مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

أدب الأنبياء: حبيب الله محمد 


سكنة حجازي


إذا كان التأديب (*)، وهو رياضة النفس بالتعليم والتهذيب، أن يمر الإنسان بتجارب قاسية ومحن أليمة فتصقل الشخصية فتنجح في الحياة، وإذا كان الأدب، وهو الخطاب والكلام مع الآخر بالأسلوب الذي يليق بشأن المخاطب، فإن كلاً من هذين النوعين قد رافقا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في كل مراحل حياته.

* أديب الله
جاء على لسان الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم: "أدبني ربي فأحسن تأديبي" وأيضاً: "أنا أديب الله وعلي أديبي"، وعن الإمام علي عليه السلام: "إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أدَّبه الله عز وجل وهو أدبني وأنا أؤدب المؤمنين وأورث الأدب المكرّمين".
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): "إن الله عز وجل أدَّب نبيه حتى إذا أقامه على ما أراد قال له: وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"، فلما فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكَّاه الله فقال: "إنك لعلى خلق عظيم".
لقد أدَّب الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم جنيناً عندما توفي أبوه وهو في بطن أمه، وأدَّبه رضيعاً بإرضاعه من غير أمه، وأدَّبه صبياً عندما توفيت أمه ومن ثم جده، وأدَّبه فتىً يافعاً، حينما أبعده عن عبادة الأوثان فقد ألهمه عدم مشاركة قريش عبادة الأصنام، وأدَّبه رجلاً فألهمه الاعتكاف والتعبّد في غار حراء ليبعده عن الأجواء الفاسدة وليرتقي الجبل فيكون أقرب إلى المولى عز وجل وتنكشف الحجب له.
وأدَّبه نبياً فرافقه التأديب والتوجيه منذ بداية الوحي:  ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *  خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ  * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم﴾ُ  (العلق/1- 3).
واستمر معه إلى نهايته: ﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ *  وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا  * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾ (سورة النصر).
مروراً بمراحل الرسالة المختلفة حيث خاطبه جلَّ شأنه:  ﴿خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)  (الأعراف/199) و﴿ وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ ﴾ (الأعراف/205).
وفي بداية الجهر والإعلان للدعوة الرسالية ﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ  *  قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ  * وثيابك فطهر. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾ (المدثر/ 1- 6).
والآية التي تختصر كل أنواع التأديب والتي ورد أنها شيبته صلى الله عليه وآله وسلم مع كل أدبه واستقامته وفي قوله تعالى له صلى الله عليه وآله وسلم: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ (هود/112).
وكثيرة هي الآيات التي تتوجه بالتزكية والأدب له ولكل داعٍ يسير سيره ويتبع نهجه وسنقتصر على هذه الآيات المباركة لأن البحث في كل ما ورد بشأنه يستلزم أبحاثاً لا تحصى.

* النبي- الرسول
فها هو الخطاب الإلهي يتوجه إليه صلى الله عليه وآله وسلم وفي بداية نزول الوحي فيعلمه الأدب الأساسي الأول الذي لا بد لكل موحد من العمل به وهو {بسم الله الرحمن الرحيم} فيها عدة أمور:
1- أدب الخطاب مع الباري والتوجه بالكلام معه عز وجل.
2- أدب العمل (الفعل) وهو البدء باسمه تعالى حتى لا يكون العمل أبتر.
3- إظهار العبودية الخالصة لله جل جلاله فهو الجامع لكل صفات الجلال والكمال (الله).
4- أن هذا الدين هو دين الرحمة والنعمة الثابتة والباقية في الدنيا والآخرة. قال تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِين﴾(الأنبياء/107)، والدين هو خاتم الأديان والمهيمن عليها و{اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً..} (المائدة/3).
5- استشعار الرحمة والانفتاح، مع الله تعالى بما في ذلك شحذ القوة والاندفاع.
ثم يوجهه بالأدب الربوبي: ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾

وفيها بيان:
1- بداية الإعجاز (القراءة وهو الأمي) قبائله على كل شيء قدير ومنها علم اليقين بأن الله:
2- الرب المدبر للأمور فهو الخالق والعالم لما خلق وهو القادر على تدبير شؤون العباد وله يرجع الأمر كله وهذا يعني توحيد الربوبية المستلزمة لتوحيد العبودية.

* النبي- الداعي:
 ﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ  *  قُمْ فَأَنذِرْ * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ  * وثيابك فطهر. وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ﴾(المدثر/1- 7).
 ﴿بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا ...  إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا ﴾(المزمل/1 و2- 7).

* شروط الإنسان الداعي:
1- أن يزكي نفسه ويطهرها من كل عائبة أو نقص.
2- أن يؤمن بما يدعو إليه اعتقاداً وعملاً.
3- الصبر على الطاعة والصبر عن المعصية والصبر في العمل.
4- تحمل أعباء الرسالة الثقيلة.
5- كل ذلك يلزمه مع الصبر التوكل على الله تعالى واللجوء دائماً إليه لينجح العمل.
وكل هذا الكلام كان بإظهار حالة الأنس والملاطفة والرقة ليبعث في نفسه صلى الله عليه وآله وسلم الطمأنينة واستمداد القوة والثبات بما أفاضه الله تعالى عليه من إمدادات غيبية وظاهرية تعينه على تحمل أعباء الرسالة التي يتحمل منها كل نبي مرسل.

* النبي- الذكر:
 خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ  *  وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ  (الأعراف/199 و200 و205).

* شروط الإنسان الذاكر- الداعي:
1- أن يعفو عمن ظلمه وأساء إليه لأن الرحمة كما كانت من أساسيات الدين فهي من شروط الداعي إلى الدين.
2- عدم مخالفة المجتمع في الآداب والسنن الحسنة.
3- إبطال جهل الجاهلين بالإعراض عنهم وعدم مجادلتهم، وكما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم في مواجهة قومه قوله: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون.
4- في مواجهة الجاهلين وأعمالهم قد يغضب الداعي فربما دخل الشيطان على الخط فلا بد إذاً من الاستعاذة بالله تعالى لأنه الدافع الأوحد له.
5- المواظبة على ذكر الله تعالى وفي كل الأوقات والذكر الخفي وذكر الرهبة والخشوع هما الذكران الحقيقيان، وإن كان ذلك ينطبق على الصلاة اليومية إلاَّ أن الذكر الدائم سبب في النجاح واستمراره، وسبب في بقاء الإنسان على اتصال مع الله وشعور النقص والحاجة إليه لأن كل ذلك ما له إليه تبارك وتعالى. قال عز من قائل:  ﴿ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ *  وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا  * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ﴾   (سورة النصر).
اللهم اجعلنا من الداعين الذاكرين.
 


(*) التأديب هنا بمعنى التزكية وتطهير النفس والمحلّى بالتوجيه والإرشاد للأفضل.

 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع