة والاختلاف، وليس عبثاً أن تركز الأبواق الإعلامية في جميع أنحاء العالم وامتداداتها المحلية في بذل كل جهدها على الشائعات والأكاذيب التي تزرع الشقاق.
الأمر الذي يجب أن ينصب عليه الجهد الآن وفي المستقبل وينبغي أن تدرك أهميته ومن قبل الشعب الإيراني المسلم ومسلمي العالم هو إبطال مفعول الإعلام المفرق الهدام.
ووصيتي للمسلمين وخصوصاً للإيرانيين ولا سيما في عصرنا الحاضر أن يتصدوا لهذه المؤامرات ويقووا انسجامهم ووحدتهم بكل طريق ممكن ليزرعوا اليأس في قلوب الكفار والمنافقين".
في هذا المقطع المبارك للإمام ينجلي لنا وبشكل قاطع الرأي الحاسم للإمام في مجموعة من المسائل أراد لها أن تخرج من قلبه لتستقر في قلوب المؤمنين وأهم الحقائق التي تضمنها هذا النص المبارك:
1- على الناس جميعاً أن يدركوا أن الحفاظ على المكتسبات يحتاج إلى بذل جهود كبيرة قد تصل في بعض الأحيان إلى ما هو أكثر من الجهود التي بذلت من أجل تحصيل تلك المكتسبات... لقد شكل انتصار الثورة الإسلامية ضربة مذهلة للكفر العالمي.. وهو كما مرّ معنا لن يقف مكتوف الأيدي أمام ذلك بل سيسعى للانتقام من خلال حبك المؤامرات ضد هده الثورة.
2- إن ما قامت هذه الثورة على أساسه وكان عاملاً في انتصارها يبقى هو العامل في سبيل المحافظة عليها... ويخطئ من يعتقد غير ذلك... وذلك أن نوعية الأخطار التي تواجهها الشعوب بعد الانتصار هي عين ما واجهته سابقاً وذلك أن المبدأ الذي يراد أن تقوم الحكومة على أساسه- وهو الإسلام- مرفوض من قبل سفاحي العالم المستكبر ومصاصي دماء الشعوب المستضعفة...وهذا الإسلام قديماً وحديثاً يواجه من قبل الكفر بالتضليل للشعوب ومن خلال الحرب النفسية والإعلامية والثقافية..
وأمام ذلك تبقى مواجهة الأخطار في أي مرحلة من المراحل هي عينها بالإجمال وأن كان هناك بعض الاختلاف في التفاصيل وذلك بحسب الظروف وبحسب الأساليب المبتكرة التي يبتدعها الكفر لمحاربة الحق والحقيقة.
3- إن الثورة الإسلامية هي فعل إلهي ولا شك في ذلك.. ولكن هذا لا يعني أن إرادة تكوينية مجردة هي التي جعلت هذه الثورة تنتصر بلا مقدمات.. بل إن هذه الثورة المباركة قد انتصرت متوجة بذلك جهوداً عظيمة قد بذلت في سبيل اللَّه تعالى..
وإن هذه الجهود التي بذلها الشهداء والمجاهدون من علماء ومفكرين وثوار في الماضي والحاضر.. لا بد أن تنتج نهجاً أصيلاً يرفع الضيم عن الذين جابهوا القوى العاتية.. وذلك لأن جهود هؤلاء المجاهدين كانت تتجه لشيء واحد وهو رضا اللَّه تعالى.. فيكون الدافع الإلهي سبباً في ما بعد للانتصار على العدو، لأن الذي يثمن هذا العطاء.... هو من بذل ذلك العطاء من أجله... وهذا لا يفرق فيه بين ظرف وظرف آخر، فإن العمل إذا بذل لوجه اللَّه ثم أصبح لغير اللَّه فعند ذلك يصبح هباءً منثوراً لا تقوم له قائمة.
4- إن وحدة الكلمة التي تجلت في هذا الشعب قد شكلت العامل الضروري للانتصار... حيث إن مسيرة الإسلام لا يمكنها أن تجتاز العوائق إلا من خلال حركة الأمة باتجاه الهدف، ولقد استطاع هذا الشعب المجاهد على مرور عقود من الزمن أن يثبت جدارة غير عادية في مواجهة الشر حيث كانت الكلمات موحّدة تحت راية الإسلام المحمدي الأصيل..
إننا عندما ننادي بوحدة الكلمة فليس المقصود بها وحدة الكلمة كيفما اتفق وتحت أي راية ترفع.. وإنما المقصود هو وحدة الكلمة تحت راية الإسلام العزيز.. ومن هنا نرى الإمام المقدس رضوان اللَّه تعالى عليه يركّز على الاقتران بين أن يكون الدافع إليهاً وبين أن تكون الكلمة موحّدة..
إن كون الدافع إليهاً مع كون الكلمة متفرقة لأي سبب من الأسباب لا يحقق الهدف، كما إن توحيد الكلمة مع كون الهدف غير إلهي لن يحقق للشعب ما يصبو إليه من مكانة ورفعة في هذا العالم.
5- إن موضوع الإعلام والأبواق الإعلامية هو من المواضيع المهمة جداً على مستوى المواجهة.. ولكن يجب أن تضع الشعوب الإسلامية في حساباتها أن مواجهة إعلام الآخرين لا تتم من خلال تأمين وسائل إعلامية إسلامية رسمية بالمقابل فحسب... وذلك لأن المواجهة بهذه الشكل هي مواجهة بلا طائل... فمن يستطيع أن يسكت أعلام الاستكبار بهذه الطرقة؟؟ وهو الذي يملك ما يملكه من إمكانيات مادية هائلة. إن على شعوب العالم الإسلامي أن تتحوّل بأفرادها كافة إلى منابر إعلامية تستطيع أن تقضي على إعلام الآخرين.
وذلك من خلال تحول كل فرد إلى وسيلة إعلامية متنقلة أين منها وسائل الإعلام الكبرى في العالم.. فعند ذلك لن يستطيع الإعلام المستكبر أن ينال منا شيئاً...
إن قيام الأمة بهذا الدور يجعلها أولاً بمنأى عن كل الأخطار التي يضعها الكفر العالمي أمامها لأن كثيراً من الأخطار ينشأ من حالة جهل وعدم دراية بالحقيقة... ومن جهة أخرى يكون الأفراد من خلال أخذ دورهم هم الأداة التي تواجه وليس الأدوات التي توجَّه، فكم هو الفرق بين فئة تعتمد على مواجهة الآخرين بالتضليل الإعلامي.... وبين فئة أخرى تواجه التضليل بتبيان الحقائق.