أميمة محسن عليق
كان المساء في الأزقة منعشاً، العصافير الجميلة تبعث تغريدها الرائع فتفرح القلوب وتحيي الأرواح، أرسلت الشمس أشعتها الخجولة بين أوراق الشجرة، التي أرقب حياتها في كل الفصول منذ أتيت إلى هذا المنزل...
حاول النسيم وهو يزيل الحزن القابع فوق قلبي... لم أستطع أن أنسى طفلي الرضيع الذي دخل حياتي بلطف وحنان فحوَّل سكونها صخباً محبباً.. ولكن ابتلاني اللَّه بفراقه سريعاً.. فترك للغصَّة مكاناً في روحي ووسم كياني بالوحدة..
لم أستطع أن أمنع نفسي من البكاء بدموع ساخنة ألهبت شوقي لطفلي الحبيب..
صرير الباب قطع علي مرارة الذكريات التي تنبض بصوته الملائكي وبكائه في النهار وفي الليل...
دخل زوجي "الحاج ميرزا" مسرعاً، فرحاً تعلو البسمة محياه.
- خيراً إن شاء اللَّه، أراك فرحاً مسروراً..
- عندي لك خبر.. سيسعدك كثيراً..
- يسعدني حقاً؟.
- جاء في اليوم السيد مصطفى..زوجته ولدت في الأسبوع ذاته الذي ولدت فيه.. لا تستطيع أن ترضع طفلها لشدة ضعفها.. ويريد مرضعة لطفله إنه صبي رائع رأيته البارحة متأكد أنك ستحبينه كثيراً، لقد طلب مني السيد أن أسألك..
- عشت القلق لبعض الوقت.. لكني اندفاع زوجي الذي يحاول من كل قلبه إسعادي ومساعدتي على نسيان هذا الحدث الأليم جعلني أسرع في أخذ القرار... تذكرت طفلي الصغير، بسمته، وجهه، حياته معي، حبي الكبير لروحه الطاهرة.. أحببتُ أن أحتضنه، أن أقبله.. والتفت إلى عائلة السيد مصطفى.. إنها عائلة مؤمنة تقية وزوجته امرأة صالحة وقفت إلى جانبي في كل المصاعب التي مرَّت معي.
- نعم أحضره سوف أرضعه.. ونظرت إلى السرير الفارغ في زاوية الدار.
ولم تمض ساعة حتى كان الطفل الرضيع مع صرة أغراضه عندي في البيت..
يا اللَّه ما أجمله..أخذته بين ذراعي، تدفق الحنان في قلبي والبسمة على وجهي..
رائع هذا الوجه الملائكي الذي أعاد الطيور المزقزقة إلى قلبي... وأعاد الأحلام الزاهية إلى أيامي..
احتضنته، ارتجف قلبي.. أرضعته.. كفَّ عن البكاء قليلاً.. نظرت إلى زوجي ممتنة لهذه الهدية الرائعة.. حمدت اللَّه كثيراً، اقتربتُ من السرير الفارغ.. قبَّلت طفلي الجديد.. أخذت أدندن له لحناً طالما غفا لسماعه ابني..
وضبت أغراضه.. قبلته ثانية.. أغمض عينيه وغفا..
- ستأتي أمه لزيارته كل يوم.. إنتبهي له..
- طبعاً.. لا تقلق.. إنه طفلي الجميل..
انطلقت بنشاط واندفاع إلى أرجاء المنزل أجمّع لعباً وهدايا صارت منذ فترة كل سلواي..
وضعتها قرب السرير.. سوف يفرح بها عندما يستيقظ..
- ولكن ما اسم هذا الطفل الجميل..
- عفواً نسيت أن أقول لك اسمه "روح اللَّه".
- "روح اللَّه مصطفى الخميني" اسم رائع...
جلست قُرب السرير أنظر في هذا الوجه المبتسم اللطيف.. رددت الاسم "روح اللَّه" "روح اللَّه".
فتح عينيه برهة نظر إلى السماء، أدار نظره نحوي ثم غفا من جديد..
وكنتُ أرسم لمستقبل ابني الجديد صوراً وآمالاً كبيرة.. وأبتسم.. لرؤية ما أرسمه أمامي.. مستقبل عظيم لهذا الطفل النوراني..
"إن شاء اللَّه" سيكتب اسم ولدي "روح اللَّه" في أعلى المقامات.. وغلبني النعاس وأنا استمع لهدهدة السرير الخشبي وزقزقة عصافير "خمين".
- مستوحاة من قصة حقيقية، ضمن مجموعة قصص عن حياة الإمام (قدس سره).