مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

موقعية أهل البيت (عليهم السلام) في الوحدة


فضيلة الشيخ حسين غبريس


بادئ ذي بدء عند الكلام عن الوحدة تتقاطع في أفكارنا سلسلة طويلة من النظريات المتنوعة من هنا وهناك، وتتدافع في عقولنا الأحلام والأمنيات حتى لينظر المرء أن تحققها بات مسألة منتهية، أو عند خاتمتها ليس إلا.

لكن النظرية شيء والواقع شيء آخر، الأحلام شيء والحقيقة شيء آخر، أيضاً ولقد أصبحت الوحدة شعاراً يتغنى به الكثيرون حتى أولئك الذين لا يطيقونها، وإذا أسأنا الظن يعملون على نقيضها (الوحدة) يضطرون بين الفينة والفينة لاستخدامها كورقة تحقق لهم طموحاتهم وغاياتهم المختلفة، من هنا أرى لزاماً عليّ في هذه العجالة ونتيجة التجربة الطويلة والخبرة الممزوجة بالمرارة أحياناً أن أسلط الضوء على مسألة هي الأصل بالنسبة للمطلب.

متسائلاً هل أن الوحدة الإسلامية مطلب مستجد، أي طارئ نطمح لتحقيقه نحن المعاصرين، أو أنها مسألة قديمة قدم التاريخ الإسلامي المنير. لا شك في أن أمر الوحدة كما يعنينا الآن ونتلظى لترسيخها فإنه عنى من سبقونا بكثير خصوصاً أهل البيت (عليهم السلام)، فأين موقعهم منها.

إن أصل حركة عمل أهل البيت (عليهم السلام) ومحور اهتمامهم أنصب على منهج الوحدة بين المسلمين، ولقد بدأت هذه الحركة المحورية عملياً منذ اللحظة الأولى لوفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ أدرك أمير المؤمنين (عليه السلام) خطورة المرحلة ووعى مسبقاً الحركة المضادة والقاضية يسلبه حقه في الخلافة، لذا وطن النفس على الجهد والجهاد بكل الوسائل المتاحة والمشروعة باتجاهين ـ الأول: وأد الفتنة ومحاولة خنقها في مهدها قبل أن تستفحل ويكثر طلابها ومريدوها.
والثاني: توعية الأمة على ضرورة التعالي على الجراح وترك المهم للأهم، فكانت كلمته المشهورة ونداؤه التاريخي الحق "والله لأسالمن ما سلمت أمور المسلمين ولو لم يكن جور إلاَّ عليّ خاصة"، ولم يكتفِ (عليه السلام) بهذا بل مرت العديد من التجارب الصعبة طيلة فترة إبعاده عن حقه إلى ما بعدها.

وكان دائماً يتخذ القرارات المصيرية لمنع شق عصا المسلمين، وظل يوصي المسلمين حتى الرمق الأخير عندما أطلق صرخته المشهورة "فزت وربّ الكعبة" يوصيهم بالوحدة وتجنّب الخلاف والتمزّق باعتباره عنصر سقوط وتدمير لكل هذا الإرث والحضارة، وهكذا سار خلفهُ من بعده أولاده وأحفاده، وليس هناك من إمامٍ قط من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلاَّ وعمل بكل استطاعته على تثبيت معاني الوحدة السامية.

إننا نرى في حركة الإمام الحسن (عليه السلام) عندما فضّل إنهاء المعركة الواقعة لا محالة والقبول بالصلح المشهور، نرى فيه تعالياً وسمواً راقياً ومثالاً حقيقياً جنّب فيه المسلمين ويلات الحرب والقتال وسفك الدماء وصبّ في موقعية الوحدة تماماً كما كان سلفه ووالده وأميره علي (عليه السلام) وصولاً إلى نهضة كربلاء التي جسّدت الوحدة بأسمى صورها ومعانيها، وأحدثت هزة قوية في نفوس المسلمين، وما زلنا حتى اليوم نحصد آثارها وفوائدها على مستوى وحدة الأمة خصوصاً أن الإمام الحسين (عليه السلام) رأى أن لا محيص عن التضحية بنفسه وعياله وأولاده وأصحابه ليسلم الدين وتحفظ الرسالة، وكان له ما أراد حين قال: "إن كان دين محمد لم يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني" فحركة الثورة، والاستشهاد والسبي للنسوة وما تبعها من مظاهر مأساوية كلها صبت في وحدة الأمة وأيقظتها من غفوتها العميقة.

ولست قادراً في هذه العجالة أن أسهب وأتوسّع في الأدلّة التاريخية تبياناً لسلوك ومنهجية أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وإنما أرى ختاماً أن أبيّن أن حركة الإمام المهدي المنتظرة والمتوقعة عند سائر المسلمين ستسهم بوضوح في بلورة معالم الوحدة وتجسيدها عملياً ليتأكد للعالم أن حركة الإمام ونهضته وخروجه بأمر الله تعالى ومن بيت الله وكعبته إنما هو لخدمة الأمة التي عانت ولا تزال صنوف الفرقة والتمزق، كل حزب بما لديهم فرحون، باعتبار أن الإمام سيملأ الأرض عدلاً بعد أن ملئت ظلماً وجوراً، ويتبين لنا في الخلاصة أن حلقات السلسلة من العترة الطاهرة توارثوا عن جد ما جعلوه من أولوياتهم بل رأس اهتماماتهم وحدة الأمة الإسلامية ونبذ التعصّب والتحزب والتمذهب والتفرقة.

نفعنا الله بهم وبعلمهم وجعلنا من السائرين على نهجهم نهج الوحدة الإسلامية، نلقى به الله ولو كره الكافرون ولو كره المشركون ولو كره المنافقون..


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع