في 18 - 4 - 1973 وفي قرية من قرى عاملة الأبية ولد المجاهد مصطفى نعيم حيدر (ياسر) في بلدته عربصاليم الجنوبية عاش في أسرة بارزة في مجابهة العدو الصهيوني. فكان للأم دور ريادي في التضحية أمام الاحتلال الإسرائيلي، حيث هاجمت الصهاينة عندما منعوا التجوال في البلدة وضربت الضابط الإسرائيلي يومها، وكان لها دور أيضاً في تجهيز ومعونة المجاهدين وتخزين السلاح وما شابه.
ولأن الفتى عاش هذه الأجواء من صغره وشرب حب العنفوان مع الحليب كان لا بد له من أن يكون مقاوماً مجاهداً..
وهكذا شق الشهيد طريقه منذ الصغر، وقبل بلوغه بدأ التزامه الديني حيث تربّى على حب أهل البيت (عليهم السلام) ونهج منذ ذلك التاريخ طريق المقاومة ويروي أحد المجاهدين المعنيين أن الشهيد عندما كان صغيراً ولحبِّه للمقاومة.. فقد كان يقوم أحياناً بجمع أشرطة النحاس المقطّعة المرمية في بعض الأودية ليقوم ببيعها ثم يقدم أموالها للمقاومة ولأكثر من مرة.
ولإصراره على المشاركة في الأعمال الخيرية بدأ نشاطه في هذا المجال وهو يعمر 12 سنة، فكان يذهب لمحاور المقاومة في محور إقليم التفاح وكان يقوم بنقل العدة والعتاد والطعام مع المجاهدين للمحاور المتقدمة ويرابط فيها وفي نفس الوقت كان يتابع دراسته.
وللذهنية والجرأة والحماسة التي كان يتمتع بها بدأ تطوره سريعاً وبشكل ملحوظ حيث أصبح أساسياً في كثير من المهام الجهادية والأنشطة العسكرية والتعبوية.
وعام 1987 شارك في أول دورة عسكرية في البقاع ليزداد خبرة وقدرة أكثر، ولأن الشهيد أحب أن يكون له دور ريادي في النضال تقرّب للمعنيين كثيراً ليطالبهم بما يريد، ولكي يلبّوا اقتراحاته، حتى أنه كان إذا شعر بأن عملاً جهادياً ما قد ينفّذ كان يعمل بكل جهده ليشارك بهذا العمل وبطريقته اللبقة جداً وفعلاً كان يصل لما يريد.
وأثناء الهجمة على المقاومة الإسلامية في الجنوب أصيب في وجهه إصابة قوية فأدخل المستشفى وبعد عدة أيام عاد للجنوب وبرغم إصابته عاد لمحور الإقليم ليشارك مع رفاقه في التصدي للمؤامرة الشرسة وكان ذلك عام 1988 والجدير ذكره أيضاً أنه في نفس الفترة أيضاً أصيبت والدته بقدميها.
وبعد فترة من جهاده عندما كان في مهمة جهادية في جبل الرفيع تمَّ اعتقاله مع رفيق له وجيء به إلى البلدة وأطلقت عليه رصاصة أصابت قدميه نقل للمستشفى ليمكث فيها فترة شهر تقريباً.
وعام 1989 سافر برفقة مجموعة من جمعية كشافة المهدي عجل الله فرجه الشريف إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية وزار المقامات المقدسة فيها وكان له شرف اللقاء بالسيد القائد الخامنئي (حفظه المولى) ومكث هناك أكثر من شهر وبعد عودته كانت الهجمة قد اشتدت على المقاومة الإسلامية فسرعان ما التحق بالمجاهدين ليبقى أغلب وقته في محور الإقليم وكان له دور مهم في حماية تلك المنطقة.
عام 1991 بدأت مرحلة جديدة من حياته الجهادية حيث التحق بصفوف الاستطلاع فكان جلّ وقته بقضيه مع المجاهدين، فتارة برصد وتارة يستطلع وتارة يزرع عبوة وتارة يهاجم دورية وأخرى موقعاً...
فبعد عودته من روسيا التي سافر إليها ليعالج عينه من الإصابة الأولى التي تعرّض لها وكان برفقة الشهيد القائد الحاج تيسير بدران، راح الشهيد ياسر مع عدد من رفاقه الذين اقترن اسمه باسمهم وهم الشهيد القائد الحاج علي وهب حجازي والشهيد كريم معروف عطوي، راح معهم يلاحق فلول الاحتلال والعملاء في المنطقة المعقدة من السويداء إلى العيشية والريحان وسجد وعقمانا وبئر كلاَّب وكفرحونة والرادار وعرمتى حتى باتت مهامه فيها لا تحصى...
ما زلنا نذكر حاله كيف يكون عندما يعود... رائحة القندول تملأ ثيابه والشوك يملأ جسده والوحل يعشعش في أنحاء ردائه وأحياناً الصقيع ينخر عظمه.
ما زلنا نذكر تلك اللحظات التي كان يعشقها رغم كل الصعاب حتى أنه كان يعد من الذين أعدوا للمراحل والعمليات الصعبة التي تحتاج إلى جهد كبير.
ومن أبرز العمليات التي كان له شرف الإعداد والمشاركة فيها هي عملية اقتحام موقع السويداء وعملية اقتحام موقع بئر كلاَّب وكمين ضد دورية لحدية على طريق سجد وعشرات عمليات الهجوم على المواقع وزرع العبوات في العيشية والريحان.
ولم يكف الشهيد بذلك بل كان ممن يقترحون العمليات وخططون لها...
* وأما حياته الأسرية:
كان الشهيد ممن يملكون روحاً محببة وممن عندما يراهم الإنسان سرعان ما يشعر بحاجته للتقرب منهم، وهناك الكثير من الصفات التي لا يملكها الكثيرون فهو عطوف كريم شجاع صبور متسامح مبادر عزيز ذو عِشْرة وعفوي في حياته.
ومن المفيد ذكر بعض الأمور الأسرية المقاومة: حيث إن الشهيد كان إذا ما هم يعمل ما كنا نرى والدته تغسل له ثيابه العسكرية وتجهّز له سلاحه وعدّته وقيل مسيره تهيّىء له ولرفاقه الطعام، وعندما يعود كانت كذلك سرعان ما تبادر إلى تجهيز الطعام وفراش النوم ثم تبادر إلى تنظيف ثيابه وهكذا كانت حياته مع أهله وأقاربه من هذه الناحية.
وفي نفس الوقت الذي كان فيه عسكرياً لم يترك الشهيد العمل التعبوي فكان في بلدته يعمل على تهيئة الأجواء ليكون هناك جيل مؤمن مقاوم ولذلك فقد تفرّغ فترة لذلك حيث تسلّم مسؤولية البلدة وراح يهتم بشؤونها الاجتماعية والثقافية والإعلامية وغيرها، وبعد حرب تموز كان يبذل كل ما بوسعه لمساعدة الأخوة في جهاد البناء لإعادة بناء ما دمَّره العدو.
وفي الآونة الأخيرة راح الشهيد يقترب من الشهادة شيئاً فشيئاً، وبدت معالم الرحيل عليه، وحسبما يذكر أحد أصدقائه أنه كان يسر إليه بكثير من الأمور، وقد حدثه في المرحلة الأخيرة أنه بات يشعر بأنه سيشتهد وأن الأمور أصبحت مهيأة أمامه، وحتى عندما اقترن بإحدى المؤمنات شعر الشهيد أكثر من ذي قبل بأنه راحل عما قريب حتى أنه وحسبما يذكر لصديقه أنه قد خطّ وصيته لأول مرة (وهذه الوصية لم يتم العثور عليها بعد استشهاده، مع تأكيده على أنه قد خطّها).
عام 1993 وعندما كان المجاهدون يخططون لتنفيذ عملية نوعية ضد قوات طريق سجد الريحان شعر الشهيد بأن عملاً ما سينفّذ فراح يسعى بكل جهده لكي يشارك به، وكان له ذلك حيث أنه قد شارك في هذه العملية التي عُدت من أعنف العمليات يومها ضد العدو الصهيوني والتي خاض فيها المجاهدون معركة شرسة وذلك في 2924 - 93291 واستشهد في هذه العملية الشهيد المجاهد حسن جفبير (برعشيت).
وبعد فترة أحس الشهيد بوجوب إعادة تكرار العملية مع تعديل في الأسلوب والتنفيذ فعرض الفكرة على المعنيين مقترحاً التعديل فتمت الموافقة على فكرته وكان اقتراحه أولاً أن يشرف بنفسه على العملية ويخطط لها وكان له ما أراد.
وراح الشهيد مع رفاقه يرصدون ويستطلعون ويخططون ويدرسون لأكثر من شهر وقبل أيام من وقت التنفيذ قام بصحبة خطيبته بزيارة لزوجة الشهيد (أبو رائد) وأخذ معه ألعاباً لابنه الصغير وكأنه كان يودّع أو أنه يصل رحماً أو يتزوّد بشيء لسفر ما، وعندما عاد من زيارته شعر براحة عمقة... وفي نفس الفترة خيّر نفسه بين أن ينتقل لبيت الزواج أو أن يؤجّل ذلك لما بعد العملية ثم قرّر تأجيل الزواج لما بعد العملية.
وقبل العملية بيوم ودّع وأوصى أمه أن تخبر أحد أصحابه بأنه إذا جاء فليتصل به لأنه يريد رؤيته وعندما أتى اتصل به والتقيا في مكان قريب من النهر وفي هذا اللقاء كان شبه وداع، وكان لقاءً مميزاً من ناحية الشهيد حيث أوصى صاحبه بأن يهتم بالأهل، وطلب منه أن يبقى في اليوم التالي قريباً من المنطقة.
وحان وقت التنفيذ فالدورية إسرائيلية والآليات مؤلفة من ميركافا وكاسحة ومشاة والمجاهدون منتشرون يكمنون ومن ثم بدأت العملية وإذا بالمعركة تنجلي بخزي إسرائيلي ووهن لجنود العدو وصدمة كاسحة، فالخسائر يومها كانت خمسة قتلى وأربعة جرحى صهاينة وتدمير دبابة ميركافا... وكانت العملية التي هزّت أركان العدو والاحتلال ثم عاد المجاهدون إلا اثنان منهم ناداهما رفاقهما كثيراً من دون جواب، فقد استشهد ياسر ومعه الشهيد وائل درويش وذلك في 7 - 23 - 1994.
غير أن الجثمان بقي مكانه... فقرر الإخوة سحب الجثمان الطاهر من الليلة الثانية فلم يتمكنوا من ذلك بسبب توتر الأجواء والاستنفارات، وكرر المجاهدون وعلى رأسهم الشهيد كريم عطوي المحاولة حتى تحدّوا كل إجراءات العدو وتمكَّنوا من سحب جثمان الشهيد... ثمَّ تشييع الشهيد تشييعاً مهيباً اجتمع له كل المحبين من جميع المناطق، وحتى وقت التشييع قام العدو بغارة وهمية فوق المحتشدين الذين لم يزيدهم ذلك إلا ثباتاً وعزيمة.
ولأن الشهيد كان حبيباً لأمه ولأن الأم كانت ترى به أمل مستقبلها ولأنه ابنها بكته كثيراً وتمنت كثيراً أن تلتقح به وفعلاً رحلت إليه بعد أقل من ثلاث سنوات بصواريخ العدو الصهيوني وذلك بعد وقت قصير من اشتباك المجاهدين في جبل الرفيع، الشهيد هادي نصر الله وعلي كوثراني وهيثم مغنية حيث كان أفراد من الجيش اللبناني يتجمعون على الطريق قرب نقطة لهم، فوقفت على الشرفة وقالت لهم تفرقوا فقد يقوم العدو بضربكم أو الإغارة عليكم ولم تكد تنهي كلامها حتى جاءت صواريخ الطائرات الإسرائيلية لتقتل ستة من أفراد الجيش ومعهم والدة الشهيد ياسر وهي عزيزة حسين نصر الله مقلد، وهكذا لحقت الأم بالذي أحبته بل بالذي كان حبيباً للجميع.
وهكذا انقضت حياة الشهيد مصطفى عن عمر قصير (21 سنة) ولكن بفعله طويل وكبير فهو جدير بأن يوصف بالقائد رغم صغر سنه.
عربصاليم / إقليم التفاح
شهناز حيدر
2022-12-24 17:36:02
هذا البطل ( انا عمته بكل فخر) الحمدالله الذي جعلنا من عوائل الشهداء