مع إمام زماننا | طاعة الوليّ في زمن الغيبة قرآنيات | اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا(*) أمراء الجنة | الأمنـيـة الأخيرة ... الشهيد سامر نجم  قضايا معاصرة | فلسفة الحرب في الثقافة الإسلاميّة الوقاية والحماية المدنية في حالات الحرب أوجُه الجهاد في المقاومة أسباب الانتصار حديثٌ مع السيّد من عليائه عشنا في زمن نصر الله الغيب في الوعد الصادق

القدس بوابة عالم الغيب.. والشهادة



السيد نواف الموسوي‏


تقدم "مباحث" العرفان مدخلاً رحباً إلى فهم الأبعاد الواسعة للدعوة التي أطلقها الإمام الخميني قدس سره: إل إعلان يوم الجمعة الأخير من شهر رمضان المبارك يوماً عالمياً للقدس.
ذلك أن الإمام الذي تغلب مقاربته بكونه فقيهاً وثائراً، كان كونه عرافاً (عرفانيا) المقوَّم الجوهري لشخصيته، ويعدُّه وعن حق مؤرخو الفكر في إيران أنه كان، ومنذ عقد الستين من هذا القرن استمراراً وتجديداً نوعياً لسلسلة الحكماء الكبار.
وتمثل واقعة الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى عنصراً رئيسياً في بنى الفكر العرفاني، كما أن العروج إلى السماء من القدس يتمم العنصر نقصه، وبإجمال شديد، يعبر الإسراء، لا سيما لناحية قيام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم به وهو الأسوة والمقتدى، عن سير من مقام إلى مقام يكتمل به إيمان السالك، ويتم به انتماء المسلم.

فالإسراء، والحال هذه ليس سيرة منقضية تروى، وإنما هو تشريع لسلوك يلتزمه المسلم والمؤمن إذا شاء لإسلامه وإيمانه أن يتما، فلا تمام للرمز الإسلامي بمكة وحدها، وإن كانت القبلة والمركز، وإنما تشكل القدس الطرف الآخر من القطب المزدوج..
ولأن العروج إلى السماء، أي الانتقال من عالم الشهادة إلى عالم الغيب كان من القدس، ولأن الباب بين الدارين يكون من الدارين معاً، فإن القدس إلى كونها بوابة عالم الغيب، فإن لها وجهين: وجه انتمائها إلى عالم الظاهر ووجه انتمائها إلى عالم الغيب.

ولا يمكن لأحد هنا، أن يكتفي بحمل القدس على المعنى الباطن، لينحي الظاهر ويستبعده، ذلك أن العرفان الإمامي قام على حفظ التوازن بين الظاهر والباطن "لا إيمان بظاهر، ولا باطن إلا بظاهر" (عن الصادق عليه السلام بصائر الدرجات، الجزء العاشر، الحديث الخامس).
فإذا كان الرمز الإسلامي لا يكتمل إلا بقطبي المسجد الحرام والمسجد الأقصى وإذا كانت القدس بوابة عالم الغيب، وإذا كان الباطن لا يتم بلا ظاهر، بدت أهمية القدس في تمامية الانتماء الإسلامي واكتمال التحقق الإيماني.
لذلك ليست الدعوة إلى تحرر القدس موقفاً سياسياً فحسب، حتى لو كان الموقف السياسي من طبيعة استراتيجية، وليست الدعوة إلى إحياء مراسم يوم القدس نشاطاً حزبياً أو جهوياً.
لقد جاءت دعوة الإمام الخميني قدس سره لتحتوي هجمة خفية من جهة، وتشدّ ثغرة من جهة أخرى، الهجمة بدت في إشاعة فكرة على نحو أنها الفكرة السائدة، وهي أن الرمز المقدَّس للمسلمين في مكة، قبلتهم ومحجتهم ومهوى أفئدتهم وبقية رسولهم، وأنهم منذ أن تحولوا عن القدس قبلة لم يعد لها حظ في اتجاههم وهواهم؛ وأن القدس هي الرمز المقدس لدى اليهود، وإذا أريد تحقيق "سلام بين الأديان" يجعل لكل حزب صيب في ما يقدس من رمز: أما الثغرة، فهي ضعف عناية عامة المسلمين بالقدس، مع العلم أنها شكَّلت على الصعيد التاريخي، ما يشبه المؤشر على صحة الكيان الإسلامي وقوته.

من هنا كان الإحياء المستمر ليوم القدس والتأكيد على إقامة مراسمه، وإسقاطاً لفكرة أن القدس ليست جزءاً صحيحاً من الانتماء والرمز الإسلاميين، وحثاً للمسلمين على الاهتمام الكافي بهذا المكان الذي شهد مسرى رسول الله ومعراجه واللذين كانا من أهم الأحداث الرئيسية في سيرة النبي  صلى الله عليه وآله وسلم.

ولذا كان التواني عن إيفاء الدعوة والقصور عن تلبيتها تواطؤ مع العدو وسعيه. ومن هنا قول الإمام قدس سره أن التخلُّف عن إحياء مراسم هذا اليوم يجعل المتخلف في صف أعداء الإسلام والمسلمين، ولأن هدف الحركة الصهيونية وحلفائها المستكبرين هو إسقاط القدس من الوعي الإسلامي وحجبها عن اهتمام المسلمين وعنايتهم، ليبلغوا نهاية مشروعهم الذي عمدوا إلى تنفيذه تدريجياً، وذلك أنه إذا كان هدف المشروع النازي إقامة "الرايخ الثالث" أي إعادة إنشاء الأمبراطورية الجرمانية، فإن الهدف النهائي للمشروع الصهيوني هو إقامة "الهيكل الثالث"، أي إعادة بناء "الهيكل" التوراتي على أنقاض المسجد الأقصى بعد تهويد القدس تهويداً تاماً.

إن أي نظرة إلى حركة الاستيطان اليهودي في القدس توضح فوراً المسعى الصهيوني إلى القضاء على إسلامية القدس: أحزمة المستوطنات، الأنفاق تحت المسجد الأقصى، الحفريات تحته التي تهدد أسسه، ومحاولات الاعتداء المتكررة عليه.
ولا يحول بين الصهاينة وبين تحقيقهم لهدفهم النهائي إلا التوجس الاستكباري من رد الفعل الإسلامي على المس بالمسجد الأقصى.

لذلك كان التراخي عن الاهتمام بالقدس توطئة لبلوغ الصهاينة هدفهم، ولذلك كانت دعوة الإمام قدس سره إلى يوم القدس الإطار الأفضل لاستنهاض المسلمين في مواجهة المشروع الصهيوني وبعث همتهم الجهادية في الدفاع عن مقدساتهم واستعادتهم وعيهم بأهمية هذه المقدسات.
ومن هنا، كان من المفيد بل من الضروري، وإحياء لمراسم يوم القدس تعميق الوعي الإسلامي بأهمية القدس كمكان له مركزه في ظاهر الإيمان وباطنه. ولا غضاضة في القول إن الأدبيات الإيمانية حول القدس والمسجد الأقصى ليست شائعة بما يكفي، وقد يكون هاماً جداً أن ينصرف الاهتمام إلى وضع أبحاث كافية وشاملة عن الموضوع، ما يؤسس مستقبلاً لقاعدة وعي حقيقي تكون أساسً صلباً لتمسك المسلمين برمزهم الأثير وحافزاً باعثاً لهم على السعي والجد في فك أسره.
.


 

أضيف في: | عدد المشاهدات:

أضف تعليقاً جديداً

سيتم عرض التعليق على إدارة الموقع قبل نشره على الموقع