مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

 الشهيد المجاهد السيد خضر أحمد وهب‏


 


نعود بذاكراتنا وعلى الصفحات حيث انطوت خمسة أعوام على رحيل حفيد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وقد ضم في حناياه الكثير الكثير من الآلام والآمال وخاض بحراً أجاجاً تارة وشرب كأساً رقراقة تارة أخرى، حوادث الدهر ولهذه الأيام أقدارها، نسعى للقاء الأحبة الأمراء الجنة حيث الروح موفورة بالكرامة، مكللة بأكاليل الفخر الواقعي والمجد الحقيقي، نتوجه وبكل اعتزاز للكشف عن بعض الجوانب في شخصية هذا الشهيد السعيد السيد خضر أحمد وهب.

ولد الشهيد عام 1965 وهو من بلدة الريحان المحتلة، وقد نشأ الشهيد ما بين الجنوب وبيروت وهو ينتمي إلى عائلة مؤمنة تلتزم بالحكم الشرعي وتقتدي بخط أهل البيت عليه السلام. الانطلاقة كانت من وسط عائلته وقد بدأ ببناء نفسه وتهذيبها منذ الصغر ما يقارب العشر سنوات أو أقل وهو من الذين يمتازون بروحية مرحة وأخلاق سامية وهادفة، متواضع يمتاز بهيبة إيمانية مكللة بالاحترام، كيف لا وهو من سلالة الأطهار عليهم السلام.

لقد حظي الشهيد بتباشير عديدة، وكانت البداية قبل أن يأتي إلى عالم الدنيا، حيث شاهدت والدته أثناء حملها به أحد الأولياء الصالحين قال لها: أبشرك سوف تنجبين ذكراً وعليك أن تختاري له اسماً من اسمين إما خضر وإما يحيى.
ويكبر خضر وتكبر معه البشرى وإذا بابنه عمه، وقبل عشر سنوات من شهادته، ترى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامها فتقدمه له: هذا ابن عمي خضر ويقول لها صلى الله عليه وآله وسلم: أعرفه إنه حفيدي قولي له إني أبشره بالشهادة عاجلاً أو آجلاً.
فسبحان الذي يختار لسره وكرامته من يشاء وبدون حساب.

كانت حياة الشهيد مليئة بالنشاط والحيوية والفائدة، والتضحية والجهاد، وكان ذات مستوى علمي ممتاز. فمنذ الصغر وهو من المتفوقين على التلاميذ كلهم وقد طلب المدين من الوالدة عندما كان الشهيد في المرحلة الابتدائية أن يرفعه إلى صف أعلى من صفه لشدة ذكائه ووعيه، أكمل دراسته وغادر إلى الخارج، درس الطب لمدة ثلاث سنوات ثم عاد إلى موطنه إلى الأرض التي عشقها وعشقته ليبث فيها أسمى معاني التضحية والإخلاص.

عمل على تأسيس جمعية أطلق عليها اسم "جمعية الزهراء الخيرية لإحياء الشعائر الدينية" وذلك في بلدة والدته مجدل سلم، وكان من أبرز أعمالها مسرحية يوم الطف التي كتب السيناريو لها بيده المباركة، وهذا العمل كان يستنفر كل طاقة الشهيد لفترة طويلة قبل تقديمها تقارب الشهرين أو أكثر، وكان عشقه وتعلقه بأهل البيت عليه السلام يرتقي بروحه فيى عمله هذا إلى مستوى راق جداً حتى الذوبان والانصهار التام.
وكان يأخذ ثلاثة أداور في تلك المسرحية بسبب قلة الإمكانيات: دور القاسم، ومهندس الصوت، ودور الإمام زين العابدين عليه السلام وهو شديد التأثر بشخصيته المباركة سلام الله عليه وقد حاول البعض لعدة مرات إفشال هذا النشاط الحسيني ولكن كان يقابل ردات الفعل السلبية من الغير بروح المودة والرحمة والعفو والصبر على الأذى في جنب الله.

فكان يمتاز بروحية رسالية لا نظير لها في ذلك الحين، وعلى سبيل المثال مرت ذكرى مولد الإمام الحجة القائم عجل الله فرجه الشريف فبادر الشهيد إلى كتابة سيناريو لمسرحية تقدم من وحي المناسبة المباركة وآنذاك كانت الإمكانيات المادية والبشرية ضعيفة جداً فاقترح بعض الأعضاء القيمين في الجمعية أن يجمعوا تبرعات رمزية من الذين سينضمون لمشاهدة هذه المسرحية، ولكن عندما علم بالأمر خضر استنكر هذا الفعل وصرح بأن هذا العمل لا يريد عليه أجراً إنه فقط قربة إلى الله عز وجل.

أيام محرم المباركة لها لون خاص عند شهيدنا السعيد، لم يكن ليهدأ فيها الشهيد، ولا يلتذ بما يشربه، ولا يبرِّد جسمه المنهك بغسل أو غيره حتى ينقضي اليوم العاشر من محرم. وبعد مصرع هناك مسيرة حسينية يترأسها الشهيد وينعى الحسين عليه السلام بصوت حنون ترق له القلوب وتدمع منه العيون، وأثناء القيام بهذه المسيرة في عام 1978 تقدمت دبابة إسرائيلية واعترضت طريقهم فتقدم الشهيد ورمى بنفسه أمام الدبابة وهي تمشي لتسحق جسده ولا يرى هده المسيرة العاشورائية تتوقف.
وهناك كرامة بل كرامات نالها الشهيد عندما كان يؤدي دور الإمام زين العابدين في مسرحية يوم الطف وفي لحظاته الأخيرة كان يفقد وعيه في حالة إغماء وذات مرة سؤل لماذا لا تمالك نفسك حتى نهاية الدور؟ فقال: إنكم لا ترون ما أرى، قيل: وما ترى؟ قال: أرى سيدي ومولاي الإمام زين العابدين عليه السلام يقف أمامي فلا أتمالك نفسي فأقع مغشياً عليّ.

ومن كراماته أيضاً أنه عندما كان في بلدة مجدل سلم وفي إحدى الليالي شهر رمضان المبارك من العام 1980 وفي السحر ذهب الشهيد لقراءة دعاء السحر في المسجد وإذا به يرى أربعة أشخاص أجلاء في الباب ينظرون إليه، دخل فسلم عليهم فنادوه باسمه قال لهم أتعرفوني؟ قالوا: نعم. فقال: لكني ما عرفتكم؟ فقال؛ أعرّفك أنا الإمام الحسين وهذا أخي أبو الفضل العباس وهذا الإمام زين العابدين وهذا ولدي علي الأكبر عليه السلام، فذهل حينئذ واختفوا من أمامه وبدأ بالصلاة على محمد وآل محمد.

مهما كتبنا عن حياته لن نفي الشهيد حقه الذي يستحقه لأنه كان مميزاً بين أفراد أسرته، يحب والديه ويكّن لهما احتراماً كبيراً في نفس الوقت الذي يبادلانه الشعور نفسه، لم يكن لديه أعداء سوى اليهود، لم يحقد يوماً على أحد من الذين يسعون لإيذائه بل كان يسامح وينهى عن الحقد.
تروي الوالدة أنه عندما كان مسافراً لدراسة الطب في إسبانيا لم يهدأ هناك، أسس مصلى وكان يحاضر في جامعة إسبانيا ولا يخشى غير الله عز وجل، وقد التزمت بالحجاب 17 فتاة إسبانية تحت تأثير أسلوبه السلس.

وفي عام 83 سافر إلى إيران لأداء مسرحية الشفق وشاهد الإمام الخميني قدس سره في ذاك الوقت.
وهنا وفي آخر أيامه كان شده الحنين والشوق الكبير إلى جوار سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة، فجهز وصيته.
وتمنى أن يقتل ويستشهد في ضربة على رأسه كما أصيب الإمام الحسين عليه السلام في جبهته الشريفة لتألم كما تألم الإمام عليه السلام.
وبدأت حرب السبعة أيام من تموز في سنة 93. قبل يومين من هذا التاريخ ولدن له ابنة، بعدما كان رزق بطفل قبل عام ونصف، ورآها مرة واحدة قال لهم قبل أن يغادر: إذا لم أعد مرة أخرى فسموها آية.
اختار الاسم ورحل...

إلى الجنوب إلى الأرض العاملية المباركة مع رفقا دربه نفذوا مهمتهم بنجاح ثم عادوا، وأثناء الطريق لاحقتهم طائرة صهونية رمت السيارة بصاروخ فاستشهد من بداخلها والشهيد كما تمنى أصيب برأسه فقط ليتألم كما تألم الإمام الحسين عليه السلام وأصيب صديقه الذي عاهده أن يستشهدا معاً، نقلا إلى المستشفى وهو مشقوق الرأس والقبضة حسينية، رفع الأذان وتشهد الشهادتين وذكر أهل البيت عليه السلام جميعاً وهو في المستشفى فتعجب الأطباء من هاذ، وأحبوه كثيراً وفاضت روحه الطاهرة إلى بارئها راضية مرضية فهنيئاً يا أخي لك الشهادة.
استشهد بتاريخ 27/7/93 وتم تشييع الجسد الطاهر إلى روضة الشهيدين.

مض‏ى والسلاح بيمينه ضد العدو والقلم بشماله لخط أهل البيت عليهم السلام، وروى صديقه الجريح عندما كان يسألهم عن الشهيد خضر فقالوا إنه نقل إلى الجامعة، قال لا تكتموا عني حقيقة الأمر، الآن كان معي ورأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحمله عندما استشهد.
وفي ليلة الدفن غفت عين الوالدة فترى امرأة جليلة القدر تحمل باقة زهور بيدها ذات بريق يشع أنواراً فوضع الشهيد يده على كتف أمه من الخف وقال لها أماه هذه السيدة الزهراء عليه السلام تقدم لك باقة الزهر فخذيها منها، ثم تستيقظ بوركت أيها السيد الشهيد وبوركت لك أفعالك.

الحديث عن الشهداء العظام لا ينتهي وإن طال الزمن وكرامات المجاهدين كثيرة ولا عجب لذلك، فطوبى للشهداء الذين باعوا أنفسهم لله تعالى فسلام عليك يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حياً وطوبى لمن ينتظر وما بدلوا تبديلاً.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع