مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

دروس من السيرة الأخلاقية للإمام الخميني


خصائص الإنسان الكامل


في العدد الماضي تحدثنا عن خصائص الكمال الإنساني في الإسلام ومدى مطابقتها على شخصية الإمام الخميني قدس سره فتحدثنا عن العلم والإيمان وشرح الصدر وفي هذا العدد نتابع الحديث عن الخصائص المالية المتبقية.

4 - البصيرة وبعد النظر:
في المصادر الدينية، يشار إلى هذه الصفة القيّمة بتعابير مختلفة تارة تحت عنوان "التفقه في الدين" والذي هو نوع من عمق الفهم المتعدد الجوانب، وتارة أخرى بعنوان "الفرقان"، أي وسيلة تشخيص الحق من الباطل، هذه الصفة هي للمؤمنين قيمة أخلاقية، وللقادة شرط النجاح، يقول تعالى: ﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾  (يوسف: 108).
فالأفراد أُولو البصيرة لا يزلون أبداً، وقد أحرز الإمام الخميني قدس سره الذكاء الحاد والبصيرة، ولهذا كان ينتخب الأسلوب الأنجح في اتخاذ مواقفه.
وفي هذا المورد، يقول تلميذه الأبرز، القائد المعظّم للثورة، سماحة آية الله العظمى الخامنئي (دام ظله):
"كان الإمام الخميني صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً حكيماً، ودقيقاً، ومتمتعاً بذهنية رفيعة، وقادراً على استشراف كثير من الوقائع، كان يعتقد منذ بداية الثورة أنّ يد الله الهادية، كانت ترعى الإسلام والثورة"(1).
تلميذ آخر للإمام يقول:
"كان الإمام يرى المسائل ببصر نافذ، ويدرك حقائق تلك المسائل بواسطة ذهن إلهي ولياقة تامة منحهما الله له، كما كان يرى مستقبل الأحداث كذلك"(2).

5- العشق والعرفان:
العرفان بالله وعشقه هما من أعظم الفضائل العظيمة للأناس الكاملين، فالعرفان يصقل الروح ويمكنها من العروج في هوى الحبيب، ومحبةُ الله هي أرفع إحساس يحيا به قلب الإنسان، ومقدمة تلك المعرفة الحقيقية بالرب.
والقرآن الكريم يعتبر المؤمنين الحقيقيين، عشاق الحق ومحبيه، فيقول: ﴿والذين آمنوا أشدُّ حباً لله﴾.
القائد الكبير للثورة الإسلامية كان في الأوج على هذا الصعيد، صار فانياً في الله، وكان يرى نفسه في محضره سبحانه، بل ويشعر بهذا الحضور، ولم يترك أبداً خلواته العرفانية والعشقية، وإحياءاته لليالي، كان الإمام عليه السلام مثالاً لما كان الإمام السجّاد عليه السلام قد رجاه في دعائه:
"اللهم إني أسألك أن تملأ قلبي حباً لك، وخشية منك"، ويكتب الشهيد المطهري قدس سره بشأن الإمام (س) فيقول:
"إن هذا الرجل الذي يجلس لأيام، يصدر هذه البيانات النارية، يجلس في الأسحار لساعة كحد أدنى مع ربه، يناجيه، ويذرف الدمع على مثل تلك الحال"(3).
وفي مورد العرفان، كان الإمام صاحب فكر، وأعظم عرفاء الزمان، وقد ترك آثاراً قيّمة في هذا المجال يقول أحد تلامذته: "على الرغم من أن حضرة الإمام قد استفاد من مدرسة العرفاء الشامخين، أمثال محيي الدين بن عربي، لكنه في الوقت نفسه كان يمتلك نكاتاً لطيفة اختطفت قصب السبق من محيي الدين بن عربي، ولذا، يجب أن يعتبر الإمام أستاذاً مؤسساً، حيث كانت لديه مبان عرفانية في مقابل مباني أساتذته"(4).

6 - الهجرة والجهاد:
البحث في تاريخ الإسلام، يشير إلى أنّ هذين الموضوعين هما العامل الأصلي لانتصار الإسلام على العدو: الهجرة هي سبب انتشار الإسلام، والجهاد علّة حركة مجتمع المسلمين وحياته، حيث قد أكّد الله عليهما، ورغّب المؤمنين بهما، إذ يقول: ﴿الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله﴾ (الأنفال: 72).
لقد جسّد باني الجمهورية الإسلامية الإيرانية هذه الآية، واختار طريق الحق، الذي هو طريق الأنبياء عليه السلام، واستمر عليه حتى النهاية، على الرغم من جميع الموانع والتهديدات، فقد بدأ الإمام مواجهته مع النظام البهلوي وحماته منذ سني الشباب، ورفع من وتيرة ذلك في سنة 1342، وحرك الناس حتى وقعت أحداث الخامس عشر من خرداد، حيث أُجبر الإمام على الهجرة إلى تركية والعراق، ووضع روحه وماله على طبق الإخلاص وتوجه لملاقاة الخطر.

يقول آية الله صدوقي رحمه الله:
"لعل البعض يتخيّل بأن بداية نهوض الإمام كانت في سنة 1341 (1962م)، ولكن الأمر ليس كذلك، فإن تراجعوا كتاب "كشف الأسرار"، تروا أن الكلمات عينها التي أطلقها بعد الثورة، كانت هي نفسها قبل أربعين سنة".
وعند الخروج من العراق، والهجرة إلى الكويت، يشير الإمام الخميني (س) إلى دليل سعي الدولة البعثية العراقية للحد من فعاليته في متابعة الثورة، فيقول:
"لقد شخصت التكليف الذي يجب أن أقوم به، ولأولئك الذين يريدون أن يمنعوني من القيام بعملي (أقول) إنني لا أستطيع لأجل البقاء في العراق أن أمتنع عن هذا العمل، فتكليفي هو الثورة، وحيثما يكون ذلك نوجّه الرحال نحوه"(5).
وفي الوقت الذي كان يقطن في المنفى وبعيداً عن الوطن، كان يوصي أن يزيدوا من شدة المواجهة في الداخل، أحدهم يقول:
"لقد كان الإمام هو الذي قد أمر بنفسه الخطباء أن يشرعوا بالاعتراض صراحة ضد الشاه في مجالسهم، بدءاً من اليوم السابع من محرم لسنة 1342 (ه- ش)"(6).

7 - تهذيب النفس:
من وجهة نظر الإسلام، تتمتع مسألة تهذيب النفس بأهمية خاصة، والغاية من وراء ذلك هي أن يربي الإنسان نفسه، وأن يوصلها إلى الكمال والرفعة، وأن يبعدها عن الفساد والخسران، فيعتقها. يقول القرآن الكريم: {قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دَساها} (الشمس: 9 - 10).
وأول خطوة في هذا الطريق هي معرفة النفس وقيمتها إذ ليس هناك من شك في أن الإنسان ما لم يطلع على ماهية نفسه واستعدادتها وميولها، فإنه لا يستطيع أن ينصرف إلى إصلاحها، وأن يقود زمامها. فالأبعاد الوجودية للإنسان كثيرة وكذلك احتياجاته.
يقول علي عليه السلام بشأن وجود الإنسان:
"أتزعم أنك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر"
التعرف على نقاط القوة، كمثل معرفة حقيقة النفس، واستعدادها للتكامل.. وكذلك على نقاط الضعف، كمثل أهواء النفس الأمَّارة، وحب الدنيا و.. هي أمور تحظى بأهمية كبرى للقيام بتهذيب النفس، حتى يتوجه الإنسان نحو تدعيم الجانب الإيجابي لديه، وليسعى نحو القضاء على الجانب السلبي. وليعلم أيضاً، في هذا الطريق الصعب والمصيري، القيم وأضدادها من وجهة نظر الإسلام، حتى يقدم يد العون لتكامله بطرده للمفاسد وتوجهه نحو الفضائل.
تربية النفس هي من أكثر الأمور ضرورة، وتنجز هذه العملية على مرحلتين اثنتين: الأولى: تهذيب النفس من المساوئ، واجتناب المعصية، والمرحلة الثانية، تكميل النفس بواسطة تحصيل المعارف والعلوم ومكارم الأخلاق والعمل الصالح، ولأجل تزكية النفس، كل واحدة من هاتين المرحلتين، تعدُّ لازمة، وبكلام علي عليه السلام يقول: "من أهمل نفسه، أفسد أمره". 

* الإنسان المهذب
من الواضح للجميع، أن الإمام قبل أي شيء كان عالماً بارزاً جَهَد طوال عمر حتى صعد في النهاية إلى قمة الإنسانية. كانت حياته عملاً متواصلاً، والذي يُقسم إلى مرحلتين: تهذيب النفس، وبناء المجتمع؛ ولم تخل لحظات عمره أبداً من هذين الأمرين. بل ومثل سائر رجال الله والمصلحين الحقيقيين، كان يقوم بهذين العملين بشكل متوائم.

لقد كان الإمام، وبشهادة أصحابه وأقربائه، مهذباً في أبعاده المختلفة، خاصة في البعد الأخلاقي، حيث يمكن أن يعدَّ الإمام التجسيد العملي للأخلاق الإسلامية، كان الإمام نموذجاً جميلاً للقيم الرفيعة، يتبدى للأشخاص الذين كانوا يريدون أن يشاهدوا الإنسان المتربي في حضن الإسلام.
والشواهد على ذلك كثيرة جداً سوف نتعرض لبعضها في العدد القادم إن شاء الله تعالى.
 


1 - مجلة الحوزة، العدد 39، ص 163 - 165.
2 - المذكرات الخاصة، ج 6، ص 115.
3 - عدد خاص من مجلة (يا سدار إسلام).
4 - الحوزة، عدد 49، ص 29 - 30.
5 - المذكرات الخاصة، ج 4، ص 121.
6 - رسالة الثورة، العدد 102 - 103.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع