على مدار التاريخ الإسلامي كانت الدعوة لنبذ الفرقة والاختلاف، والسعي لوحدة الكلمة ورصّ الصفوف في مواجهة أعداء الإسلام على رأس اهتمامات العلماء المخلصين والمضحّين من جميع الفرق والمذاهب الإسلامية، بحيث يمكن القول بأنها الميزان الفاصل للوعي والإخلاص والتضحية، بينما كنا نجد- وما زلنا- وعاظ السلاطين وأتباع الأهواء والحظوظ الدنيوية يثيرون النعرات ويلهبون ألسنة التفرقة والحزازات.
شهادتان عظيمتان من شخصيتين تاريخيتين عظيمتين: إحداهما من العلامة السيد محسن الأمين العاملي، والأخرى من سماحة الشيخ الأزهر سابقاً الأستاذ محمود شلتوت تنشرهما المجلة كوثائق تاريخية لدعم الوحدة وشد أواصر الأخوة عسى أن ينتفع بهما المؤمنون المخلصون.
* العلامة السيد محسن الأمين: الاتحاد سعادة والتفرقة خسران
قال الله تعالى في كتابه العزيز في سورة الأنبياء مخاطباً المسلمين كافة.
أخبر سبحانه أمة الإسلام بأنها أمة واحدة هو ربها وحده لا شريك له وأمرهم بأن يعبدوه وحده ولا يشركوا به شيئاً- وأطلق الوحدة في الآية الكريمة ولم يقيدها وعممها ولم يخصصها.
إذاً فالأمة الإسلامية أمة واحدة والإسلام دين واحد له كتاب واحد ونبي واحد- وما وحّده الله لا ينبغي أن تفرّقه الأهواء والعصبيات. وكما أن الأمة الإسلامية واحدة في دينها وكتابها ونبيها فهي واحدة في أحكامها وتكاليفها، في شريعتها ومنهاجها، في أخلاقها وصفاتها التي يجب أن تتصف بها في تفاضلها "لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى"، في مناكحها ومناسبها "المؤمن كفؤ المؤمنة" في حقوقها وعهودها ودمائها "لا يحل مال امرئ إلا عن طيب نفسه- المسلمون عند شروطهم. المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم" في الأخوة بينها ، "المسلم أخو المسلم" وهذا الخبر الذي في الآية الكريمة المتقدمة فهو أمر للمسلمين جميعاً بأن يكونوا أمة واحدة متحدة مجتمعة ولا يتفرّقوا ولا يتنازعوا فحذّر وخوّف من كل ما يوجب تفرق الكلمة وأكّد النهي عنه أشد التأكيد لما فيه من المفاسد العظيمة. وأكّد ذلك أيضاً بأن جعل على لسان نبيه صلى الله عليه وآله وسلم "المسلم للمسلم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً" وهو أيضاً خبر في معنى الأمر.
ولم يقتصر ذلك على أهل الإسلام وحدهم بل جعل سائر أهل الملل في بلاد الإسلام لهم ما للمسلمين وعليهم ما عليهم وأعطاهم الحرية في أديانهم وأمر بالعدل بين الناس والإحسان إلى كل واحد ونهى عن الظلم لكل أحد وعن البغي ، فليعلم كل من يسعى في تفريق الكلمة وإثارة الخلاف أنه مخالف لأمر الله ورسوله
* شيخ الجامع الأزهر سابقاً محمود شلتوت: الاعتصام بالله ضرورة دينية
لقد دعا الإسلام إلى الوحدة، وجعل المحور الذي يتمسك به المسلمون، ويلتفون حوله هو الاعتصام بحبل الله، وقد جاء ذلك في كثير من آيات الذكر الحكيم، وأصرحها في ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران:
{واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا}، نهى عن التفرّق، والتفرّق بعمومه يشمل التفرّق بسبب العصبية، وقد صح "لا عصبية في الإسلام" وبسبب المذهبية، وقد انبثقت المذاهب الفقهية الإسلامية على كثرتها واختلاف طرقها من أصول واحدة هي كتاب الله وسنة نبيه...
لقد كان للاجتهاد في الأحكام مجال واسع تفرقت به المذاهب وتعددت، وعلى رغم تعددها واختلافها في كثير من الأحكام، وتعدد الآراء في المسألة الواحدة، كان الجميع يلتقون عن حد واحد، وكلمة سواء، هي الإيمان بالمصادر الأولى، وتقديس كتاب الله وسنة الرسول، وقد ورد عن جميع الأئمة والشيعة: "إذا صح الحديث فهو مذهبي" ومن هنا تعاون الشافعي والحنفي والمالكي والحنبلي والسني والشيعي، ولم يبرز خلاف بين أرباب المذاهب الإسلامية إلا حينما نظروا إلى طرق الاجتهاد الخاصة، وتأثّروا بالرغبات، وخضعوا للإيحاءات الوافدة، فوجدت ثقوب نفذ منها العدو المستعمر، فأخذ يعمل على توسيع تلك الثقوب، حتى استطاع أن يلج منها إلى وحدة المسلمين يمزّقها، ويفرّق شملها، ويبعث العداوة والبغضاء بين أهلها، وبذلك دبّت في ما بينهم عقارب العصبية المذهبية، وكان من آثارها السيئة ما كان، مما يحفظه التاريخ من تنابز أهل المذاهب بعضهم وبعضاً، وتحيّن الفرص لإيقاع بعضهم ببعض، والدين من ورائهم يدعوهم: هلموا إلى كلمة الله {ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين}.
لا أنسى أني درست المقارنة بين المذاهب بكلية الشريعة، فكنت أعرض آراء المذاهب في المسألة الواحدة، وأبرز من بينها مذهب الشيعة، وكثيراً ما كنت أرجّح مذهبهم خضوعاً لقوة الدليل، ولا أنسى أيضاً أني كنت أفتي في كثير من المسائل بمذهب الشيعة.
وها نحن أولاء ندعو باسم الله مرة أخرى، وباسم كتاب الله، وباسم الوحدة الإسلامية، وباسم الاعتصام بحبل الله، ندعو علماء الفريقين إلى التقارب والمصافحة، وأكرمهم عند الله أسبقهم إلى ذلك حتى نسد الثقوب التي فتحت في الماضي، ويعود إلينا مجدنا وشعارنا، وهو الوحدة الإسلامية، وفق الله الجميع.
* الوحدة في دستور الجمهورية الإسلامية
1- الفصل الأول، المادة الحادية عشرة من الدستور:
بحكم الآية الكريمة {إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون} (الأنبياء/92).
يعتبر المسلمون أمة واحدة، وعلى حكومة جمهورية إيران الإسلامية إقامة كل سياستها العامة على أساس تضامن الشعوب الإسلامية ووحدتها، وأن تواصل سعيها من أجل تحقيق الاتحاد السياسي والاقتصادي والثقافي في العالم الإسلامي.
2- الفصل الأول المادة الثانية عشرة من الدستور:
"والمذاهب الإسلامية الأخرى التي تضم المذهب الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي والزيدي فإنها تتمتع باحترام كامل، وأتباع هذه المذاهب أحرار في أداء مراسمهم الإسلامية حسب فقههم، ولهذه المذاهب الاعتبار الرسمي في مسائل التعليم والتربية الإسلامية والأحوال الشخصية (الزواج والطلاق والإرث والوصية) وما يتعلق بها من دعاوى المحاكم.
وفي كل منطقة يتمتع أتباع أحد هذه المذاهب بالأكثرية، فإن الأحكام المحلية لتلك المنطقة- في حدود صلاحيات مجالس الشورى المحلية- تكون وفق ذلك المذهب، هذا مع الحفاظ على حقوق أتباع المذاهب الأخرى.