مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

قصّة قصيرة: جاء اللقاء حميماً


أميمة محسن عليق


"أخيراً... جاء اللقاء مع جبل صافي حميماً يملؤه الشوق... مكللاً برهبة عظيمة... كله دفء وحنان وقوة واندفاع... بدأت أيامي تمر بتنوع غريب وروعة فريدة... أخذت أتأمل الروابي والشمس والطيور والطرقات والأشجار والقيوم والنسمات كلها لها معنى آخر غير الذي نراه في حياتنا اليومية..
تزيد من قدسية هذا الجبل حياة المجاهدين الذين تعرج أرواحهم إلى الملأ الأعلى كل يوم..
رجال زادتني رؤيتهم ومعاشرتهم ولقائي بهم نبذاً للدنيا وحباً وعشقاً للشهادة...
هنا... تكون السماء قريبة جداً.. ترحل الأرواح مع كل صلاة خلف الآفاق... تناجي الرحمان بكلمات خارج الزمان والمكان...
إنه الإيمان.. صعب أن نعتمد إلا على إيماننا.. هكذا يقولون، فبنادقنا القديمة لا تستطيع أن تقاوم الطائرات الجبارة، ولكن إيماننا يهزم أقوى الطواغيت والجبابرة..
في يومي الأول التقيت الأخ "جهاد" الذي دلَّني على مهماتي ونوبات الحرس وأعطاني سلاحي وعرفني في جو ألفة على الإخوان الذين استقبلوني بطيبة وحرارة.

كان جهاد رفيق الدشمة التي أناوب فيها... يحدثني دائماً عن أولاده الثلاثة: علي، فاطمة ومحمد... يقلّد تصرفاتهم ويعيد كلامهم... حتى كنت أشتاق لحديثه عنهم... واشتقت أكثر لمعرفتهم... وبدأت الأحداث تتسارع يوماً بعد يوم مع تسارع أشواقي للإخوان ولهذا الجبل الأبي.
15 تموز 1995: شاركت بأول اقتحام لي مع المجاهدين... كان قلبي يكبر بالعزة وأنا عائد إلى المحور... بالرغم من إصابتي في قدمي...

16 تموز 1995: لم تكن إصابتي خطرة فبقيت في المحور وصار جهاد هو الممرض والطبيب المناوب... يحنو علي حنوَّ الأم... يضمّد جراحي، يخبرني حكايات عن أولاده وضيعته... عن المجاهدين وانتصاراتهم... آنستُ به كما أحببت حكاياته اللطيفة...
حدثني عن حياته... أحلامه... طموحاته، شيء ما زرع الحب في قلبينا، صار صديقي الحبيب وصرت صديقه الحنون...

14 حزيران 1996: جاءتنا اليوم الأوامر للاستعداد للغد "فعندنا ضربة كبيرة".

15 حزيران 1996: حضرنا العتاد والأسلحة وانطلقنا نحو الهدف ـ موقع سجد ـ كنا نقترب بهدوء خاشع، الظلام يعطي القداسة لصلاتنا ودعائنا.. يملؤنا الشوق للوصول إلى الموقع ويدفعنا العزم والقوة لطرد المحتلين... جهاد كان أقرب الأخوة لي... يضع فوق رأسه خوذة تزيده هيبة على هيبة، ابتسم لي كي يبث في روحي شجاعته..

كانت زغردات البنادق تمتزج بالنداءات فتخال للحظة وجودك في إحدى الحروب التي قادها الرسول الأكرم وفارسه الأول علي....
لا يغيب عن نظري جهاد وهو يقترب بتصميم قل أن رأيته... يغرس الراية فوق الدشمة يؤدي التحية والقسم ثم يعود معتزاً، يبتسم مستصغراً سلاح العدو الذي لم يستطع أن ينال منه..
يوماً بعد يوم ازدادات نظرة الإعجاب التي أملكها لصديقي جهاد، أكثر ما يؤثر بي عدا شجاعته وإقدامه هو إيمانه وتقواه التي تتجلى في معظم الأخوان في ذلك الجبل المقدس.

11 أيلول 1997: لدينا مهمة استطلاع داخل الشريط المحتل، كنا ثلاثة ـ دليل يرشدنا إلى الطريق، جهاد وأنا معهم... مشينا 5 ساعات بين الأشجار والطرقات الوعرة... حتى انبسطت أمامنا القرى الوادعة... التي كانت تنتظرنا... تسلّم علينا سراً... تعرضنا لكمين مفاجئ.. واجهنا الموت معاً... صوبنا باتجاه العدو.. لا أنسى جهاد يضحك ملء قلبه حين أطلق النار على أحد الصهاينة الذي كان يحاول إصابتي من مسافة قريبة، فكان جهاد أسرع منه.. قال لي ضاحكاً أثناء عودتنا: سامحني لقد منعت الشهادة عنك.. قلت: لن أسامحك في المرة المقبلة.
كانت هذه الكلمات الأخيرة التي قرأها جهاد في دفتر المذكرات الذي وجده في أغراض "علي" الذي استشهد في العملية الأخيرة منذ أيام.

ما زال طيفه أمامي يحدثني عن الشهادة.. عن أحلامه وعن ذكرياته.. لقد كان نِعمَ الصديق الذي أنست بروحه الشفَّافة... ها أنذا... في الليالي التي أمضيها مع أولادي أحدثهم عن صديقي ورفيق قلبي "علي" ذلك البطل المجاهد المؤمن الذي سما إلى الشهادة فارتفعت به إلى أقدس الدرجات...


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع