السيدة الزهراء عليها السلام سر الإنسان الكامل
فضيلة الشيخ شفيق جرادي
تميز الإمام الخميني قدس سره الشريف عن غيره من العلماء والعرفاء بميزات عديدة لا مجال لحصرها أو الإحاطة بها، ولكن أهمها على الإطلاق هو ذلك العشق والذوبان الكامل بالنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الأطهار عليه السلام، الذي هو نتيجة حتمية وثمرة طبيعية للمعرفة الكاملة بهم صلوات اللَّه وسلامه عليهم، ولا سيما الصديقة الكبرى ومفخرة بيت النبوة فاطمة الزهراء عليها السلام.
والحديث عن الزهراء عليها السلام حديث ذو شجون أعجز أرباب العقول والأفهام وحيَّر أصحاب القلوب والإلهام لعظمتها وعظمة الأسرار التي استودعت فيها، وعلى كل حال فلا يمكن لأحد أن يفي حقها، كما يقول الإمام قدس سره، حتى من خلال الأحاديث الشريفة لأنها إنما ذكرت على قدر أفهام المخاطبين واستيعابهم، وهل يُصبُّ البحر في جرة؟!.
فإذا كان حال العارف كذلك فكيف يكون حالنا يا ترى؟ وإذا كانت السيدة الزهراء عليها السلام مطمح معرفة الإمام قدس سره وغاية عرفانه فماذا تمثل لنا نحن؟! لنرَ ماذا يقول الإمام قدس سره.
هل المرأة كائن يختلف عن الرجل من حيث التكوُّن الذاتي الخلقي منه والخلقي؟
إن الجواب عن هذا التساؤل شكل منعطف الاختلاف في النظرة التي حكمت قبل الإسلام وبعده؛ وشكلت موقفاً فلسفياً ومعرفياً أثر في النظام الحقوقي بالنسبة إلى المرأة..
فما قبل الإسلام سادت الأوساط الاعتقادية، نقاشات حادة تبحث عن أن المرأة إلى أيّ نوع من المخلوقات الحيوانية تنتمي؛ هل هي شر كالعقرب، وإن كان لا بد منه؟ أم أنها أليفة تفيد الإنسان - الرجل - بشكل يُؤمن راحته؟
أياً يكن الجواب فالثابت في هذا النقاش هو:
أولاً: أن المرأة ليست إنساناً؛ إذ الإنسان يساوي الرجل وحده.
ثانياً: أنها مسخَّرة للرجل سواء عن طيب خاطر منها أو عن غير طيب خاطرها.
ثالثاً: أن حقوقها هي التي يسمح بها الرجل.
وهنا جاء الإسلام ليخرجها في دائرة الحقوق عن إرادة الرجل ورغبته، وليعتبرها الإنسان الذي ملاك أمره بيد ربه، الذي هو سبحانه وتعالى وحده.
فلها من اللَّه مثل ما عليها؛ كما للرجل مثل ما عليه؛ والجميع يقف على السواسية أمام الرب الخالق ليخضع لحكمة الحق الإلهي ، والنداء بحق الجميع "وقفوهم إنهم مسؤولون".
وعليه فالحُكم المعنوي لرفعة الرجل أو المرأة لم يعد يخضع إلا لاعتبار مدى الارتباط بالباري سبحانه وتعالى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير﴾ٌإذ الميزات الخلقية - المادية محكومة لحد ومعيار مفاده "كلكم لآدم وآدم من تراب".
وعن هذا الجانب يتحدث الإمام الخميني قدس سره في مناسبة "يوم المرأة" الذي أعلنه لمناسبة "ولادة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام".. "أهنئ الشعب الإيراني النبيل وأبارك له. لا سيما النساء المحترمات - يوم مولد الصديقة الطاهرة البهيج وهو جدير بأن يتخذ يوماً للمرأة.
لقد وقعت هذه الولادة السعيدة في عصر وبيئة لم يكن ينظر إلى المرأة كإنسانة، بل كان وجودها مدعاة لشعور أسرتها بالضعة تجاه الأسر الأخرى في الجاهلية. في مثل هذه البيئة الفاسدة المهولة، أخذ نبي الإسلام العظيم بيد المرأة وأنقذها من مستنقع العادات الجاهلية. ويشهد تاريخ الإسلام على الاحترام الكبير الذي أولاه رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم لهذا المولود النبيل لكي يلفت الأنظار إلى عظمة المرأة ومكانتها في المجتمع، وأنها ليست أدنى من الرجل، إن لم تكن أفضل منه، إذاً فمثل هذا اليوم هو يوم حياة المرأة.. يوم ولادة فخرها وانطلاقة دورها العظيم في المجتمع.. إنه يوم عظيم.. يوم أطلَّت فيه على الدنيا امرأة تضاهي كل الرجال".
* بعض المعاني الخاصة بولادة الزهراء عليها السلام
لقد اعتبر الإمام الراحل قدس سره أن يوم هذه الولادة الطاهرة المقدسة للسيدة الزهراء عليها السلام أطل على الدنيا بمجموع من القيم منها:
أ - "أنه يوم شريف للعنصر المتألق" إذ منها كان استمرار عبق الرسالة والنبوة والولاية عبر الأئمة الأطهار عليهم السلام وهم أبناؤها وأحفادها.
ب - أنها عليها السلام "أساس الفضائل الإنسانية والقيم السامية لخليفة اللَّه" وبهذا فهي أساس حاكمية الكون والولاية التكوينية والصراط الإلهي المستقيم.
ج - أنها عليها السلام "حقيقة الإنسان الكامل، لم تكن امرأة عادية، بل هي كائن ملكوتي تجلى في الوجود بصورة إنسان.. بل كائن إلهي جبروتي ظهر على هيئة امرأة".
أما كيف كان للسيدة الزهراء عليها السلام كل ذلك فيقول الإمام قدس سره: "انطلقت في حركتها من مرتبة الطبيعة، وطوت مسيرتها التكاملية بالقدرة الإلهية، بالمدد الغيبي وبتربية رسول اللَّه لتصل إلى مرتبة دونها الجميع".
د - أن للسيدة الزهراء عليها السلام من المقام الرفيع ما لا يمكن إدراكه وسبر أغواره فحقيقتها عليه السلام من مختصات علم اللَّه سبحانه وتعالى "امرأة هي مفخرة بيت النبوة وتسطع كالشمس على جبين الإسلام العزيز.. امرأة تماثل فضائلها فضائل الرسول الأكرم والعترة الطاهرة غير المتناهية..
امرأة لا يفي حقها كل من يعرفها مهما كانت نظرته ومهما ذكر لأن الأحاديث التي وصلتنا عن بيت النبوة هي على قدر إفهام المخاطبين واستيعابهم، فمن غير الممكن صبُّ البحر في جرة؛ ومهما تحدث عنها الآخرون فهو على قدر فهمهم ولا يضاهي منزلتها، إذاً فمن الأولى أن نمرَّ سريعاً من هذا الوادي العجيب".
وإذا كان الإسلام قد ارتكز في فهمه لموضوعة الإمامة إلى ركن وثيق هو حاضنة امرأة قدسية - الزهراء عليها السلام - فهذا يعني أن رؤية الإسلام للإنسان قد حملت مقومات انقلاب مفاهيمي وعملي كبير.
إذ تحرَّر فيه من قيد الشكلية إلى أفق الحقيقة والمضمون فلا همَّ في القيم الربانية أن يكون الإنسان رجلاً أو امرأة؛ إذ الأصل ومورد الكلام هو التثبت من أن يكون الإنسان إنساناً.. وهل من كمالٍ إنساني بلغ شأن سيدة نساء العالمين الزهراء عليها السلام؟!.